السؤال
السلام عليكم.
تزوجت منذ 5 سنوات، ولكني تسرعت في اختياري، ولم أتمكن من أخذ نصيحة قبل الزواج؛ ولذا فأنا أكره زوجتي من أول يوم للزواج وحتى وقتنا هذا، وقد حاولت الانفصال، وصارحتها بعدم حبي لها، ولكن المشكلة أنها تحبني ومتمسكة بي، وسبب كرهي لها أنها ليست جميلة، ولا أحس معها بأي لذة جنسية؛ وتسبب ذلك في كرهي للدنيا ولكل شيء، وابتعدت عن أصحابي، وفشلت في مجال عملي، وأحس بقهر شديد؛ لأني لا أستطيع طلاقها لأسباب مادية، وحاولت أكثر من مرة أن أتقبلها ولكني فشلت!
أرجو مساعدتي؛ فأنا منهار تماما.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رامي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نسأل الله العظيم أن يبارك لك في أهلك، وأن يبارك لهم فيك، وأن يجمع بينكما على الخير، وأن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه.
فالمسلم حين يتزوج يضع لنفسه أهدافا عظيمة، ويرغب في بناء أسرة صالحة يكثر بها أعداد الموحدين المصلين، ويرغب في أن يعف نفسه، ويعين أهل على الطاعات.
ومن حكم هذه الشريعة العظيمة أنها أباحت للإنسان أن ينظر إلى التي يريد أن يرتبط بها، حتى يجد فيها ما يدعوه إلى نكاحها، ولكن الإسلام يركز على جمال الدين وكمال الأخلاق؛ لأن جمال الجسد والصور عمره محدود، لكن جمال النفوس وصلاحها هو الذي يستمر مع الإنسان وينال به خيري الدنيا والآخرة، وهذا الإمام أحمد رحمة الله عليه، وقد أرسل امرأة من محارمه لتخطب له فجاءت وقالت له: وجدت امرأتين إحداهما بارعة الجمال خفيفة الدين، والأخرى متوسطة الجمال قوية الدين، فقال رحمة الله عليه: أريد صاحبة الدين متوسطة الجمال، فعاش معها ثلاثين سنة، فلما توفيت قال: والله ما اختلفنا في مسألة.
وإذا حرص الإنسان على طاعة الله وغض بصره، ونظر في الجوانب الإيجابية في زوجته، فسوف يجد خيرا كثيرا، ولكن إذا أطلق بصره فسوف تتعبه المناظر، والشيطان يتشرف المرأة عند خروجها، ويزينها للناظرين، وعند التأمل يدرك الإنسان أن زوجته معها مثل ما عند تلك الأخرى، والنقص ملازم للرجال وللنساء، فقد تكون المرأة جميلة ولكنها سيئة الخلق والعياذ بالله، وقد تكون جميلة ولكنها لا تصلي، فأرجو أن تضع ما عند هذه الزوجة من المحاسن إلى جوار الأشياء التي تكرهها منها، ثم تقيم الميزان العدل، وهذا منهج نتعلمه من هدي النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر).
ولا ينبغي للإنسان أن يكسر خاطر زوجته ويعلن لها بأنه لا يحبها، بل لا يجوز إذا سئل أحد الطرفين عن هذا الأمر أن يخبر بالحقيقة المرة، وما كل البيوت تبنى على الحب كما قال عمر رضي الله عنه، ولكن على الإيمان والأخوة ورعاية الحقوق والذمم والروابط، وهذه العواطف تتبدل وتتغير: ((فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا))[النساء:19]، وكم من رجل صبر على كراهية زوجته فتبدل الحال وولدت الصالحين البررة، ولا شك أن عدم إحساسك باللذة معها ناتج عن هذه المشاعر السلبية تجاهها، والإنسان يختار ما يعجبه لا ما يناسب أصحابه، بل إن كثيرا من الأصدقاء ليسوا سعداء مع زوجاتهم، وإن أظهروا خلاف ذلك أمام الناس، فلا تنظر إلى ما عند الناس، ولكن تأمل النعم التي تتقلب فيها، وتذكر أن كل امرأة فيها عيوب، وكفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه، ولن يؤلف القلوب ويسعد الناس في الحياة والبيوت مثل طاعة الله والمسارعة إلى رضوانه، قال تعالى: ((وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين))[الأنبياء:90]، فعليك بالتوجه إلى الله، والحرص على طاعته، وسوف يغير لك الأحوال، ويبدل هذا النفور إلى فرح وقرب وألفة وحبور.
وتذكر أنه لولا اختلاف وجهات النظر لبارت السلع، وأن الجمال نسبي، وما تراه جميلا قد لا يراه غيرك كذلك والعكس، فأرجو أن تكرر المحاولات مرارا، وتذكر جوانب الخير في هذه الزوجة، وتذكر أن سنوات الجمال الجسدي والشباب محدودة، وتعوذ بالله من الشيطان الذي يحسن للإنسان القبيح ويزينه، وأعرف لها هذا الحب والود الذي تظهره لك مع نفورك وقسوتك عليها بإعلان كرهك لها.
ولا شك أنك صاحب القوامة، ومالك القرار، ولكني أذكرك بالله وبروابط الإيمان، ويسعدني أن تغير من نظرتك لزوجتك وللحياة، وأحرضك على تكرار المحاولات لتقبل هذه الزوجة، وتذكر أنك تثاب على صبرك على هذه المرأة، وتؤجر على مدافعة هذه المشاعر إذا صححت نيتك وتركتها في عصمتك من أجل الله، وليس لضيق ذات اليد أو لسبب آخر، فإذا وسع الله عليك مستقبلا فانكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع، ولكن الآن لا تؤذ هذه المرأة بإعلان كراهيتك لها ورغبتك في فراقها، فهذا ضرر لا ترضاه هذه الشريعة السمحاء.
ولا تعالج خطأ التسرع الذي ذكرته بتكراره مرة أخرى، وقدر لرجلك قبل الخطو موضعها، واعلم أن هذه النفس طبيعتها أنها ترغب في الشيء وتجتهد في الحصول عليه، فإذا نالته زهدت فيه، وربما ملت وسئمت وتطلعت إلى غيره، فارض بما قسم الله لك تكن أسعد الناس، وأشغل نفسك بما خلقت لأجله من العبادة والطاعة لله، واجتهد في عملك، وأخلص في وظيفتك، وجالس من يذكرك بالله إذا نسيت ويعينك على طاعة الله إن ذكرت.
أسأل الله لك السداد والرشاد.
وبالله التوفيق.