السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب أنتمي إلى الصحوة الإسلامية المباركة، رغبت بالارتباط بفتاة تنتمي إلى نفس دعوتي، ووددت لو أن أهلها لهم نفس التوجه، وبالفعل وعن طريق خالي عثرت على فتاة مرتبطة بالدعوة، وبها بعض شروطي التي كنت أضعها للفتاة التي أريدها، المهم خطبتها، وكانت المدة حوالي خمسة أشهر، ولم أستطع التحدث معها كثيرا خلال هذه الفترة؛ لأن أهلها لم يتركونا نتحدث بحرية مع بعضنا حتى وهم موجودون معنا، ولكنني قلت: لعل القضية تختلف بعد عقد القران، وبالفعل عقدت قراني وأصبحنا نجلس مع بعضنا بمفردنا، ونتحدث سويا وبدأت المشاكل تظهر، فهي مرتبطة بأهلها جدا، ولديها القدرة على مناقشة الموضوع الواحد أكثر من مرة، مع أننا كنا قد أنهينا مناقشته قبل ذلك، وفي بعض الأحيان لا تستمع لكلامي مطلقا.
دام عقد القران ستة أشهر حتى حدثت المشكلة الكبرى، حيث أنني رفضت أمرا ما، ووجدتها تنفذه مع معارضتي بشدة لهذا الأمر، وحينها لم أستطع الصبر، وطلبت الانفصال وانفصلنا، مشكلتي هي أنني أحس بالذنب الشديد الآن، ولدي رغبة لتصحيح هذا الخطأ، هل أفعل ذلك أم لا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ ابن الدعوة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله العظيم أن يحفظك ويسددك، وأن يرزقنا جميعا السداد والرشاد، وأن يعيننا على طاعته.
إن مسيرة الحياة الزوجية طويلة، ولا تخلو هذه المرحلة من صعاب، ومواقف تحتاج إلى صبر وتحمل، وهذا داخل في معنى حسن العشرة، إذ ليس المقصود بها المعاملة الحسنة فقط، ولكن لابد مع ذلك من احتمال الأذى.
ولا شك أن استعجالك بالطلاق كان هدما لمنزل لم يكتمل بناؤه؛ حيث لم تنتقل هذه الزوجة إلى بيت الطاعة، ولم تكتمل مراسيم الزواج التي سوف تختفي بعدها كثير من المشاكل، ولن يكون ارتباط الفتاة بعدها بأهلها وتأثرها بآرائهم قويا، خاصة إذا أحسن الزوج عشرتها وعرف لها حقوقها، وقدر فيها عناصر الضعف والنقص، فقد خلقت المرأة من ضلع أعوج، ولن يستطيع الرجل الاستمتاع بها إلا إذا قدر ذلك، وإلا كان طلاقها وهو كسر لذلك الضلع الأعوج، والصواب أن يصطحب الرجل هذا المعنى العظيم، ويتذكر توجيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلق رضي منها آخر) وهذه دعوة للنظر إلى الحسنات والجوانب الطيبة في هذه الفتاة ككونها ملتزمة ومن أسرة حريصة على عفة هذه البنت ورعاية الضوابط الشرعية، وكونها تنتمي لنفس المدرسة الدعوية التي تنتمي إليها، وهذا كله مما يزيد فرص النجاح في هذه الأسرة الوليدة، ثم تأتي بعد ذلك للجوانب السلبية، مثل عدم طاعتها لك، وهذا بلا شك عيب وخلل، ولكن ينبغي أن يعين الرجل زوجته على طاعته، وذلك من خلال رعاية مشاعرها، واختيار الألفاظ المناسبة، وتذكرها بأن طاعته من طاعة الله إلا إذا أمر بمعصية الله فعندها لا سمع له ولا طاعة، ومن الضروري أن تكون هذا التعليمات والأوامر معقولة، فإذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع.
وإذا التزم الإنسان بهذا الأدب العظيم في الحكم على زوجته جاء الحكم عادلا، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث.
ولا بد أن تعرف أيها الابن الكريم! أن الرجل يملك الحق في طلاق زوجته، ولكن آخر الدواء الكي، فلا داعي للاستعجال؛ لأن الشيطان حاضر، وهمه خراب البيوت، بل أنه يسعد بهذا النوع من المشاكل، ويقبل رأس الشيطان الذي أشعل هذه النيران حين يأتيه فيقول له: لا زلت به حتى طلق زوجته، فيدنيه، ويقول له : أنت أنت، فالطلاق أبغض الحلال؛ لأن فيه قطع للأرحام، وزرع للعداوات، ونشر للغيبة والنميمة والشرور بين الناس، وفيه ضياع للذرية، إلى غير ذلك من الشرور.
والطلاق الناجح هو الذي تراعى فيه الضوابط الشرعية من حيث توقيته، وعدم التعسف في استخدام هذا الحق الذي ينبغي أن يكون بعد مراحل عديدة ومحاولات كثيرة، من وعظ وهجر وضرب غير مبرح، ثم يرفع الأمر لمحكمين عاقلين أمينين يحفظان الأسرار ويحرصان على الإصلاح، فإذا تعذر الوفاق وكثر الشقاق، فإن الله يقول: (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته)[النساء:130].
وأرجو أن تتذكر أن الأيام الأولى في الحياة الزوجية يكون فيها شد وجذب، وخلاف على كثير من الأمور؛ لاختلاف الطبائع والظروف التي تربى عليها وفيها كل طرف، ولكن المطلوب من الرجل والمرأة هو التنازل عن بعض الأشياء التي تعود عليها؛ ليكون التلاقي في منتصف الطريق، ولا شك أن كثيرا من الأسر بدأت بالنفرة والمشاكل والخلافات، لكن حكمة الأزواج تخطت هذه الصعاب، فكانوا بعد ذلك من أسعد الأسر، بل وكانت تلك المواقف مما يزيد في المحبة والوفاق، وهذا هو الوجه الآخر للخلافات الزوجية إذا أحسن الزوجان التعامل معها، وتوفرت الرغبة في الإصلاح والحرص على استمرار المشروع.
وجزاك الله خيرا على هذه الرغبة في الإصلاح، وإذا علمت من الفتاة ندمها وحرصها على استئناف حياة جديدة وقف ضوابط الإسلام الذي يجعل طاعة الزوج واجبة على زوجته، وحرصت أنت كذلك على الالتزام بهذا الدين الذي يأمر الرجل بالإمساك بالمعروف.
وأرجو أن تشجع كل بادرة خير من الطرف الآخر، وعليكما بطي صفحة الماضي، والله يقول للأزواج: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)[النساء:34]، وإذا اعتدى الرجل وظلم فعليه أن يتذكر ختام الآية، وفيه تهديد لكل من تدعوه قدرته وقوته إلى ظلم الناس، وينسى قدرة الله عليه: (إن الله كان عليا كبيرا)[النساء:34].
فالصواب أن تعود لزوجتك، وأن تجتهدا في تطبيق هذا الإسلام الذي شرفنا الله به، والاحتكام إليه عند كل خلاف بالتفاهم والود ورعاية المشاعر، وعليكم بصلاة الاستخارة، واعلموا أن ما عند الله من خير وتوفيق لا ينال إلا بطاعته.
أسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يصلح لنا ولكم الذرية، والله الموفق.