السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في البداية أود أن أشكركم على كل ما تقدمونه من مساعدة، فجزاكم الله خيرا، وأسأل الله أن يثيبكم خير المثوبة.
لدي مشكلة كبيرة، ولا أحد يستطيع حلها، وهذه المشكلة قد أثرت على كل أفراد الأسرة.
في الواقع والدي قد تغير كثيرا لدرجة أني لم أعد أعرفه، أنظر إليه وكأنه غريب لا تربطني صلة به، والدي يبلغ من العمر 60 سنة، قد تقاعد من وظيفته منذ 6 سنوات تقريبا، المهم أنه لم يعد يتحدث معنا منذ عدة سنوات، أصبح مشغولا بأعمال أخرى، وإن فرغ من أعماله يذهب ليخرج مع أصحابه ويتركنا وحدنا في أيام العطل دون أن يعرض علينا الخروج للتنزه أو من هذا القبيل، حتى إنه لا يجلس معنا ويتحدث معنا كما لو كنا عائلة، وفي آخر مرة أتذكر أننا تجمعنا وكان موجودا معنا منذ 8 سنوات تقريبا، هذا بغض النظر أنه يتخلف عن الحضور في الأعياد، وإن قدم سلم علينا ثم ذهب مرة أخرى ليخرج مع أصحابه، وقد خاطبته أمي مرارا ووضحت له الخطأ الذي يرتكبه في حقنا خلال السنين السابقة، إلا أنه لم يتأثر، مع العلم بأنه لا يتخلف عن زيارة أخي من جهة الأب فقط، بالرغم من أنه لم يكن يزوره في السابق، وأمي هي التي طلبت منه ألا يهمل ابنه، وأن يعامله برفق، لكننا جميعا الآن متعجبون مما آلت إليه الأمور.
أتمنى بل وأرجو منكم أن تفيدوني، فأنا أستطيع أن أتابع حياتي على هذا المنوال لكني لا أريد أن أندم في المستقبل أو أكن له شيئا من الحقد والكراهية.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الابنة الفاضلة/ نوريا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله العظيم أن يصلح الأحوال، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يعينك على البر بوالديك، وأن يرزقنا السداد والرشاد.
فإن بعض الآباء يغفل عن حاجة أسرته إلى رعايته وعطفه واهتمامه، ويعتقد أن مهمته تنتهي عند القيام بتوفير الطعام والشراب والكساء، وليس بالطعام يحيا الإنسان، بل إن التربية السليمة لا تكون إلا بوجود حزم الأب إلى جوار عطف الأم، ولا شك أن هروب الآباء من بيوتهم والجلوس مع أصدقائهم، أو حتى الاهتمام الزائد بسفراتهم وتجارتهم أمر له خطورته وآثاره، ولقد ندم الكثير منهم، ولكن حين لا ينفع الندم، فقد يؤدي هذا إلى انحراف الأبناء وضياع البنات، نسأل الله أن يحفظ شبابنا ويرزقهم السداد والرشاد.
وأرجو أن تذكري هذا الأب إذا حضر بأنكم في حاجة إليه كأب، وأنه لابد أن يمنحكم جزءا من وقته يستمع فيه لما عندكم، ويوفر لكم جرعة الرعاية والاهتمام التي تسعد بها الزميلات، وذكريه بأن المال ليس كل شيء، وأظهروا له الفرح عند قدومه، ولا تكثروا عليه من العتاب، خاصة من جانب الوالدة؛ لأن اللوم أمام الأبناء والإحراج قد يزيد من نفوره من البيت.
والمطلوب من الوالدة على وجه الخصوص أن تجعل البيت بيئة جاذبة؛ وذلك من خلال الاهتمام بمظهرها وترتيب حجرة الوالد، وتنظيم الأغراض الخاصة به، وإذا أرادت أن تعاتبه فالصواب أن تختار الأوقات المناسبة والكلمات اللطيفة.
وعليها أن تظهر السرور عند قدومه، ومن الضروري أن تغير طريقة تعاملها عندما يعود إلى البيت، وعليها كذلك أن تثني على نجاحاته في الحياة، وتشكره على الأشياء التي يوفرها لأسرته حتى ولو كانت بسيطة؛ لأن بعض النساء تحتقر زوجها ولا تشكره ولا تمدحه إذا فعل خيرا، وقد يجد هذا عند أصدقائه فيهرب من نكران العشير إلى أصدقاء يسمعونه الكلمات الطيبة ويحترمون مشاعره ويعيشون معه همومه ومشاكله، بل وقد يحرضوه على هجران البيت إذا كانت الوالدة تكرههم.
وقد أحسنت الوالدة حين طلبت منه زيارة ولده والإحسان إليه، وليس من المصلحة أن تقارنوا بين اهتمامه بذلك الابن وبين قيامه بواجبه تجاه الأسرة الكبرى؛ لأن هذا أيضا قد يضايقه، وربما يعاند فيصر على هذا الموقف وذلك الهجران.
وإذا كان في الأعمام أو الأهل من يسمع كلامه ويحترم وجهة نظره فيمكن أن يساعدوكم على إقناعه، ويفضل في هذه الحالة ألا يشعر أنكم قدمتم فيه شكوى، ولا يجوز لك أن تحقدي على هذا الوالد أو تكرهيه، ولكننا جميعا نكره التقصير وعدم الاهتمام بأسرته، وهو في كل الأحوال والد ينبغي أن نحرص على البر به والإحسان إليه، بل وزيادة الوفاء والاهتمام به، وقد يكون العلاج في هذا، فلا فائدة من التحريض عليه وإساءة معاملته إذا قدم؛ لأن مثل هذه المواقف تزيد من نفوره، ولا شك أنه يشعر بالتقصير ويصعب عليه تحمل العتاب الذي يلاحقه من خلال نظرات وكلمات أفراد الأسرة، ولا يجوز أن نجدد الجراح، ولكن علينا أن ننسى تقصير السنوات الماضية، ونغير طريقه أسلوبنا في التعامل معه إذا حضر، بل والسؤال عنه وزيارته في موقع عمله إذا طال غيابه، ويفضل في هذه الحالة مراعاة الأعراف والعادات، فيمكن لك السؤال عنه هاتفيا، أما الأبناء الذكور فيمكنهم القيام بزيارته وإظهار الشوق إلى رؤيته.
نسأل الله العظيم أن يرد هذا الرجل إليه ردا جميلا، وأن يعرفه بالواجبات عليه، وأن يرزقنا جميعا السداد والرشاد.
والله الموفق.