السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
أود في البداية أن أعبر لكم عن امتناني العميق لجهودكم في حل مشاكلنا فجزاكم الله عنا كل خير.
سؤالي باختصار يا سيدي: هل الانطباع الأول تجاه الأشخاص يكون صائبا في كل الحالات أم أن الحوار المستمر والنقاش قد يسفر أكثر عن شخصية الشخص المراد التعرف عليه.
مشكلتي يا سيدي أنه كل ما يتقدم لي شاب أقرر من أول نظرة إن كان مناسبا لي أم لا، ويرسخ في ذهني هذا اللقاء الأول والانطباع الأول ولا أملك تغيير وجهة نظري فيه مهما حاول، ولا أدري هل هذا صحيح أم أن أول لقاء في هكذا مناسبة قد لا يسفر عن حقيقة الإنسان.
أحيانا آخذ قرار الرفض من أول نظرة، وأجد بعد ذلك أن قراري كان صائبا وأن هذا الإنسان لم يكن الشخص المناسب، فما هو الصواب في رأيكم؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ ربى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله العظيم أن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وأن يلهمنا السداد والرشاد .
إن الانطباع الأول غالبا لا يكون صحيحا، والصواب هو عدم الاستعجال في الحكم على الأشخاص، ومن الخطأ أن نبني أحكامنا من الوهلة الأولى، وفي مسألة الزواج وبعد الرؤية الشرعية نطلب فرصة من أجل الاستخارة وهي طلب الدلالة إلى الخير ممن بيده ملكوت كل شيء سبحانه، بأن يصلي الإنسان ركعتين من غير الفريضة ويدعو الله بالدعاء الوارد عن رسولنا صلى الله عليه وسلم والذي كان يعلمه أصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن، وهذا دليل على أهميته، وفيه معان عميقة من التوكل على الله واللجوء إليه سبحانه،.
كذلك احرصي على أن تستشيري أرحامك، فالرجال أعرف بالرجال، واجعلوا ميزان القبول والرفض هو الدين والأخلاق والأمانة، وإذا أردت الاستفسار عن بعض الأشياء فلا يجوز إلا في حضور أحد المحارم؛ لأن الخطبة عبارة عن وعد بالزواج فقط، ولكن الرباط الشرعي هو الذي يتيح للإنسان معرفة الإنسان على الحقيقة، والأصل في الناس هو جانب الخير، وتستطيع المرأة بصلاحها أن تؤثر في زوجها وأولادها.
والإنسان يعرف بكلامه حتى قال بعض الحكماء: تكلم حتى نعرفك، والمرء مخبوء تحت لسانه، ويعرف الإنسان بتعامله مع الناس أو بالسفر معه، فالسفر يسفر عن أخلاق الإنسان، ويعرف الإنسان بالتعامل معه بالدرهم والدينار وهذا مقياس الأمانة، ويعرف الجوار وهو ميزان لمعرفة الأخلاق والأحوال، والحرص على الحلال.
وباختصار فليس في الاستعجال مصلحة وكل الخير في التأني والاحتكام بمقاييس الشريعة، وقد مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل في هيئة حسنة فقال للصحابة: (ما تقولون في هذا؟ فقالوا: هذا حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يسمع لقوله، فسكت عليه الصلاة والسلام، ثم مر بهم آخر في هيئة تدل على البساطة والفاقة، فقال: وما تقولون في هذا؟ فقالوا: هذا حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال لا يسمع لقوله، فقال: والذي نفسي بيده هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا).
وهذا درس في عدم الاغترار بالمظاهر، والله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أموالنا ولا إلى أجسادنا ولكنه ينظر إلى القلوب والأعمال، فأعمال الإنسان تدل عليه، فالمداومة على الطاعات والخوف من رب الأرض والسماوات دليل على كثير من عناصر الخير في الإنسان.
وإذا جعلنا الدين مقياسا سلمنا من الخديعة والخلل، وكل عيب في الإنسان يمكن للدين أن يصلحه، لكن المصيبة في أن يكون النقص في الدين.
ولأن الغيب مخفي على الإنسان فلا يعلم الغيب إلا الله وشرع للمسلم أن يستخير ويستشير، ويسأل الله التوفيق والسداد ويصلي صلاة الحاجة ويرفع حاجته لمن يجيب المضطر إذا دعاه.
أسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به، وأن يرزقنا جميعا السداد والرشاد، وبالله التوفيق.