أهمية الإصلاح بين المتخاصمين والموقف من جمعهما في حال الغضب

1 844

السؤال

حدث خلاف بين صديقتين، ولجأت إلى إحداهن، وذكرت لي ما حدث بينهن، ولقد حاولت أن أبين لهن أنه قد يكون هناك سوء فهم من واحدة منهن، وكان من الممكن أن أجمع البنتين معا وأسمع من الطرف الآخر، ولكن البنت كانت في حالة غضب فلم أستطع جمع الصديقتين معا، وبعد فترة رأيت البنت الأخرى، وأردت أن أعرف ما حدث بينهن على انفراد، وأخبرتني أنها صالحتها، وانتهى الخلاف، فقلت: الحمد لله تم الصلح سريعا، ولكن هل قمت بالتصرف الصحيح في أني لم أجمع بينهما بعد ذلك؟
وسؤالي الثاني: كيف أصلح بين المتخاصمين إذا لجأا إلي؟



الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
ابنتي الفاضلة/ النور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله العظيم أن يوفقك للخير، وأن يسدد خطاك، ونسأله تبارك وتعالى أن يرزقنا الإخلاص في أقوالنا وأفعالنا وأحوالنا.

جزاك الله خيرا على هذه الرغبة في الإصلاح بين المتخاصمات، وهذه هي روح المسلمة، وهي دليل كذلك على صفاء نفسك وحسن خلقك، فاحرصي على عمل الخير وخير العمل.

والخصومة غالبا تحدث لسوء التفاهم، والشيطان حريص على التحريش بين الناس وإشعال نيران العداوة والبغضاء، ويفرح لفساد ذات البين وانتشار الكراهية، وفساد ذات البين هي الحالقة للدين والمدمرة لأواصر المحبة وروابط الأخوة بين أهل الإيمان.

وشريعة الإسلام تهتم بالإصلاح بين الناس، ولذلك وضعت ضوابط للأخوة وحقوقا للمسلم على أخيه، وحرمت الغيبة والنميمة والحسد والكبر والخصومات وكل ما يعكر صفو هذه الأخوة: (لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه).

والإنسان مدني بطبعه لا يستغني عن التعامل مع إخوانه، ولا يستطيع أن يعيش منفردا، ولكن عليه أن يحتمل الأذى ويكف أذاه عن إخوانه، وتلك صدقة منه على نفسه، والمسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، وقد مدحت الشريعة من يكظم غيظه، فقال سبحانه: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ))[آل عمران:134]، وبشر النبي صلى الله عليه وسلم من يكظم الغيظ فقال: (من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين ما شاء).

وقد وضعت الشريعة علاجا للغضب، وذلك بأن يتعوذ الإنسان من الشيطان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، ويغير هيئته، فإن كان قائما جلس، وهكذا، ويفضل أن يسكت ويخرج من المكان، ويتوضأ ويذكر الله، ويقرأ القرآن ويسجد للرحمن، قال تعالى: (( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ))[الحجر:97-98].

أما إذا اشتد الخصام وحصل الهجران فلا يجوز أن يكون ذلك أكثر من ثلاثة أيام، وهي فرصة للمراجعة والندم، وخير المتخاصمين من يبدأ بالسلام ويبادر بالصفح وطلب العفو، مع العلم أن التمادي في الخصومة والفجور فيها من صفات المنافقين، وإذا طال الهجر والخصام فإن أعمال المتخاصمين لا ترفع حتى يصطلحا وتعود المياه إلى مجاريها.

ومن واجبنا أن نسعى للإصلاح ونقول الخير وننمي مشاعر الود، فإذا قال أحدنا كلمة إيجابية ننقلها للآخرين، ونزيد عليها من الكلمات الطيبة والتذكير بالله، والرغبة فيما أعده للعافين عن الناس، على أن يكون ذلك على انفراد وبأسلوب طيب، وليس من المصلحة الجمع بين المتخاصمين إلا بعد أن نغرس مشاعر الخير في نفوس الجميع، وبعد أن تهدأ العواصف حتى لا تجدد الجراح والآلام، مع الانتباه لصفات كل واحد منهما، فإذا كان أحدهما سريع الغضب فالصواب أن يكون اللقاء وديا دون تعرض لأسباب الخصام، ويفضل أن يكون فيه تذكير بالله، والذكرى تنفع المؤمنين.

نسأل الله أن يصلح المسلمين، وأن ييسر لهم الهدى.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات