السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا إنسان عمري 23 عاما، ليس لدي أصدقاء مقربين مني، كان لدي في الماضي، لكنني ابتعدت عنهم لمشاكل نفسية، وعلى رأسها المزاجية، فأحيانا أشتهي الناس، وأحيانا بالعكس، أحاول حاليا أن أتخلص من هذا المرض، والحمد لله تحسنت كثيرا.
كل أملي أن أجد أصدقاء مثل ما أتمناهم، طيبين، رجالا كريمين، يصلون، جمعتهم طيبة وممتعة، نياتهم صافية، تلقاهم بجانبك في الشدة قبل الرخاء، يكونون مثل الإخوة؛ لأني ليس لدي أشقاء، أجتمع معهم يوما في استراحة كباقي الناس.
أعرف أنهم قليلون في هذه الأيام، ولكن أدعو الله دوما أن يرزقني إياهم، وبإذن الله سيأتون.
سؤالي: ما واجبي أنا لكي أجدهم؟ الله عز وجل يقول: (ادعوني) وأنا أبذل الأسباب، وأدعو الله، فما الأسباب التي أفعلها لأجدهم؟ أم أن الدعاء يكفي؟ لأن الله لو أراد لعبد أن يرزقه سيأتيه رزقه، ولو اجتمع العالم كله ضده.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ناصر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
بخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه؛ فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: شكر الله لك أخي الحبيب على حرصك على التعرف على أصدقاء صالحين، وهذا يدل على خير فيك، نسأل الله أن تكون كذلك وزيادة.
ثانيا: الإنسان أخي الحبيب الفاضل مدني بطبعه، كما يقول علماء الاجتماع، ومهما بلغ الإنسان مكانة أو مكانا سيظل يحتاج إلى صديق يؤنسه، وصاحب يناصحه، وهذا أمر بدهي أخي الحبيب، وفطرة فطر الله الناس عليها.
ثالثا: قد قالوا القرين على قرينه يتعارف، وقالوا: حدثني من صديقك أحدثك من أنت، ذلك أن الصاحب ساحب، يدل صاحبه على الخير أو يدفعه إلى الشر عياذا بالله، وهذا ما أشار إليه حنظلة رضي الله عنه بقوله: " يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا، فقال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي في الذكر؛ لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ".
هذا كان يدفع الصحابة إلى القول لبعضهم: " اجلس بنا نؤمن ساعة " يقول أبو الدرداء: " كان ابن رواحة يأخذ بيدي ويقول: " تعال نؤمن ساعة، إن القلب أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانها" وقد قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه --- فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقال آخر:
فصاحب تقيا عالما تنتفع بـه --- فصحبة أهل الخير ترجى وتطلب
وإياك والفسـاق لا تصحبنهم --- فقربهم يعدي وهذا مجــرب
فإنا رأينا المرء يسرق طبعه --- من الألف ثم الشر للناس أغلب
وفي المثل (الصاحب ساحب) فصاحب الإيمان يسحبه إلى ما فيه زيادة الإيمان، والعكس بالعكس.
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة" ويحذيك أي يعطيك.
رابعا: الصاحب الصالح أخي الحبيب له علامات وله أماكن يعتاد عليها، أما علاماته فهي الصدق والأمانة، وحب الصالحين، وأماكنه التي يعتاد عليها المسجد، وعليه فالبداية الصحيحة أخي الحبيب تكون من المسجد الذي تصلي فيه، دخولك المسجد بصفة مستمرة؛ سيكشف لك عن بعض معادن الناس، ولا تقلق إذا تأخرت قليلا في التعرف على الناس، كما لا تقلق إذا وجدت عيوبا، فالناس تتغاير، ولكل كلنا ذوو أخطاء، ومن أراد البحث عن صديق بلا خطأ فقد أخطأ البحث في الدنيا.
خامسا: وسع دائرة اهتماماتك، ووسع دائرة علاقاتك في المسجد، وانتق من وسط هذه الدائرة من يصلح أن يكون صديقا متوافقا معك، والبقية اجعل بينك وبينهم حبل تواصل دون عمق في التعامل.
سادسا: كن إيجابيا في نفسك، وكن صالحا في سلوكك، وستجد أفعالك تسبق أقوالك، وستجد من يحرص على صداقاتك، كحرصك أنت على صداقته.
سابعا: ننصحك بقراءة بعض الكتب المتخصصة في التعامل مع الأصدقاء ككتاب: كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر فيهم.
وأخيرا: الخير لا يعدم أخي الفاضل، وستجد إن شاء الله الخير أمامك.
نسأل الله أن يوفقك، وأن يسعدك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، والله المستعان.