السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السادة الكرام -رعاكم الله- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا موظف متزوج منذ سنتين تقريبا، أتقاضى راتبا، وزوجتي موظفة تتقاضى راتبا أيضا، أسكن في شقة إيجار في بغداد، وما أتقاضاه لا يكاد يكفيني ويكفي زوجتي لسد رمق العيش، وأضطر في معظم الأحيان إلى استخدام راتب زوجتي في دفع الإيجار، أو الذهاب إلى الطبيب، أو إصلاح آلة مكسورة، أو شراء ملابس؛ حيث إن راتبي الشخصي يكفي للأكل والشرب فقط، مع دفع أجرة السيارات عند الخروج.
والدتي متقاعدة، تتقاضى راتبا تقاعديا، ومعها في البيت أخواي الاثنان، وهما موظفان براتب، بالإضافة إلى أخ آخر وأخت لا يزالان طالبين في الكليات.
هناك بعض الأموال البسيطة التي تأتي إلى الوالدة من إيجار بيت في الناصرية، الوضع المعيشي بالنسبة للسيدة الوالدة متوسط: من مأكل، ومشرب، وملبس، ولكنها تضغط علي كثيرا لأدفع لها من راتبي (أخصص لها مبلغا شهريا)، حيث إنها تقول لي: إنك تعيش في بحبوحة من العيش؛ لأنك تملك راتبين (تقصد زوجتي)! حتى وصل الأمر بها إلى درجة السب والشتم، واتهامي بالعقوق.
علما بأني وخلال هاتين السنتين قد قمت بإعطائها بعض المال، وعلى ثلاث أو أربع دفعات، بالإضافة إلى ذلك، ومع كل ما تفعله بي فإني أحبها وأواصلها حاملا لها ما أستطيع، وما أتمكن عليه من فاكهة، أو أمور مشابهة بسيطة.
الشقة التي أسكن فيها مستأجرة مؤثثة أصلا، أي أني لا أملك أي شيء من المستلزمات المطلوبة للبيت (الثلاجة أو المجمدة، الطباخ، كراسي، قنفات...إلخ)، ما أملكه فقط هو غرفة النوم، كل هذا وزوجتي في شهرها السابع للحمل!
إخوتي وأختي أصبحوا يمقتونني، ولا يطيقون رؤيتي متأثرين بها وكلامها علي!
الرجاء مساعدتي، وإعطائي الرأي الشرعي حول كيفية التصرف والتعامل مع والدتي، وخصوصا مع المبلغ الشهري الذي تطلبه مني.
هذا وجزاكم الله خير جزاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله أن يزيدك صبرا وثباتا على ما أنت فيه. اللهم آمين.
فقد اطلعت على استشارتك، وأعجبت بك كشاب يسعى لرضا أمه، الأمر الذي فقد عند الكثيرين من الشباب، واعلم أخي أن حياة المسلم تقوم على الموازنة بين أخذ الحقوق وأداء الواجبات، والمسلم الحق هو الذي يستطيع أن يوازن بين هذه الواجبات المتعددة، واجبات ربك عليك ونفسك ووالديك وأهلك ... إلخ، ومن جانب آخر علمتنا التجارب أن هناك حاجزا نفسيا يقوم دائما بين الأم وزوجة ابنها، ولم أجد إلا القليل من الأمهات من تخطين هذا الحاجز، وهو في حقيقته حاجز وهمي ليس له أصل ولا سبب، وهو يظهر في شكل كراهية من الأم لهذه الزوجة، وفي شكل مشاكل مفتعلة، وأحيانا نقد مستمر للزوجة، وربما تكون النظرة إليها دائما بعين النقد وعدم الرضا، ولعمري ينطبق قول الشاعر في كثير من الأمهات:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساويا
وليس معنى قولي هذا مدح زوجات الأبناء وذم الأمهات، لا وأعوذ بالله، ولكن عايشت كثيرا من هذه المشاكل، وهنا تأتي فطنتك وذكاؤك يا ولدي، كيف توفق بين هذين الحقين: حق أمك وحق زوجتك، واضعا في اعتبارك أن حق الأم مقدم على غيره من الحقوق، وأنه لا يجوز أن تقول لها (أف) ومن هنا يأتي الابتلاء الذي لا محالة منه للمسلم بأنواع شتى في شكل مرض دائم، أو مشاكل لا علاج لها، أو مطالب لم تلب، وهكذا، وتلك سنة الله في أرضه، وهي سنة لا يخلو منها مسلم، فإذا اتفقت معي أخي في هذه المقدمة فأقول لك: إن الأم حنونة وعطوفة لا سيما على ابنها، وشيء يسير يرضيها، كما أن أمرا يسيرا يغضبها، وحقها عليك السعي بكل الوسائل لإرضائها، ولهذا أرى الآتي:
1- لابد من استقطاع شيء ولو يسير من المعاش الشهري يخصص للوالدة، وتعطيه لها، واعلم أن الله تعالى سيبارك لك في الباقي، وضروريات الحياة أمر نسبي يستطيع الفرد أن يكيف حياته بأي دخل وأي راتب، فإن فعلت ذلك نلت رضاها ثم رضا الله تعالى، والذي سيجعل لك إن شاء من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا؛ لأن رضاها رضا الله تعالى، وبهذا تكون قد أغلقت هذا الباب من المشاكل.
2- قلت لك: إن الأم سريعة التأثير، فكلمة طيبة منك تغير سيرها، فادخل عليها صباحا ومساء وأثناء اليوم، وبادرها بالسلام والكلام الطيب، وسؤالها عن أحوالها، وطلبك العفو منها، فهذه -أخي- تمثل رسول محبة بينكما، ويجب أن تعطيها جزءا من وقتك، تجلس بجوارها، تستمع إليها وتنفذ أوامرها، وربما صدت عنك في المرات الأولى، ولكن عليك بالاستمرار، فسوف تتحول إليك، وحث زوجتك الصالحة أن تسير على هذا ما أمكن، وأوصيك ألا تنفعل أو تغضب ثم تتخذ مواقف، فيتحول البيت إلى محاور: محور الأم ومن معها، ومحورك وزوجتك، فعليك إذابة هذه الحواجز بما أعطاك الله من الحكمة، وإن شاء الله ستجد بعد فترة أنه قد تغير كل شيء.
والله الموفق.