السؤال
السلام عليكم.
أنا طالبة جامعية، عمري 19 عاما، لا أعلم من أين أبدأ، ففي رأسي مليون سؤال، مشكلتي الأولى أنني أصبحت لا أستطيع النوم لأنني بدأت أخاف، والسبب وراء ذلك أنني في أحد الأيام استيقظت وكانت الوالدة تستحم وأنا أنتظرها في غرفتها لنفطر سويا، فبدأت بمناداتي وأنا أرد عليها ولكنها لم تتوقف، فانتظرتها حتى تخرج من الحمام -أكرمكم الله- فسألتها: لماذا ناديتني؟ فقالت: أنا لم أنادك! في البداية توقعت أنها توهمات، ولكن في ذات اليوم عندما ذهبت للنوم استيقظت أختي الساعة 2 صباحا وإذا بها تسمع صوتا يشبه صوت أمي يناديني، وليلة أخرى استيقظت مفجوعة فقد سمعت أحد إخوتي الصغار يستنجد بي، وعندما ذهبت كانوا نائمين.
وأنا الآن أعاني من الأرق، لا أستطيع حتى إغماض عيني من شدة الخوف، أشعر بأن أحدا يراقبني، حاولت أن أهدئ نفسي وبالفعل هدأت، وجعلت ثقتي بالله كبيرة، وكانت أنوار غرفتي مفتوحة، وعندما أغمضت عيني مر شيء من فوقي أسود، إذا لم تفهم قصدي فأغمض عينيك ومرر يدك فوق عينك! لم أهتم وقلت وساوس، قرأت الأذكار، وشغلت سورة البقرة وحاولت أن أنام، وعندما بدأت أرتاح قام أحدهم بشد شعري من الخلف، وكانت شدة قوية، التفت ولم أجد أحدا، وأيضا أصبحت أتكلم في نومي بشكل غير طبيعي، ووصلت معي أنني أتمشى في البيت، لم أقلق لأنني من صغري وأنا أتكلم في نومي لكن بشكل معقول، الآن أتكلم وأعرف أنني أتكلم مع أحد، ولكن أتكلم بأشياء غير مفهومة، يعني أنا مستيقظة لكني غير واعية.
غيرت مكان نومي وأصبحت أنام في غرفة إخواني بحجة أن سرير أخي مريح لظهري، لأنني أعاني من آلام في آخر ظهري، المهم إذا ارتحت ودخلت في النوم أستيقظ مفجوعة والتفت يمينا ويسارا كأن أحد يضغط علي، أو أحد بجواري، وتحدث معي الحالة من مرتين إلى ثلاث مرات في اللية. والآن أصبحت لا أنام إلا وسورة البقرة شغالة، ولكن عندي سؤال وأتمنى أن تجاوبوني عليه، هل الشياطين تستطيع دخول الغرفة إذا كانت سورة البقرة تقرأ فيها؟ لأني أعلم لأن سورة البقرة تطردهم ثلاثة أيام.
وأريد أن أزودكم بمعلومات الوالدة -حفظها الله-، نتوقع والله أعلم أنها مسحورة، منذ أن كنت صغيرة كانت تذهب عند المشايخ وكانوا يأخذونني معها وأنا في الصف الثالث ابتدائي، وأرى النساء يصرعن ويتلوين كالأفاعي، وأمي فقط تهز نفسها والشيخ يقرأ، لا زالت هذه الصورة في عقلي لا تفارقني أبدا، أمي دائما على الرقية والبقرة، وكنت أنزعج عندما تضعها وكنت أقول لها: خلاص لا توسوسي، لو فيك شيء لكان ذهب منذ زمن، لك عشر سنوات وأنت من شيخ لشيخ، وكل هذا وسوسة. ودائما أخاصمها إذا تكلمت عن الجن، أقول لها: انسي فلا يوجد شيء اسمه جن. كلامي لا يعني أني غير مؤمنة بوجودهم، لكن إخواني الصغار سيصيرون مثلي لا ينامون الليل خاصة أصغرهم، صار يخاف ولا ينام إلا بجانبي.
والآن أصبحت مثل أمي لا أنام إلا وأنا وقد شغلت سورة البقرة، يمكن أن يكون الله ابتلاني، أنا أحس بمرض أمي لكني لا أريدها أن تتكلم عن مرضها أمام إخوتي حتى لا تخيفهم، أنا أريد أن أقوي شخصياتهم وهي تهزها. حاولت أن أهدئ نفسي بالتنويم الإيحائي من يومين لكن لم ينفع، كرهت شيئا اسمه نوم، شعري يتساقط، وعيوني تبدو وكأني أتعاطى مخدرات، كل من يراني يسأل ما أصابني، لا أتحمل شيئا، وأهملت دراستي رغم أني كنت مجتهدة، وإذا شغلت سورة البقرة أحس كأن شيئا يقرص رجلي أو فيها مثل الدغدغة، وأحيانا إذا توضأت قبل النوم وشغلت البقرة أحس في بطني غازات، وأظل أتجشؤ ويخرج مني ريح -أكرمكم الله-، وإذا أغلقت البقرة لا يحدث لي هكذا.
وشيء آخر، كلما بدأ كلام عن خاطب سيأتي ينتهي الموضوع قبل أن يبدأ، تكرر هذا أربع مرات، هل يمكن أن أكون مسحورة مثل أمي؟ وأعاني من نحافة شديدة، حتى وإن كنت جائعة وتعديت مقدارا معينا من الأكل، أشعر بدوخة وضيق في التنفس لا يختفي إلا إذا ابتعدت عن الأكل، وأذهب وأنا أكاد أموت جوعا، هل أن مسحورة أم هذا مجرد وساوس؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ طالبة علم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
رسالتك واضحة جدا، والذي تعانين منه قطعا هو الحيرة الشديدة حيال الظواهر الغريبة التي مررت بها، وكأن هنالك نوعا من التواصل مع عالم الجن، أعتقد أن هذه هي الرسالة التي وددت أن توصليها إلي، وأقول لك: أنا أؤمن بوجود العين والجن والسحر والمس والحسد، لكن لا أريد أن تصابي بمبالغات الناس حول هذه الأمور، والتأثيرات الإيحائية التي أضرت بأفكار الناس، واختلط الحابل بالنابل والحق بالباطل والواضح بالسحر والشعوذة، كل هذا سبب أزمات نفسية شديدة للناس.
أنا أقول لك: المهم والضروري هو أن تحافظي على صلاتك وعلى أذكارك، وأن ترقي نفسك شرعيا، وتوجد برامج ممتازة جدا للرقية الشرعية في الإنترنت، وفي ذات الوقت اعلمي وتيقني أنك في حفظ الله، وأن الإنسان مكرم، لذا هو أقوى من كل مخلوق آخر، قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}.
التوهم حول السحر والشياطين مشكلة كبيرة جدا، خاصة إذا عانى منه صغار السن، لأن هذه الأفكار قد تلازمهم طوال حياتهم، لذا أريدك أن تميزي ما بين الحق والباطل والصواب والخطأ في هذا المجال، أي مجال الحديث عن الشياطين وتدخلاتها.
الذي أراه أن حالتك حالة نفسية، ونشات من تخوفك من الشياطين، وأنت في الأصل لديك نوع من القلق المرتبط بالبناء النفسي لشخصيتك، وقطعا البيئة التي تعيشين فيها ساعدت أيضا على نمو الأفكار التخويفية التي تستحوذ عليك.
أيتها الفاضلة الكريمة، اذهبي إلى الطبيب النفسي، أنت محتاجة لأحد مضادات المخاوف، وهنالك أدوية ممتازة جدا، دواء واحد مثل (زيروكسات Seroxat)، ويسمى علميا باسم (باروكستين Paroxetine)، أو (زولفت Zoloft)، ويسمى تجاريا أيضا باسم (لسترال Lustral)، ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline) سوف يساعدك.
إن أردت أن تذهبي إلى أحد المشايخ الموثوق بهم هذا أيضا أمر طيب، وكما ذكرت لك أهم شيء أن يحافظ الإنسان على الصلاة في وقتها، وأن تكون لك أذكار وورد قرآني، وأذكار الصباح والمساء على وجه الخصوص وكذلك أذكار النوم مهمة جدا، لأنها حافظة وتحصن الإنسان من كل شر - بإذن الله -.
أما دخول الشياطين في البيوت، هذا سوف يتحدث عنه أحد المشايخ - إن شاء الله تعالى -، وسؤالك: هل الشياطين تستطيع دخول الغرفة إذا كانت سورة البقرة تقرأ؟ الشيء المعروف الثابت أنه متى ما ذكر الله تعالى يخنس الشيطان، والذي نعرفه من المشايخ أن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه ولا يدخله الشياطين والأشرار من الجن.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرحبا بك - ابنتنا الكريمة - في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك عاجل العافية.
قد أفادك الأخ الفاضل الدكتور محمد – جزاه الله خيرا – بما فيه نفع لك - إن شاء الله -، وقد أوصاك بوصايا كثيرة، ونحن نؤكد منها ما أوصاك به من المحافظة على الذكر والصلوات في أوقاتها، فهذا هو الحصن الحصين الذي يتحصن به المسلم من المكروهات، ومن ذلك الشياطين ومحاولات إيذائهم، وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم وغيره: (إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) وجاء في حديث آخر أن (من قرأ سورة البقرة في بيته نهارا لم تدخله الشياطين ثلاثة أيام، ومن قرأه في بيته ليلا لم تدخله الشياطين ثلاث ليال)، والعلماء عند شرحهم لهذا الحديث يقولون: هذا الحديث عام، يعني في جميع الشياطين.
هذا هو الذي أخبرنا به النبي - صلى الله عليه وسلم –، فينبغي للواحد منا أن يحسن العمل، ويحسن الظن بالله تعالى، فإن آثار الأذكار والتسبيح والتهليل وقراءة القرآن وما يترتب عليها يكون بحسب حال من يقوم بها، فاجتهدي في ذكر الله تعالى، وداومي على الرقية الشرعية، ولا تستسلمي للأوهام والوساوس، فإن كثيرا من الناس – كما أشار إلى ذلك الدكتور محمد – يبالغ في آثار المس أو آثار الجن أو آثار الحسد والعين، فينسب إلى هذه الأشياء ما لا يصح أن ينسب إليها، ويبالغ بعض الناس فينسبون إليها بعض ما يتوهمونه ولا حقيقة له.
نحن نوصيك بأن تحرري نفسك من الأوهام، وذلك بالاعتماد على الله تعالى، واليقين بأن أحدا من الخلق كائنا من كان لا يستطيع أن يضرك إلا بما كتبه الله لك، ولا يستطيع أن ينفعك إلا بما قدره الله تعالى لك، وبهذا اليقين يعيش الإنسان قويا، رابط الجأش، متوكلا معتمدا على الله تعالى، آخذا بالأسباب الشرعية التي بها يدفع المكروه.
نسأل الله تعالى لك العافية والسلامة.