السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خير الجزاء على إتاحتكم لنا هذه الفرص لكي نتوجه لكم بأسئلتنا ونستقبل استشاراتكم في مشاكلنا.
حصل لي موقف غريب جدا جعلني أغضب من نفسي وأحاول أن أجد له تفسيرا، وأحلل الموقف لكني لم أنجح فأحببت أن أسألكم عسى أن أجد عندكم الإجابة.
أنا بسبب ظروف عامة لم أعد أفكر في الزواج أو الارتباط إلا أن يسهل الله الأمور .
قبل أيام قلائل تعرفت على شاب عن طريق الصدفة في غرفة عامة، وهو داعية إلى الله، وسألته بعض الأسئلة، وأجابني عليها، لكن بعد عدة مرات سألني في موضوع الزواج، وأنه يريد أن يتقدم لخطبتي خاصة أنه يعيش قريبا منا، فسألني عن رأيي، وهل يأتي لأقابله وأراه أم أن لدي رأيا آخر؟ أنا بصراحة بما أني أصلا لا أفكر في الموضوع من مدة طويلة انصدمت، ثم الشيء الآخر أني لم أكن أتصور أني ممكن أفكر في شخص من هذه القومية، وبعد الامتيازات التي عنده من التزام وأهداف في خدمة الإسلام ومجال الدعوة ومعرفة الناس به بدأت أفكر في الموضوع بجدية، وقلت: أعطني مهلة أفكر في الأمر فوافق، ثم قلت له أن يرسل لي صورته لكي أستطيع أن أقرر، وفعلابدأت أفكر بجدية، وكنت سأطلب منه أن يأتي لخطبتي لأنه يعرف أهلي وهكذا، لكن المفاجأة كانت عندما رأيت صورته، فلقد شعرت بضيق وعدم ارتياح، لا أعرف بماذا أصف الشعور، مع أنه ليس رديء وليس بقبيح، بل هو عادي جدا، لكني لا أعرف سبب ما حصل لي وما هو تفسيره.
ومن يومها وأنا لا أعرف ماذا أفعل، هل أقفل الموضوع وأخبره أني لست موافقة؟ وماذا لو سألني عن السبب؟ ثم ما هو السبب لهذا الشعور؟
غضبت من نفسي لأني كنت دائما لا أجعل الشكل والمظهر الخارجي من الأسباب الرئيسية في اختيار الزوج أو الرفض.
وهذه أول مرة أشعر بمثل هذا الإحساس، وفي الغالب بل دائما الذين رفضتهم كان بسبب التزامهم ودينهم .
هل لديكم تفسيرا لما حصل؟ وهل الذي حصل شيء طبيعي في أن يكون الشخص جيدا من كل النواحي ويحصل هذا النفور من الشكل مع أن الشكل ليس قبيحا؟ هل هو الارتياح النفسي؟ وهل للروح دخل إن أرواحنا لم تتقارب؟هل مثلا لو كان أرسل لي الصورة أولا ثم بعد ذلك فاتحني في موضوع الزواج هل كان الأمر سيتغير؟
أعتذر إليكم عن كثرة الأسئلة، لكنها أسئلة تدور في ذهني لما شعرت به عندما رأيت الصورة مع أني كنت معجبة بشخصيته وتفكيره وأسلوبه وحتى أهدافه وطموحاته وبدأت أفكر بجدية في الأمر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة / حورية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يقدر لك الخير حيثما كان، وأن يمن عليك بزوج صالح مبارك .
وبخصوص ما ورد برسالتك: فكما يقولون الحب والإعجاب من أول نظرة، فكذلك النفرة وعدم الراحة من أول نظرة، هذا موجود وهذا موجود، وكلاهما واقع يعيشه كثير من الناس، وقد يكون فعلا سبب هذا الإعجاب والانجذاب هو تقارب الأرواح وتعارفها، وكذلك سبب النفور هو تنافر الأرواح، وكثيرا ما يحدث لكل الناس مثل هذا، شخص ليس بيننا وبينه أي تعامل، ورغم ذلك نشعر بنوع من الراحة والجاذبية له، وعلى العكس شخص ممتاز بكل المقاييس ورغم ذلك لا نستريح له.
هذه في الواقع أمور خارجة عن إرادة الإنسان وتصوره ما دامت لم تقترن بأي تصرف من التصرفات السلبية أو الإيجابية، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم فيما روته أمنا عائشة رضي الله عنها وأبو هريرة رضي الله عنه: (لأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) وقال العلماء في شرح الحديث خاصة الشق الأخير: أن ما تناكر منها أي لم يتوافق ولم يتناسب اختلف، أي نافر قلبه قلب الآخر، وإن تقاربا جسدا فالائتلاف والاختلاف للقلوب والأرواح البشرية التي هي النفوس الناطقة مجبولة على ضرائب مختلفة وشواكل متباينة، فكل ما تشاكل منها في عالم الأمر تعارف في عالم الخلق، وكل ما كان في غير ذلك في عالم الأمر تناكر في عالم الخلق . أهـ.
ويقول علماء النفس في تفسير هذه الظاهرة: وتفسير هذا في الواقع هو أن الإنسان قد تسلح بالبصيرة الحدسية، والحدس هو الوقوف على الحقائق طفرة واحدة وبغير اعتماد على شواهد أو اعتبارات أو مواقف، وغني عن القول أن الإنسان قد تسلح كما تسلحت الكثير جدا من الكائنات الحية بتلك القوة الحدسية التي يقف بها على الحقائق الموضوعية طفرة أو مرة واحدة .
ومعنى هذا أن الحب أو النفور من أول نظرة يعتمد على وجود طرفين أحدهما أقوى نفسيا أو إراديا من الطرف الآخر، فأحدهما يحس أنه أقوى من الآخر وأنه خليق بالسيطرة عليه وتنفيذ ما يأمره به.
ويقولون أيضا: إن المرء عندما يتعامل مع شخص ما لأول مرة ولم يسبق له أن رآه فإنه يصدر إليه ويستقبل منه رسائل تنبعث عن الاستعدادات الكامنة عند كل طرف من الطرفين، وما إن يصدر إليه ويستقبل منه رسائل متبادلة فيما بين الميول الموجودة عند الطرفين، فإذا كانت الاستعدادات والميول عند الطرفين منسجمة بعضها مع بعض فإن كلا منهما يحس بالانجذاب نحو الآخر، وإذا كانت الاستعدادات والميول عند الطرفين متنافرة بعضها مع بعض فإن كلا منهما يحس بالتنافر والرغبة في الابتعاد وعدم التجاوب مع الطرف الآخر.
وأخيرا: هذا هو التحليل الشرعي والنفسي لما ورد برسالتك، ورغم ذلك فليس من المستحيل أن تتغير تلك الحالة مع الأيام، إذا كانت هناك عوامل قوية تؤدي إلى هذا التغيير مثل الاحترام والتقدير والتفاني والحب والإخلاص، والإقبال على مشاريع مشتركة من أعمال الدين، كقيام الليل أو صيام التطوع أو حلقات الذكر في حفظ القرآن، وكثيرا ما نجد آلاف الأسر ليس بينها كثير من الحب والتعلق في حين نجدها سعيدة بل وسعيدة جدا لنجاح أطرافها في علاج هذا النقص الذي يشعران به، مما يؤدي مع الأيام إلى نوع من الانسجام العجيب والتعلق الغريب، في حين قد نجد العكس أناسا عاشقين بمعنى الكلمة وهم أتعس الناس لعدم قدرتهم على توظيف هذا الحب التوظيف الأمثل الذي يدخل البهجة والسعادة والسرور على الأسرة وأفرادها.
لذا أنصحك بالاستخارة والدعاء أن يشرح الله صدرك للذي هو خير، فإن استمرت تلك الحالة على ما هي عليه فالأفضل أن تعتذري للأخ اعتذارا حسنا مقبولا، وإن تغيرت نفسيتك واختلفت نظرتك فتوكلي على الله وابدئي مشروعك الاجتماعي عسى الله أن يتم عليك نعمته وأن يرزقك زوجا صالحا يكون عونا لك على الطاعة، تبدآن معا تأسيس أسرة مسلمة صالحة تكون نواة للمجتمع الإسلامي الكبير، وما ذلك على الله بعزيز.
مع تمنياتنا لكم بالتوفيق.