تعرضت لإيذاء نفسي في صغري، ماذا أفعل لكي أنسى تلك الأيام وأغيّر من شخصيتي؟

0 212

السؤال

تعرضت لإيذاء نفسي شديد وأنا صغيرة من قبل صديقاتي ومدرساتي، فقد كن لا يقبلن اللعب معي، ودائما لا يردن صداقتي أو حتى الاحتكاك بي، حتى مدرساتي كن يعاملنني بطريقة شديدة لا تتناسب مع طفل، مثل الكلام القاسي، وأحيانا الضرب على الوجه، ولكن هذا ليس لعيب في، بل بسبب أني تربيت في الخارج وكنت مختلفة عنهن في البلد، فكن لا يحببن مخالطتي، ولكن لم أكن أدرك ذلك وقتها، فجاءتني عقدة نفسية، وأصبحت لا أعرف كيف أتصرف مع الآخرين عندما يؤذونني بالكلام؟ حتى إنني أخاف منهم عندما ترتفع أصواتهم في الجدال، ولا أستطيع التعبير عما بداخلي حتى وإن كنت على حق فيضيع حقي، ولا الجأ سوى للبكاء بحرقة، وأتذكر الأيام الماضية القاسية.

ماذا أفعل؛ كي أغير من شخصيتي بخاصة أنني أصبحت أما وأعمل، وكيف أنسى تلك الأيام؟ مع العلم أنني أذكر كل تفاصيلها كما لو كانت البارحة؟ لأنها حدثت في عمر ما بين خمس إلى تسع سنوات، أي تقريبا طفولتي بأكملها سيئة.

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يحاول الإنسان أن يعيش حياة هانئة مستقرة، إلا أن ذكريات مؤلمة من ماضي طفولته قد تنغص عليه هذه الحياة الهانئة، وكما يحدث معك من خلال تذكر معاملة الآخرين لك، وكما ورد في سؤالك، ومن المهم أن نتعلم كيف نتجاوز هذه الذكريات، ولا نجعلها تسيطر على كامل حياتنا، وسأشرح هنا بعض الخطوات التي يمكن أن تعينك -لا أقول على نسيان الماضي، فكيف يمكن للإنسان أن ينسى ذكريات أثرت فيه بشكل كبير؟ ولكن أقول- على أن تتجاوزي هذه الذكريات وتتكيفي معها.

أولا: تقبل أصل هذه الذكريات.

فهي كما ورد في سؤالك ليست بسبب سوء فيك، وإنما هو سوء تصرف من الآخرين، وربما اتخذت الخطوة الأولى في تقبل ما حدث من خلال كتابتك إلينا بهذا السؤال، وأنصح أحيانا الشخص بأن يتحدث مع شخص يثق به عما جرى معه، أو حتى بكتابة ذكرياته عما جرى معه؛ كي يخرج هذه الذكريات من رأسه ويضعها على الورقة، فهذا مما يساعد على التكيف معها لاحقا.

ثانيا: ليست خطأك.

فبعد أن أخرجت هذه الذكريات من نفسك وعبرت عنها، يمكنك تذكر أنها لم تكن من خطأ فيك، وإنما هي تصرف الآخرين. ويمكن لهذا أن يساعدك على تعلم دروس من هذا الماضي، لتصبحي ما أنت عليه وما تريدين أن تصبحي في المستقبل. فهذه الذكريات لا تعيد شيئا من الماضي، وإنما دروس للمستقبل.

ثالثا: قرري ما هي الدروس التي تعلمتها من الماضي؟

ولا شك أن هناك دروسا يمكنك تعلمها من الماضي، مثلا أن بعض الناس قد يحبون أو يقدرون المختلف عنهم، وهذا ليس عيبا فينا، وإنما تعكس طبيعة هؤلاء الناس، ومن هذه الدروس أن لا تعودي تسمحي بمثل هذه المعاملة الآن وفي المستقبل، وأن عليك أن تكوني أقوى.

رابعا: اكتبي قائمة بالدروس المتعلمة من التجربة المؤلمة، ومن ثم حاولي تذكر الدروس الإيجابية وليس التركيز على التجربة المؤلمة بحد ذاتها. وأذكر هنا كيف أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- عندما ترك مكة بسبب أذى المشركين، ووصل إلى المدينة، فإننا لا نعرف أنه تحدث كثيرا عن معاناته في مكة، وإنما ركز على الإيجابيات الكثيرة التي تعلمها أو التي أتاحتها له المدينة المنورة.

خامسا: عودي واقرئي قائمة الدروس والإيجابيات هذه بين الحين والآخر، وخاصة عندما تزعجك ذكريات الماضي، وبذلك تحدثين تحويلا من السلبي إلى الإيجابي. وضعي هذه القائمة في مكان آمن يسهل عليك الرجوع إليها بين الحين والآخر.

سادسا: افتحي مجالا للسلام والأمن، والاطمئنان الداخلي يدخل إلى نفسك وقلبك وحياتك ويستقر فيها، وهذا ما يسميه علماؤنا (التخلية والتحلية) فبعد التخلي عن الذكريات المؤلمة والسلبية، لا بد أن نحلي نفوسنا بالأمن والاطمئنان {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.

سابعا: تمارين الاسترخاء.

عندما تزعجك الذكريات كثيرا كما يمكن أن يحصل بين الحين والآخر؛ فلا تستسلمي لها، وإنما حاولي القيام بتمارين الاسترخاء كالتنفس البطيء والعميق، وحاولي تركيز انتباهك على شيء إيجابي في حياتك، كبعض النجاحات أو العلاقات أو الصفات التي تعتزين بها، وستشعرين -وخلال وقت قصير- بأن هذه الذكريات المؤلمة لم تعد تزعجك كما كانت في الماضي.

ثامنا: المسامحة والعفو.

صحيح أنه قد يصعب علينا أحيانا مسامحة الفاعل الذي عرضنا للأذى، إلا أنه يمكن مع الوقت، ومن خلال القيام بالأمور السابقة أن يصل الإنسان لهذه المرحلة من العفو والتسامح، وإن كنت أعرف صعوبة هذا في المراحل الأولى.

ولعل في هذا ما يفيد.

وفقك الله، وكتب لك النجاح والتوفيق في قابل الأيام.

مواد ذات صلة

الاستشارات