السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبة جامعية كنت قد اجتزت السنة الأولى من الطب، وهي السنة التي ندرس فيها موادا عامة، ولم نتعمق كثيرا في الطب، ولم ندرس أي شيء عمليا -كان كل شيء نظريا-، فلم أر أي جثث للتشريح، ولم أدخل مختبرات ومعامل الجامعة لأرى دما، وكنت قد قررت التخصص في طب الأسنان ابتداء من السنة القادمة.
مشكلتي تتمثل في كوني أعاني من الشعور بالدوران وأحيانا بالإغماء عند رؤية الدم، كما أنني أشعر بارتخاء في يدي، فلا أستطيع التركيز أو إمساك أي شيء، ومرة أغمي علي في معمل الأحياء في المدرسة لرؤية الدم، ومرة كاد يغمى علي عند رؤية أخي ينزف، وقد فقدت التحكم في يدي في تلك اللحظة، والأمر لا يتوقف عند رؤية الدم فقط، بل حتى عندما رأيت شخصا قد أغمى عليه في التلفاز، وحاولوا علاجه بحقنة، شعرت بدوار وكدت أسقط، وحتى عند رؤية أحد فور خروجه من غرفة العمليات أشعر بالدوران، وأشعر بأنني لست متماسكة جسديا، وكذلك عندما أدخل المستشفى ينتابني شعور بعدم الارتياح، وعندما أشم رائحة المستشفى، وأرى حجرة طب الأسنان، وعندما أدخل معمل التحاليل أشعر بأنني سيغمى علي، إلا أنني أتماسك حتى يأخذوا مني عينة الدم، عندها تقول لي الممرضة: اقبضي يدك, لا أستطيع أن أقبضها بشكل تام، وعندما يتحدث شخص أمامي بأنه قد جرح، أو إذا تحدث عن حادث دموي, أشعر بأنني أتألم في نفس الموضع الذي جرح فيه الشخص.
سألت بعض من كانوا طلبة طب، فقالوا إن حالات الإغماء تحدث لبعض طلبة الطب في السنة الدراسية الأولى عند رؤية الجثث، ومن ثم يعتادون على الأمر، لكن الأمر المقلق بالنسبة لي أنني بالإضافة إلى الإغماء والشعور بالدوران، يحدث لي ارتخاء في اليدين، ولا أعرف أحدا يعاني من نفس حالتي، ثم اعتاد على الأمر، فهل حالتي هذه تستدعي مني تغيير مجال دراستي، أم أنني سأعتاد وعلي الاستمرار في دراسة الطب؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
حالتك – إن شاء الله – بسيطة جدا، وهي شائعة، وهو نوع من المخاوف وليس أكثر من ذلك، وهذه المخاوف مخاوف ظرفية، تعالج من خلال التعرض والتعريض، والتعرض هنا يكون في الخيال ثم يكون في الواقع.
التعرض في الخيال: أريدك أن تكتبي في ورقة على الأقل سبعة أو ثمانية مواقف، سوف تحسين فيها بالدوران والإغماء وارتخاء عضلات يدك، حددي هذه السبعة أو الثمانية مواقف، ثم بعد ذلك تأملي في كل واحدة منها بدقة، مثلا دخولك المستشفى، وأن تشمي رائحة المستشفى، هذا أحد المثيرات – كما ذكرت وتفضلت – عيشي رحلة التعريض هذه بهذا الوضع، تصوري أنك قد قمت بدخول أحد العنابر المزدحمة جدا لزيارة أحد الأقرباء، ومن ثم حدث لك شيء من عدم الارتياح وربما الدوران البسيط، لكنك قاومت هذا الموقف وقلت لنفسك: (أنا مثل بقية الناس، لماذا أكون ضعيفة؟ أنا أريد أن أزور هذا المريض، أنا أريد أن أحتسب الأجر، أنا أريد أن أصبح طبيبة) وهكذا.
إن عملية كاملة للترويض النفسي والترويض المعرفي والذهني، وهذا الترويض ناتج من التعريض المكثف، يعني أن تأخذي الأمر بجدية شديدة جدا.
تطبقين هذه التمارين بمعدل أربع مرات في اليوم، وبعد ذلك تبدئين بالتدرج وتذهبين إلى المستشفيات، هذا مهم جدا، لأنك إذا لم تطبقي في الواقع سوف يزداد لديك التجنب، وسوف يزداد لديك الخوف الافتراضي الوسواسي أنه سوف يحدث لي كذا وكذا وكذا، وهذا ليس صحيحا أبدا.
إذا التعرض مهم جدا، التعرض في الخيال، التعرض في الواقع، وفي ذات الوقت تذكري أنك حين تكونين في الفصل الدراسي، هنالك ما يمكن أن نسميه بالتآزر الجماعي، لأنك جزء من مجموعة، والمجموعة تمارس نفس الممارسات، وتتعرض لنفس المواقف التي تتعرضين لها.
فلا تنزعجي – أيتها الفاضلة الكريمة – وعملية ارتخاء اليد هذه هي أيضا معروفة، وهي نوع مما يسمى بالشعور النفسي التحولي، والبعض يسميه بالارتخاء الهستيري، لكني لا أحب هذا المسمى، ولا يحدث عطل حقيقي في يدك، ليس هنالك شلل، ليس هنالك ضعف في الأعصاب، إنما هي عملية نفسية وقتية، بالتجنب والتعريض وتحقير فكرة الخوف هذه – إن شاء الله تعالى – سوف تتحسن أمورك كثيرا، ويجب أن تكسري هذه الحواجز النفسية، وتكوني متفائلة، ولا أعتقد أنك في حاجة لعلاج دوائي، بالرغم من وجود أدوية كثيرة جدا تعالج قلق المخاوف من النوع الذي تتحدثين عنه.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.