السؤال
أنا امرأة متزوجة منذ سنة تقريبا، إلا أنه لم يكتب لنا الله - سبحانه - أن نتفق مع بعضنا، أو أن نرتاح في حياتنا الزوجية أبدا، وقد طلبت من زوجي الطلاق؛ لأني ما عدت قادرة على العيش معه، أو الاستمرار في مشاكلنا وصراخنا الدائم!
لكن زوجي أبقاني معلقة وعلى ذمته لمدة تزيد عن الستة الأشهر، ولا أحد من أهلي لديه الجرأة لفتح الموضوع أو المطالبة بحقي، وبدأت أشعر بالضيق مما أنا فيه، كما أن وضعي هذا يشعرني بالإهانة؛ فأعينوني - جزيتم خيرا - بالنصيحة والمشورة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ منال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
أسأل الله أن يعيننا وإياك لما فيه الخير والرضا، وأن يهدينا جميعا سواء السبيل.
قرأت – يا ابنتي- رسالتك بتركيز وتمحص، ورغم أن شكواك هي شكوى عامة، إلا أنني خرجت منها بما خرجت من كثير من الشكاوى، لا سيما ممن هم في بداية حياتهم الزوجية مثلكما.
ابنتي! إن الكثير من بناتنا وأبنائنا يقدمون على الزواج ولهم صور خيالية في أذهانهم لهذه الحياة الزوجية، ووهم يهيمن على الكثير منهم، وخيالات عليها لا تتحقق في عالم الواقع، ولكن بعد الزواج يصطدمون بالواقع، بأن كل ما في ذهنهم لا أساس له من الواقع، وتقوم المشاكل، ولا يعذر أحدهما الآخر؛ لأنهما جديدان في الحياة، ولا ينكسر أحدهما للآخر أو يصبر قليلا على الآخر، وهكذا يبدأ التنافر والشقاق، وأخيرا أقرب طريق يفكران فيه هو الطلاق.
اسمحي لي أن أقول لك: إن عقد الزواج يختلف عن عقود الشركات والعقود المالية، فعقد الزواج مقدس من عند الله تعالى؛ لأنه يربط بين اثنين، ويحل لهما ما كان محرما عليهما بالأمس، ولذا فهو عقد علاقة أبدية له خصائصه، منها أنه يرتب على كل من الزوجين حقوقا وواجبات.
وأرجو أن أكون صريحا، فأنا أعرض عليك تجربة في هذا المجال قرابة الثلاثين عاما بهذه الحقائق:
1- هذه الرابطة تقتضي أولا تقوى الله عز وجل ومراقبته؛ حتى تخلق في نفس الزوجين رقابة داخلية، تجعل كلا منهما يقوم بواجباته تجاه الآخر، ويعرف أنه محاسب عليه.
2- تتطلب العدل بين الزوج ونفسه، والزوجة ونفسها، ويعني أن يكون الفرد عادلا كما يجب أن تلبى مطالبه وتؤدى واجباته، وأن يؤدي قبل ذلك ما عليه من واجبات للآخر.
3- تتطلب الصبر، وعدم الشدة والتصلب في الرأي، وتتطلب التنازل عن بعض الحقوق؛ لأنها شراكة لا لكسب دنيا ولكن لغاية كبرى هي تحقيق المودة والرحمة.
4- تتطلب الصبر على أخطاء الآخر وهفواته؛ لأنها حياة طويلة أبدية، وألا أقف مترصدا لأخطاء الآخر متى وقعت.
5- تتطلب الكلمة الطيبة والبسمة الحانية في وجه الآخر.
6- تتطلب أن يشكر كل من الزوجين الآخر عندما يعمل عملا طيبا أو يقدم خيرا لصاحبه، أو يسدي له معروفا.
7- تتطلب أن يعطي الشخص ما عليه قبل أن يطلب ما له.
فهل هذه المثل وهذه المعاملة طبقت بينكما يا ابنتي؟ أرى أن الأمر ما زال في يدك، ويتطلب شجاعة وإقداما على الآتي:
1- ابدئي بالجانب النفسي، وحاولي أن تغيري مشاعرك وشعورك تجاه زوجك؛ حتى ينكسر هذا الحاجز، ثم أقدمي على صفحة جديدة.
2- إن أمكنك الاتصال فاتصلي عليه ليأتيك وتجلسا سويا، وهذا الأسلوب -أي: أسلوب المواجهة والمصارحة سويا بين الزوجين- وجدناه أسلوبا ناجحا، ويتفاتح الزوجان بصراحة ووضوح، وتضعان المشكلة كلها أمامكما، وما الذي دعاه ليلجأ إلى الاطلاق؟ إن كان عيبا فيك أو خوفا من أمه أو لأي سبب آخر، فافهمي سببه، ثم اتفقا على شيء معين في مسألة خدمة أمه.
وإن لم تستطيعي الجلوس معه وحدك؛ فاختاري من أهله وسيطا، ويحب أن تظهري له واجبك تجاهه، وأنك تقومين بما أمرك الله به نحوه، وأنك ستفتحين صفحة جديدة لحياة جديدة، وليكن حد ذلك هو مدخل الدين طاعة لأمر الله، فإن تجاوب معك ورجع عما هو فيه فلله الحمد والمنة، وإن رفض وأبدى رغبته في عدم استمرار هذه الحياة، فيكون هو الحل الآخر الذي طلبته.
ابنتي! أنا أقترح هذه المواجهة، وأعلم أنها صعبة؛ لأننا في مجتمع تعود على الصلابة وعدم التنازل، ويعتقد أن مثل هذه المصارحة مذلة وانكسار، لكنها غير ذلك؛ فهي أمر يحبه ديننا، وهي أنجع وسيلة لحل المشكلات الزوجية؛ لأنها تقوم على الصراحة والوضوح والشجاعة.
هيا توكلي على الله، وأقدمي على هذه الخطوة، واستعيني بالله، وأقبلي عليه بالصلاة وكثرة الدعاء أن يحقق لك السعادة التي تنشدينها.
والله ولي الهداية والتوفيق.