السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب بعمر 28 عاما، مشكلتي أني انطوائي جدا، وليس لي أي أصدقاء بسبب تربيتي وإهمال أبي وسوء معاملة أمي لي بتفرقتها الشديدة بيني وبين إخوتي، فهي ظالمة تفرق في المعاملة بيني وبين إخوتي منذ طفولتي!
لذا كانت كلما ثارت مشكلة بيني وبين إخوتي كانت تشجعهم على ضربي، بل كانت تفعل ما هو أسوأ من ذلك، فكانت تكذب على أبي وتدعي بأني من يسبب المشكلات، رغم أن هذا غير صحيح في الغالب.
كان أبي أيضا شخصا لا يهتم ببيته وأسرته، لذا لم يكن يجلس أو يتحدث معي أو عن مشكلاتي، بل كان يأخذ كلام أمي ويصدقه ويأخذ في ضربي وطردي من المنزل عندما تشتكي له مني بدون أن يتحقق من كلامها، وهذه المعاملة السيئة من الوالدين قد جعلتني منذ صغري شخصا انطوائيا بشكل كبير، أتعصب لأتفه الأسباب!
كما أني إلى الآن لا أجد عملا أعمله، مما سبب لي الكثير من الاكتئاب والقلق والشعور بالفشل، وأحيانا المرض، وأمارس العادة السيئة، وآخذ دواء بسبب ذلك، وأصبحت أقضي معظم وقتي بالمنزل مع الحاسب لعدم وجود أصدقاء!
كما أني لا أستطيع احتمال أمي بالمرة، فأتعصب عليها دائما، وأقول لها أسوأ كلام أحيانا لقسوتها، وسوء معاملتها، وأحيانا أتعصب لأسباب بسيطة، وأنا أحافظ على الصلاة غالبا، وأقرأ القرآن.
هذا ما أنا فيه وأتمنى أن أجد لديكم توجيها.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عادل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
آلمني كثيرا أن تصف أمك بأنها ظالمة، وأنها تفرق بينك وبين إخوتك، وأنها تسلط إخوتك عليك لأن يقوموا بضربك.
أيها الفاضل الكريم: أنا أحترم وجهة نظرك تماما، لكن أقول لك: إن وجهة نظرك هذه قد تكون ليست دقيقة، وأعتقد أن لب المشكلة وجوهرها هو أنك تحمل على والديك كثيرا.
أنا أريدك أن تعيد النظر، وأن تجلس مع نفسك، وألا تحمل والديك أو لا تحمل عليهم بالصورة التي ذكرتها، فالوالد والوالدة ليس لهم مصلحة أبدا في أن تكون طفلا منشئا على أسس خاطئة، الأم تحب ابنها، وكذلك الأب، والحب لديهما غريزي فطري جعله الله في قلوب الآباء والأمهات، فلا يمكن أبدا أن تريد لك شرا، قد يكون منهجها التربوي فيه بعض الأخطاء، لكن ليس بالدرجة التي تجعل مشاعرك الدفينة ضدها بالصورة التي ذكرتها.
كل الدراسات أشارت أن الأطفال والشباب الذين ينعتون آباءهم وأمهاتهم بما هو غير مقبول وسيء؛ لديهم مشكلة في شخصياتهم أصلا، أنا لا أريدك أن تكون من هؤلاء.
أعد النظر، واعرف مسؤولياتك حيال نفسك، أنت الآن تبلغ ثمانية وعشرين عاما، وأنت الذي ينبغي أن تعتني بوالديك، أنت الذي يجب أن تقدم لوالديك، أنت الذي يجب أن تكون أكثر برا بوالديك.
أنا أعتقد أن مشكلتك الكبيرة جدا هي هذه الفجوة الوجدانية والعاطفية، ابتعادك كثيرا عن والديك، أو منهجك السلبي في التفكير حيالهم هو الذي أتى عليك بالاكتئاب والقلق، لأن بر الوالدين أمر مطلوب، والجنة تحت أقدام الأمهات، ورضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخطهما.
أيها الفاضل الكريم: لا مجال أبدا للحوار والنقاش حول هذا الأمر، هذا الأمر في اتجاه واحد، التعامل مع الآباء يكون بمودة وبرأفة وبرحمة، وألا نقول لهما (أف)، وأن نسعى دائما في برهما، وأن ندعو الله تعالى كما أمر في قوله: {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} وأن نمتثل قوله: {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة}.
افتح هذا الطريق تفتح لك الدنيا بكل خيرها، وعليك أن تصحح مسارك، مسار الفشل الذي تخاف منه، يجب أن تعمل، يجب أن تتوقف عن العادة السرية، لا أحد يستطيع أن يقيم حياتك أو يبدلها لك، الجلوس على الحاسوب ليس أمرا مفيدا، الأصدقاء موجودون – أيها الفاضل الكريم – تجدهم في ميادين الرياضة، تجدهم في المساجد، تجدهم في القاعات الشبابية، فأنت الذي يجب أن تخرج للحياة لتعيشها بصورة جيدة، والحياة لا يمكن أن تأتيك لوحدها وأنت على هذه الشاكلة.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.