السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبة في أول ثانوي، واجهت ظروفا عائلية صعبة، وبسببها تراجعت في دراستي، لا أقول إن الظروف قد تغيرت، لكنها أفضل من قبل، أنا حاليا في إجازة لمدة أسبوعين، ثم تبدأ امتحانات آخر السنة.
ليست هذه مشكلتي، إنما أنا عنيدة جدا، عندما أضع شيئا في رأسي يجب أن أنفذه، في المرحلة الإعدادية طورت نفسي، ولكنني الآن تراجعت قليلا، كان سابقا هدفي تدمير أفضل طالبة، وذلك أن أصبح أفضل منها وأتفوق عليها، كانت عقليتي التحدي، وكنت أنجح -بفضل الله-، لكن الآثار النفسية كانت صعبة، مثل الغيرة والشعور بالانتصار.
أما الآن قررت أن أركز على نفسي، ولا يهمني تدمير غيري، لا أرى شيئا يستحق النجاح، ليس لدي دافع، أبي طبيب وقال لي: إنني فتاة أضيع نفسي، فالطب ليس بمجال سهل، وسأضيع سنوات عمري هباء، وإن جاءني عريس، ربما يأتي طمعا في المال.
جدتي هي من تدفعني للطب، أنا في دوامة، قرأت عبارة: أن في القبر ستسأل عن أول درس أخذته: من ربك؟ لذا بت أفكر أن ما سأبذله الآن لن يفيدني في قبري، أنا متقلبة جدا، ليس لدي هدف، وإن كان هدفي الطب فإنني مولعة بعمليات تحويل الجنس؛ لأنه تخصص نادر، وأنا أحب المجالات التي تخص الجهاز التناسلي.
شبح سنوات الطب الطويلة يطاردني ويزعجني، أمي كانت معلمة لغة إنجليزية، وقد فكرت به كمجال، لكنني أريد شيئا عنيفا، أريد مجالا غريبا، أرشدوني رجاء، أنا متحدثة من الدرجة الأولى، قوية وجريئة، لا أسكت عن حقي مهما كان، ثقتي بنفسي تزداد يوما بعد يوم، وأنوي ختم القرآن، لدي سلبية وهي الخوف من المرتفعات بسبب كوابيس طفولة، مع أنني كنت جريئة، وأنا مرارا وتكرارا أحاول أن أتخطاها، أرشدوني لما يفيدني، ويفيد أمتي، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رنيم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونسأل الله أن يوفقك ويحقق الآمال، كم هو جميل أن تصر الفتاة على التميز والتفوق، وأجمل من ذلك أن تحب الخير لمن حولها، وأبواب النجاح واسعة، وأمتنا بحاجة إلى ناجحين وناجحات، بل إن المؤمنة تفرح إذا تفوقت أخواتها، وتشكر الله على ذلك، ثم تسأل الله من فضله، ومن تقهر نفسها أعظم ممن يفتح مدينة.
والنجاح للطالبة يكون بالسير في الاتجاه الذي تجد في نفسها ميلا إليه، بعد أن تتعلم ما تصحح به عقيدتها وعبادتها وتعاملاتها، ثم تنطلق بعد ذلك في لون من العلوم تستريح إليه، هذا الكلام قاله الإمام ابن حزم قبل قرون.
ومسألة اختيار التخصص من الأمور التي لا بد أن تنبع من داخل النفس، فإن وافق بعد ذلك هوى الجدة أوغيرها من الأهل الأعزاء فبها، وإن لم يحصل ذلك، فالمهم هو قناعات الطالبة وحبها للمجال الذي تميل إليه، وقبولها للصعوبات واستعدادها لتجاوز التحديات، مستعينة برب الأرض والسموات، ومهما كانت السنوات والعقبات، فإن الناجحين يستمتعون بكل ذلك، ومن طلب العلا سهر الليالي، والبدايات المحرقة توصل إلى نهايات مشرقة ومشرفة.
أما بالنسبة للقرآن فهو جليس المؤمنة، وكل التخصصات والمتخصصات بحاجة إلى كتاب الله، والقرآن يدفع بأهله إلى المعالي، ولا يرضى لهم إلا المقدمة، وقد سدنا الدنيا أيام قال ابن خلدون: ولقد درج المسلمون على تعليم أبنائهم كتاب الله، فيطلق ألسنتهم، ويصحح عقائدهم ويوسع مداركهم. وأنجح الأطباء لهم علاقة بكتاب الله، وأحسن المهندسين لهم علاقة بكتاب الله، وأفصح الشعراء انطلقوا من كتاب الله.
وهذه وصيتنا لك ولكل طلاب العلم، بضرورة أن يتقوا الله، لأنه لا فائده في علم ولا عالم لا يتقي الله، وأحسن من قال:
لو كان في العلم من دون التقى شرف...لكان أشرف خلق الله أبليس.
وعليك بكثرة اللجوء إلى الله، والتواضع لمن تتعلمين منهم ومن تعليمهم، فإن العلم لا يستقر إلا في القلوب الخاضعة المتواضعة، وقد أحسن من قال: العلم حرب للفتى المتعالي...كالسيل حرب للمكان العالي.
وعليك بالصبر، فإن العاقبة لأهله، وابتعدي عن المعاصي، فإن الخطايا تنسي العلم، واستعيني بالله وتوكلي عليه، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، ونتشرف بتواصلك مع موقعك.
وبالله التوفيق.