أصيب والدي بالشلل وضعف الذاكرة والأوهام نتيجة جلطة، ما نصيحتكم؟

0 491

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

جزاكم الله خيرا على ما تسدونه للناس من خدمات، وما تبذلون من مجهود، فلكم الشكر الجزيل.

منذ حوالي 6 أشهر، أصيب والدي الذي عمره 65 سنة، ويأخذ حبوبا لعلاج ارتفاع ضغط الدم والسكري؛ أصيب بجلطة دماغية، وهي عبارة عن انسداد شريان دماغي على إثر ارتفاع لضغطه الدموي، وتسببت له الجلطة بشلل في نصفه الأيسر، حيث يحرك أطرافه، ولكن لا يتحكم فيها، مع عدم الإحساس بها، وكذلك تسببت له بضعف وتشتت في النظر وفقدان الذاكرة القريبة؛ إذ ينسى بسرعة ما فعل أو قال أو ما يقال له، ويعيد السؤال عن شيء ما مرارا وتكرارا، ولكنه يتعرف على الأشخاص وأسمائهم والذكريات القديمة وما شابه ذلك.

زار بعد الحادث اختصاصي قلب وشرايين، وأعطاه دواء ضغط الدم و(CardioAspirine100) ودواء كولسترول (Staticol20mg)، وبدأ يأخذ حصصا في الترويض الطبي لتحريك أطرافه، وذلك مرتين في الأسبوع، وحاليا يأخذ حصة واحدة فقط، ولفترة قصيرة كان والدي يعاني من الأرق؛ لأنه لم يكن يستطيع النوم حتى الفجر أو طلوع النهار، بالإضافة إلى الهلوسة في بعض الأحيان، حيث يخبرنا أنه يرى أشياء لا وجود لها، مثل: حشرات معينة، يطلب إنارة الأضواء، رغم أن الغرفة مضاءة، ويقول بأنه التقى بأناس وسافر إلى مدن قبل أيام، وهو لم يبرح الفراش منذ مدة.

عرضته على اختصاصي أعصاب ودماغ (Neurologue)، وزاده دواء (Prisdal1mg (Rispéridone) +Fluoxet20mg (Chlorydrate de fluoxetine ، واستمر على هذا العلاج مدة شهرين، وكان يتحسن تدريجيا من الناحية الحركية؛ فقد أصبح يستطيع المشي بمساعدة أحدنا، ويمسك بالأشياء بيده بدون إتقان، ومن الناحية النفسية أصبح يستعيد شيئا من الحيوية والمرح في بعض الأحيان، وتحسن بسيط في توجيه نظره فيما حوله، غير أنه لم تتحسن قدرته على الإحساس بأطرافه ولا النوم الجيد، فهو ينام متأخرا جدا؛ مما يتعب والدتي التي تبقى مستيقظة خشية أن يسقط إذا حاول المشي وحده، كما يتعبها بكثرة تكرار الأسئلة التي سرعان ما ينسى أجوبتها، ويبقي الغرفة مضاءة، كما لم نسجل أي تحسن ذي قيمة في ذاكرته، ولهذه الأسباب طالبتني والدتي وبعض أعمامي بعرضه على اختصاصي أو جراح أعصاب ودماغ يكون أكثر تجربة، وهذا ما فعلته، رغم أني كنت مقتنعا أن زيارة اختصاصي آخر لن تفيده أكثر.

الطبيب أبقى على دواء ضغط الدم والإسبرين، وألغى (Prisdal1mg (Rispéridone)، وعوض (Fluoxet20mg) بـ( Fluzoft20mg(fluoxétine)، كما أضاف (Vastarel35mg(Trimétazidine)
+Dopézil5mg(Donépezil chloridrate)، الخاص بالمصابين بالزهايمر؛ لتحسين ذاكرته، لكن للأسف كانت النتيجة تراجعا في حالته النفسية: يبكي في أحيان كثيرة لغياب أخي الأصغر الذي يعمل في مدينة أخرى، أو حين أنهر بشدة ولدي المشاغب، كما يبقى فترات يركز نظره في الأرض أو في سقف الغرفة حين يكون مضطجعا دون أن يتكلم، خاصة بالليل، نحس بأنه مهموم ويفكر في شيء ما، يطيل السهر بالليل والنوم بالنهار، نظره مشتت، إذا مشى تحسبه أعمى لا يرى، رغم أنه يرى ويتعرف على الأشياء البعيدة بمئات الأمتار، كما لم تتحسن ذاكرته رغم الدواء الجديد.

الأدهى من ذلك –وهو الأمر الذي دفعني لاستشارتكم- أن والدي أصبح يختلق بعض الأحداث والأوهام التي يعتقد بشدة أنها صحيحة ووقعت فعلا، ولا ينفك يكررها ولا ينساها؛ كأن يتهم أخاه الأصغر بتخديره والاستحواذ على نصيبه من أرض جدي خلال زيارة سابقة لمسقط رأسهما، أو أن يعزو ما وقع له لكلب كبير أسود ضرب أبي على رجليه وأسقطه عند الغروب، وأنه لا يحتاج الأطباء وإنما زيارة أحد الأضرحة لفك المس الذي أصابه، والأخطر توهمه أنه رأى أمي تخونه مع صاحب المحل الذي كان والدي يعمل فيه قبل مرضه، فصدم لما رآه، وشلت يده ورجله من الصدمة، وحين نخبره ألا شيء من ذلك صحيح، ونذكره بالأسباب الحقيقية لمرضه وتناقض قصصه يغضب ولا يقتنع.

هذه الأوهام جعلته يكره أقرب الناس إليه وأكثرهم مساعدة له، كأمي وعمي الأصغر وخالي، بل وصل الأمر في إحدى المرات إلى تهديد والدتي بطعنها بسكين إذا استمرت في إنكارها (حادث الخيانة)، وتذكيره بأسباب مرضه، ولقد أحسست بخوف أمي وحملها ما يقول والدي محمل الجد، وهي الآن تطالبني بإيقاف حصص الترويض من جهة؛ لأن المال الذي أصرفه أنا في ذلك تحتاجه للحاجيات اليومية؛ نظرا لضعف راتب تقاعد والدي، ومن جهة أخرى: حتى لا يستعيد كامل عافيته البدنية فيؤذيها أو يؤذي نفسه؛ فقد هدد يوما برمي نفسه من سطح المنزل، حيث إنه أصبح يستطيع المشي وصعود الدرج بدون مساعدة أحد، ويصعد لسطح المنزل حين يقنط من الجلوس داخل البيت، ولا يجد من يخرج معه من البيت، حيث إن عملي ومسؤوليات بيتي –أنا ابنه الأكبر، ولا أعيش معه- تمنعني من تفسيحه كثيرا، فقط مرة أو مرتين في الأسبوع، وأخي الآخر الذي يعيش مع والدي يتهاون في الخروج معه وتفسيحه، رغم أنه عاطل عن العمل، وأختي الصغرى منشغلة بعملها.

هذه حالة والدي، وأسأل عما يلي:

- أنا أريد لوالدي أن يستمر في حصص الترويض على قلتها؛ حتى يتحسن أكثر –حركيا على الأقل-، وفي نفس الوقت لا أريد معارضة والدتي، وأتفهم تخوفها، ولا أدري ما أفعل؟

- أرجو بشدة أن يستعيد ذاكرته، ولا أعرف كيف يستعيدها ولا أي الدواء الأنجع لذلك، ففقدانه الذاكرة يسبب له ولمن حوله مصاعب كثيرة.

- ثم بماذا تنصحوننا في طريقة التعامل مع والدي عمليا ونفسيا بالشكل الذي يعينه على التعافي ولا يرهق من حوله، خاصة والدتي، مع الإشارة أن والدتي مريضة بالسكري أيضا، وتأخذ جرعات الأنسولين.

في انتظار جوابكم، وتقبلوا مني خالص الشكر والامتنان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يوسف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك على التواصل مع إسلام ويب، ورسالتك واضحة جدا، وكل الأمور الجوهرية المتعلقة بوالدك من حيث الجلطات الدماغية قد ذكرتها، وقطعا والدك لديه تغيرات واضحة جدا، مشاكل في قواه المعرفية والذاكرة، مشاكل في بعض سلوكياته، ومشاكل في أفكاره.

أما بالنسبة للأفكار فهي أفكار (بارونية) زوارية ظنانية، أي أفكار شكوكية، وهذا يحدث كثيرا مع الجلطات الدماغية.

السلوكيات أنت أوضحتها، ولديه التذبذب العاطفي والوجداني (سرعة البكاء، سرعة الانفعال)، وهذا أمر معروف جدا بعد الإصابات الدماغية، وتأتي بعد ذلك مشكلة الذاكرة، وهذه أحد تبعات الجلطات، وهي تؤدي إلى ما يعرف بالخرف الوعائي.

أخي الكريم، قطعا الذاكرة إذا لم تتحسن بصورة معقولة في خلال عامين –على أبعد الحدود–، فاحتمال التحسن سيكون ضعيفا جدا. هذه هي طبيعة الأشياء، ولا تنزعج لما أقوله لك.

وجد أن ترويض الذاكرة يفيد في بعض الأحيان، وهي: أن يدرس الإنسان، أن يعلم، أن يخطر بالمعلومات اليومية باستمرار دون أن يسأل كثيرا. هذا وجد أنه مفيد.

الأدوية التي تحسن الذاكرة مثل (إبيكسيا Ebixia) أو (آرسبت Aricept)، وهو (Donepezil): هذه لا بأس في استعمالها، لكن إن لم تفد في خلال ستة أشهر، فلا فائدة منها.

بالنسبة للخطة العلاجية العامة، الذي أوده الآتي:

1- أن يكون هنالك حرص شديد ألا تحدث جلطة دماغية أخرى لوالدك، وذلك من خلال المتابعة مع طبيب الضغط والسكر، واتخاذ التحوطات التامة من خلال أن يكون الضغط في حالة منضبطة وكذلك السكر، وقطعا تناول الأدوية المانعة للجلطات يعتبر أمرا ضروريا، وهذا أمر فني بسيط معروف لدى الأطباء.

2- هذا مهم جدا: أنت ووالدتك وكل من هو في خدمة والدك، الأمر يتطلب منه الصبر واحتساب الأجر، (بروا آباءكم، تبركم أبناؤكم).

3- بالنسبة للأفكار الظنانية: نعم، هي مزعجة، وقطعا عقار (الرزبريادون) حين أعطي له كان الهدف منه هو ألا تحدث أو القضاء على هذه الأفكار، وكذلك أن يكون هنالك نوع من الهدوء النسبي.

أيها الفاضل الكريم، اعرض والدك على الطبيب النفسي، بمعرفة طبيب الأعصاب، وأنا متأكد أنه سوف يعطى أحد الأدوية المضادة للظنان والتي تعتبر سليمة في عمره؛ لأن أحد إشكاليات الأدوية المضادة للظنان، هنالك دراسات تشير أنه في حالات نادرة جدا قد تؤدي هي نفسها إلى جلطات، لكن هذا الأمر حوله الخلاف الكثير، وأنا شخصيا أعطي هذه الأدوية، مثل: (السوليان) و(الرزبريادون) و(الإرببرازول)، كلها أدوية رائعة جدا جدا.

إذا يجب أن يعطى والدك أحد الأدوية المضادة للذهانيات بجرعة بسيطة، وهذا الأمر أيضا فنياته كلها معروفة لدى الأطباء.

أخي الكريم، هذا هو الذي أود أن أنصحك به، واحتساب الأجر في مثل هذه الأحوال، فالموقف مهم جدا، وهذا باب مفتوح لك إلى الجنة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات