السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهز
أرجو منكم النصيحة، أسأل الله أن يبارك لكم في علمكم، ويدخلكم الجنة بلا حساب ولا عقاب.
هذه بياناتي: (مسلم- ذكر- 26 عاما- أعزب، أحضر مجالس العلم مع الإخوة الصالحين)
وهذه مشكلتي: اكتسبت خلق الانطواء بالوراثة، وقد كان له أثر كبير على تنشئتي الاجتماعية منذ الصغر، لم أجد من يرشدني ويأخذ بيدي، فأنا أعيش في مجتمع ريفي متأخر، لم أستطع تكوين صداقات حقيقية مبنية على الحب في الله، كما أنني ليست لدي خبرة كافية في كافة مناحي الحياة، فخبرتي لا تتعدى خبرة مراهق لديه 14 سنة، وكلما مرت الأيام تتفاقم المشكلة وتزداد، وتتراكم الذنوب بسبب تضييع الواجبات وعدم وجود الشخصية القوية التي تصمد أمام الفتن وتتحدى الظروف، وتؤدي الفروض بقوة وثبات، أتمنى الزواج ولكنني لا أريد أن أظلم تلك الفتاة التي ستكون زوجتي؛ لأنها ستجدني عبئا عليها.
هل لك أن تتخيل إنسانا ليس له صديق أو أخ في الله على الإطلاق؟ هل تستطيع أن تتحمل أن يراك أخ تمشي في طريق فيسلك هو طريقا آخر؟ لا يبتسم أحد في وجهي ولا يمدحني، وإن فعل فمجاملة وأنا أعلم، وتكون لها وقع في نفسي أسوأ من السب، إن دخل أخ المسجد ورآني أقف على يمين الصف صلى هو على اليسار، وربما يطيل الصلاة أو يقصرها؛ حتى يتجنب مصافحتي.
أنا لا ألوم أحدا إن كان يكرهني أو يستثقل مجالستي، فأنا أكره نفسي وأمقتها أكثر منهم! أنا لا أتهم القدر -معاذ الله- ولكنني أصف لكم حالي بدقة؛ حتى تبلغوا لي النصيحة، أكتب لكم رسالتي ودموعي على خدي، أنتظر منكم الرد على أحر من الجمر، فهذه أول مرة أبوح بهذه الأحزان إلى أحد طوال عمري.
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يثبتك على الحق، وأن يرزقك القوة والثبات على مواجهة حياتك، وأن يرزقك الثقة بنفسك، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فإني أعجب من نظرتك السلبية لنفسك، كما لو كنت لست إنسانا. إن الذي تصفه لنفسك شيء لا يقبل لمسلم يحب الله ورسوله، فإن المسلم –كما تعلم– عزيز على الله تعالى، وكريم عليه، وهو خليفة الله تبارك وتعالى في الأرض، ولقد أكرمه الله تبارك وتعالى بأن وضع في قلبه (لا إله إلا الله) كلمة التوحيد التي هي أعظم كلمة قالها الخلق جميعا، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف يوما أمام الكعبة وقال: (والله إنك لعظيمة، فوالذي نفسي بيده للمؤمن أعظم عند الله حرمة منك).
وأنا لا أدري من أين جئت بهذه الأفكار السلبية عن نفسك، وأنه لا يريد أحد أن يمشي معك، وأنك إذا سرت في طريق يمشي هو في طريق آخر، ولا يبتسم أحد في وجهك، ولا يمدحك. هذا الكلام –أخي الكريم– أعتقد أنك متوهم هذه المسائل، وأتمنى أن تكون كذلك.
ثانيا: فرضا لو أن هذا الأمر موجود ما الذي يضرك؟ هل أنت أسأت لأحد؟ هل أنت احتقرت أحدا؟ هل أنت سببت أحدا؟ هل أنت شتمت أحدا؟ هل اعتديت على عرض أحد؟ ما دمت لم تفعل ذلك كله فما الذي يضيرك؟ ما دمت تمشي بما يرضي الله تعالى وتلتزم آداب الإسلام في سلوكك وتعاملك مع الناس؛ فلا تشغل بالك بالناس أصلا؛ لأن رضا الناس غاية لا تدرك، وما دمت رجلا تلتزم شرع الله تبارك وتعالى وتقول بأنك تجالس الصالحين من فضل الله، فمعنى ذلك أنك على خير؛ لأنه لا يجالس الصالحين إلا صالح، ومجالسة الصالحين نعمة، لأنك إذا جالست عبدا صالحا زاد صلاحك، وإذا جالست طالب علم زاد علمك، وإذا جالست سفيها فستكون سفيها مثله، أما أنت تقول الآن بأنك تجالس الصالحين، وهل هناك نعمة أعظم من مجالسة الصالحين؟ هؤلاء كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- كحامل المسك، ولذلك لا أرى أن هذا الكلام الذي ذكرته فيه أي وجه من وجه القبول.
أقول: أنت مشكلتك أنك فقدت الثقة بنفسك، والشيطان –لعنه الله تعالى– بدأ يؤول لك هذه الأشياء تأويلات فاسدة، حتى وضعت نفسك في داخل قمقم وأغلقت على نفسك الباب، ولا تريد أن تغير من واقعك، وهذا الأمر خطأ، لأنه لا يتفق مع ما ينبغي أن يكون عليه المسلم من حسن ظن بالله تعالى، وصدق توكل على الله، وأخذ بالأسباب، لأننا مطالبون بذلك –أخي الكريم، بارك الله فيك– نحن مطالبون أن نحسن الظن بالله تعالى، وأن نثق فيه جل جلاله، وأن نأخذ بالأسباب، وأن ندع النتائج له.
ولذلك أتمنى أن تحاول أن تنسى هذه الأشياء التي تتكلم أنت عنها كما لو كانت قرآنا أو سنة، ولا تلتفت لنظرة الناس إليك أبدا، ولا تلق بالا لأحد، وأوصيك بالالتزام بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمورا عظيمة في التعامل مع الناس، وعلى رأسها إفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، والمصافحة عندما يسمح لك الظرف.
إذا ما عليك إلا أن تلقي السلام على كل من عرفت ومن لم تعرف، كما أخبرك حبيبك -عليه الصلاة والسلام- وأن تبتسم في وجه الناس، وأعتقد أن إفشاء السلام ليس أمرا سهلا، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) فعليك بالتزام سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
كما أنصحك أخي الكريم –بارك الله فيك– بقراءة الكتب التي تعيد لك الثقة بنفسك، من الكتب الإسلامية التاريخية، اقرأ سير العلماء من الصحابة، كسيرة عمر بن الخطاب، هذا العملاق العظيم، خالد بن الوليد –رضي الله تعالى عنه– محمد بن مسلمة، هؤلاء العباقرة الكبار، الذين غيروا وجه التاريخ، حتى تكتسب بصفاتهم، ولو أن تتشبه بهم، فإن التشبه بالرجال فلاح.
كما أنصحك بقراءة كتاب مترجم، وهو بعنوان (كيف تكسب الأصدقاء) هذا كتاب رائع، وهو موجود في المكتبات كلها، أعتقد أنك بذلك ستكون رائعا بإذن الله.
عليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يعيد الله الثقة بنفسك، وأن يجعلك محبوبا مقبولا من خلقه، وعليك بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، والأذكار الموظفة في اليوم والليلة، وأبشر بفرج من الله قريب.
والله الموفق.