السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب في الـ 28 من عمري، ومقبل على الزواج بعد 3 أشهر تقريبا، ولي شقة مستقلة بي، وأهلي يسكنون في الأسفل، يعني كلنا في بيت واحد، أبي وأمي -متعهما الله بالصحة- وأخوين في عمر الـ 17 والـ 18.
المشكلة؛ أني أريد الاستقلال بعد الزواج بنفسي في طعامي وشرابي، وهذا ربما يقلق والدي؛ لأن من تقاليد بلدنا أن المستقل في طعامه وشرابه عن أسرته يعتبرونه قد انعزل عن الأسرة وتركها.
وأنا أريد مصارحة أبي وأمي منذ الآن أني أريد الاستقلال بحياتي بعد الزواج، ولكني أخاف من أن يسيئا الظن بي، ويقولان بعد أن ربيناه يريد اعتزالنا، مع العلم أن نيتي غير ذلك، فأنا أريد أن تأخذ زوجتي حريتها في بيتها، ولا ترتبط بوقت طعام الأسرة أو شرابها فماذا أفعل؟ هل أصارحهما بما في نيتي؟ أم أترك الأمر وأفاجئهم به بعد الزواج؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يرزقك الأمن والأمان والاستقرار، وأن يوفقك لبر والديك وطاعتهما والإحسان إليهما، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل-، اسمح لي أن أقول لك: إن هذا الذي تطلبه أمر ليس هذا وقته وليس هذا أوانه، فإن والديك -ومما لا شك فيه- في أمس الحاجة للفرح بك، هما في غنى عنك يقينا، وأنت في غنى عنهما، ولكن أليس من حقهما أن يفرحا بك، وأن يستمتعا بحياتك وزوجتك، وأن يشعرا بنوع من رد الجميل لوقوفك معهما، وأكلك معهما، وشربك معهما، وإقامتك بينهما.
أنا أرى أنك بذلك ظلمت نفسك، وأنك بذلك تضع عراقيل أنت في غنى عنها الآن؛ لأنك بذلك قد تحرم نفسك الخير، أنا أرى أن تترك الأمر على طبيعته، وأن تراعي الضوابط الشرعية فيما يتعلق بأخويك؛ لأن والدك بالنسبة لزوجتك يعتبر أبا لها، وأمك يقينا مثل أمها، فالأمر سهل ميسور، ولكن تبقى القضية قضية أخويك، وأخويك تستطيع وضع ضوابط شرعية لهذه المسألة وتمشي الأمور، حتى وإن حدثت بعض التجاوزات الخفيفة التي هي قابلة لعفو الله تعالى، لا ينبغي أبدا أن تكون سببا في بعدك عن أهلك، والانفصال من أول يوم، أو من أول حياتك الزوجية عنهما.
وجودك مع أبيك وأمك -بارك الله فيك- بركة، دعك من العادات والأعراف والتقاليد، هذا دين -يا ولدي- لأن نظرتك في وجه أبيك أو أمك؛ أعتقد أنها تساوي الدنيا وما فيها، وسلامك على أبيك ومصافحتك له، وتقبيلك لقدم أمك يساوي زوجتك مليون مرة، فأنت لماذا تقدم هذه الأشياء على غيرها؟
الأولى بك أن تكون حريصا على بر والديك، بل وأن تتشرف بأن زوجتك تخدم أمك أصلا، وتخدم والدك، ولك الشرف، هذا من البر يا رجل، هذا من البر، حتى وإن كانا في صحة وعافية، ولكن وجود زوجتك مع أمك بجوارها في المطبخ، تصنع معها الطعام، وترتب معها البيت، هذا من البر، خاصة إذا كانت زوجتك لا ترفض ذلك، نعم هو ليس بواجب عليها، ولكنه إحسان، ولكنه إكرام، ولكنه شعور لدى أمك عظيم أنت لا تعلمه، وعندما يطلب والدك كأس شاي وتقوم زوجتك بإعداده له وتقديمه له، سيدعو لها بالبركة، وسيفرح بوجودها في البيت، أما عندما تفصل أنت من الآن ما بينك وبينهم، قطعا ستحول العلاقة بينكم إلى علاقة كراهية وبغضاء ونفرة، وقد لا يدعوان لك أصلا، وقد يقولان فيك قيلة السوء.
ولذلك أرى أن تصرف النظر عن هذه الفكرة تماما، كل المطلوب منك ضوابط شرعية للتعامل مع إخوانك الشباب، ولابد أن يكون هناك نوع من رد الجميل لأمك العظيمة البطلة الكبيرة التي خدمتك هذه السنين حتى وصلت لهذا العمر، ولأبيك هذا الرجل الكبير المجاهد الذي أيضا خدمك حتى أصبحت بهذا الوضع الذي أنت عليه.
أرى أن تصرف هذه الفكرة تماما، وكم أتمنى ألا تكون تكلمت فيها مع زوجتك؛ لأن زوجتك سيسعدها هذا، ستكون وحدها، تأكل براحتها، وتشرب براحتها، حتى وإن لم يأكل أبوك، حتى وإن شرب من البحر ليس عندها مشكلة، هذا فكر فاسد، وإنما عليك -كما ذكرت- كل الذي لك فقط، مراعاة الضوابط الشرعية مع أخويك، باعتبار أنهما أجنبيان عن زوجتك، أما ما سوى ذلك اجعل زوجتك وأنت معها تحت قدم أمك وتحت نعلها، وتحت نعل أبيك، حتى يبارك الله لك، وحتى يكرمك الله، وحتى ييسر الله لك، ودعك من هذه الأفكار المتخلفة الجاهلية، التي ما أنزل الله بها من سلطان.
أبوك، أبوك، أبوك، أمك، أمك، أمك، ألف مرة، حتى وإن كانت هذه رغبة زوجتك قل لها: (دعينا نجرب أولا، إذا لم نستطع فمن الممكن أن أتكلم، أما الآن لا أستطيع أن أنفصل أبدا) لأنه عندما تأكل أمك من يد زوجتك – وكذلك أبوك- هذا من البر، وهذا إحسان وإكرام، وهذا أقل شيء تستطيع أن تقدمه لهما.
أتمنى أن تعيد النظر في موقفك، وأن تأخذ كلامي مأخذ الجد، وأن تستعن بالله، وأن تعلم أن رضا الله من رضا الوالدين، وأن سخط الله من سخطهما، وأن تعلم أن النظر في وجه الوالدين عبادة، فلا تحرم نفسك هذا الأمر، واعلم أن من بر والديه بره أبناؤه.
هذا وبالله التوفيق.