السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة باختصار شديد " أكره أمي"، وهي من زرعت بداخلي هذا الكره وهذه البغضاء بسبب أسلوبها القاسي معي، في المقابل يطلب مني الشرع أن أعاملها بالحسنى، فهل نحن أنبياء -يا سيدي- أم ملائكة؟ يستدلون بقصة إبراهيم -عليه السلام-، ويستدلون بقصة الصحابي ووالدته، وهل نحن مثل الأنبياء والصحابة؟
من طبيعتي البشرية -يا سيدي- أن أحب من يحبني، وأبغض من يبغضني، ومن طبيعتي البشرية –يا سيدي- أن تكون لي ردة فعل عند الغضب أقلها ظهور علامات الغضب على الوجه، ولكن هم يطلبون منا أن نصنع من أنفسنا ملائكة، فإذا استفزتني أمي أو صرخت في وجهي فمن الواجب أن لا أغضب، ولا أصرخ، ولا أغلق الباب بقوة، بل حتى لا أظهر علامات الغضب على وجهي لكي لا يغضب الله علي، فأي تكليف هذا -يا سيدي-؟ لماذا يحملوننا فوق طاقتنا؟
بسبب هذا الأمر أصابني سوء ظن بالله، وعدم مبالاة بالأحكام الشرعية التي تحملني فوق طاقتي، فالله يقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، وبالنسبة لي أعظم تكليف لنفسي أن أمسك غضبي حينما تبدأ أمي بسرد كلامها الجارح المستفز، في بعض المرات أمسك غضبي خوفا من الله وليس خوفا منها، ولكن ينتهي الأمر بتكسير غرفتي، وإصابتي بحالة انهيار.
وفي أكثر المرات أفقد السيطرة على نفسي وأبدأ بالصراخ عليها، وحينما أرجع لغرفتي يبدأ الشيطان يوسوس لي: (أن هذا الدين يضعك في دائرة مغلقة يجب أن تحملي نفسك فوق طاقتها وإلا سيغضب عليك الله)، هذه الجملة أسمعها في نفسي، مما سببت لي نفورا من الدين، وعدم مبالاة بغضب الله، بل حتى تركت الاستغفار إذا صرخت بوجه أمي؛ لأنني أرى من طبيعتي البشرية أن أغضب وأنفعل، ولا داع لأن أستغفر لكوني لم أفعل إلا الشيء الذي جبلت نفسي عليه، مع العلم –يا سيدي- أنني أعاني من ضغوط نفسية، وهذا ما زاد الطين بلة، وجعلني سريعة الغضب والانفعال.
وأيضا أود أن أستفسر عن قول الله: (ولا تقل لهم أف ولا تنهرهما) أليس في هذا تكليف للنفس فوق طاقتها، وإجبارها على حبس انفعالها؟ خاصة وأن كبت الغضب والانفعال يؤدي لتفريغ سلبي ينتهي بعواقب وخيمة.
أرجو أن لا تردوني خائبة؛ لأنني أثق بأنكم متفهمون لحالتي، ومدى الألم الذي أشعر به.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونشكر لك الوضوح في الطرح، وننتظر منك حسن الفهم لما سأكتبه، وكنت أتمنى أن توجهي كلامك إلى موقعكم، ولا تنتقدي الدين، وغفر الله لك -يا بنيتي-، وأشكر لك حسن العرض للاستفسارات، ونسأل الله أن يهديك ويوفقك ويرفعك درجاتك، وغدا سوف تصبحين أما، فأرجو أن توفري لأبنائك العطف والحنان، وتصبري عليهم مهما كان، وهذا ما تريده شريعة الرحمن.
نحن بالطبع لا نوافق على قسوة الأم أو شدة الأب، وأتمنى أن تتواصل الوالدة مع الموقع لتستمع للتوجيهات، فالشرع الذي يدعوك للبر هو الشرع الذي جبلها على العطف، وأمرها بالإحسان، وبأن تكون عونا لك على برها.
وأنا سوف أكلمك بلسان الآباء والأمهات، وهذا ما قلته لمئات الشباب والفتيات حيث سألتهم في ورشة أسميناها (افهمونا لو سمحتم)، وهي صيحة من الشباب والفتيات للآباء والأمهات، وقد كان ذلك بعد أن طلبت منهم كتابة الصعوبات التي تواجههم، فكتبوا ما في نفوسهم بوضوح؛ لأن الاستبيانات كانت بدون أسماء، وسألناهم عن معاناتهم.
ثم جمعت الأبناء والبنات وقلت لهم: كم آلمني ما يحصل، ولكني أحب أن أؤكد على أمرين:
1- عندما نشتد عليكم أو نقسو أو نضرب فهل قصدنا مصلحتكم أم الضرر؟ فكان ما يشبه الإجماع بأننا كوالدين لا نريد إلا المصلحة، فقلت لهم: اتفقنا، فالآباء والأمهات يريدون مصلحتكم، لكن بعضهم أخطأ الطريق والطريقة، فانظروا إلى قصدنا الطيب، ولا تقفوا عند تصرفنا السيئ.
2- عندما نغضب أو نشد أو نضرب هل هناك أسباب لذلك، أم أن ذلك بدون سبب؟ فقالوا: قطعا هناك سبب أو أسباب، فقلت: أرجو أن تتفادوا ما يغضبنا، ولن نجد ما نخاصمكم لأجله.
وبعدها جمعنا الآباء والأمهات بعيدا عن الأبناء والبنات، وعاتبناهم، ووجهناهم بما يرضي الله، وترك ذلك آثارا طيبة، وكان عنوان الورشة: صيحة من الآباء والأمهات نحبكم ونسعى لحبكم.
ومن هنا يتضح أن الخلل في الفهم لنصوص الشريعة، أما كلام الله: (فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)، ويسعدني أن أنبهك على ما يلي:
- الدعاء لنفسك وللوالدة.
- الاجتهاد في تفادي ما يغضب الوالدة.
- التوبة من اعتراضك على الشرع، والاستغفار من توقفك عن الاستغفار.
- الاستمرار في التواصل مع موقعك، ولا مانع من تواصلك والوالدة كذلك، لنتابع معكم بحول الله وقوته.
- كنا نتمنى عرض نماذج من الخلافات الحاصلة مع الوالدة حتى نتمكن من فهم ما يحصل، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.
- ليس الممنوع هو الغضب، ولكن الممنوع هو إظهاره، وما يظهر من آثاره، وأظنك توافقينا على أن الكراسي لا ذنب لها، وأن ما يحصل في استفزاز للوالدة، كيف ترفضين الاستفزاز وتمارسيه!!!
- لا ذنب للشرع في الذي يحصل من الوالدة، وربنا سيحاسب الوالدة وسيحاسبك.
- هل تعلمين أن هناك من يصبرن على أكثر رغم معاناتهن.
وهذه وصيتي لك: بتقوى الله، وأكرر لك الشكر، وأرجو أن تطلبي من الوالدة التواصل مع موقعكم، أو اكتبي استشارة على لسانها، وقولي لها نحتكم إلى موقع شرعي، واقتربي من والدتك، وزيدي في برها، وتقربي قبل ذلك من ربنا الرحيم، واستغفريه، وتوبي إليه، فإنه الغفار التواب الرحيم.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.