السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا شخص مصاب بوسواس شديد في الطلاق. هذه الفكرة تسيطر علي منذ شهر بعد مروري بتجربة في الموضوع، فبعدما كنت أشك أن الطلاق يمكن أن يكون قد وقع في حالات سابقة أثناء الشجار مع زوجتي، أصبت منذ أيام بوسوسة التلفظ بالطلاق، وفي بعض الأحيان أحس أن الكلمة على طرف لساني، وتريد الخروج بدافع لا أعرف ما هو؟ رغم أني لا أريد ذلك وكاره له.
أخاف أن أدمر حياة أسرة دون سبب شرعي إذا تم النطق بتلك الكلمة، وأنا لها كاره، لقد أصبحت حياتي جحيما وأجد حرجا في لمس زوجتي أحيانا، حيث يخيل إلي أني في الحرام.
أعينوني، حفظكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أشرف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك – يا أخي الكريم – في إسلام ويب، وأود أن أقول لك أن الشيخ أحمد الفودعي – حفظه الله – سوف يفيدك في كل الجوانب الشرعية المتعلقة بالطلاق والوسوسة.
وأنا من ناحيتي أقول لك – أيها الفاضل الكريم –: من المؤكد جدا أن الذي يعاني من الوسواس – خاصة إذا كان هذا الوسواس سيئ المحتوى وتكرهه النفس – لا يقوم أبدا صاحبه بتطبيقه.
منذ مدة قريبة كانت تأتيني سيدة فاضلة، تظن أنها سوف تقوم بقتل أطفالها، مما جعلها تتجنب دخول المطبخ، وكانت لا تحب أن ترى السكاكين أبدا.
الحمد لله تعالى الآن قد شفيت تماما من ذلك، وبمجرد أن ذكرت لها أنك لن تقعي في هذا الفعل أبدا؛ لأنه علميا ثبت أن الموسوس لا يقوم بالأفعال الشنيعة مهما كانت الفكرة مطبقة ومستحوذة، فأرجو أن تكون هذه بشرى عظيمة لك -أيها الفاضل الكريم-.
وأؤكد لك من ناحية أخرى أن الذي تعاني منه هو وساوس أفكار، ووساوس الأفكار تعالج من خلال التحقير، وليس التحليل والحوار والنقاش. أنا أعرف أن هذا النوع من الوسواس ملح، (هل طلقت؟ هل حدث هذا؟ أم لم يحدث هذا؟) لا، لا أريدك أن تتعامل مع الموضوع على هذه الكيفية، حين تطرق لك الفكرة قل للفكرة: (أنت فكرة وسواسية حقيرة، لن أناقشك أبدا، أنت تحت قدمي) وهكذا، أرسل هذه الرسالات لهذه الفكرة الوسواسية حتى تقهرها -إن شاء الله تعالى- .
وأريدك أيضا أن تقوم بفك الارتباط الشرطي – هكذا يسمى – وهي حيلة نفسية ممتازة جدا، لتطبيقها: اجلس على كرسي في مكان هادئ، كن أمام الطاولة، فكر في موضوع التلفظ بالطلاق هذا، وفي نفس اللحظة قم بإيقاع أي نوع من الألم الجسدي على نفسك، من أسهل التطبيقات هو أن تضرب بيدك بقوة وشدة على جسم صلب، أو تلبس الرباط المطاطي حول رسغك – هذا الرباط الذي يستعمل لربط الأوراق المالية – وقم بجذبه بشدة، ثم أطلقه لتحس بالألم، لكن الألم لا بد أن يكون شديدا.
إذا الربط بين الفكرة الوسواسية وإيقاع الألم، علماء السلوك وجدوا أن هذه المتنافرات لا تلتقي، وبعد فترة من الزمن سوف تضعف فكرة الطلاق.
وأقول لك – أيها الفاضل الكريم – أبشر، الأدوية المضادة للوساوس لها فعالية عظيمة لعلاج هذا النوع من الوسواس، أقدم على تناول أحدها، ومن أفضلها – حسب الدراسات العلمية والتجارب العملية – عقار يعرف تجاريا باسم (فافرين Faverin)، ويعرف علميا باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine) دواء سليم وفاعل، تبدأ في تناوله بجرعة خمسين مليجراما ليلا بعد الأكل، استمر عليها لمدة أسبوعين، ثم اجعلها مائة مليجرام ليلا، واستمر عليها لمدة شهرين، ثم اجعلها مائتي مليجرام ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفض الجرعة – أي تنتقل من الجرعة العلاجية إلى الجرعة الوقائية – واجعلها مائة مليجرام ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم خمسين مليجراما ليلا لمدة شهرين، ثم خمسين مليجراما يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.
أخي الكريم: أوضحنا لك العلاج السلوكي المطلوب، وكذلك العلاج المعرفي، والعلاج الدوائي، هذه تتضافر مع بعضها البعض، وقطعا سوف يفيدك الشيخ أحمد الفودعي كثيرا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية:
++++++++++++++++++++++++++
مرحبا بك – أيها الأخ الكريم – في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يعجل لك بالعافية من داء الوسوسة، فإنه من شر الأدواء، يفسد على الإنسان حياته، ويوقعه في أنواع من المضايق والحرج والعنت، والطريق للتخلص منه هو الإعراض عنه وعدم الاهتمام به، وعدم الاسترسال معه، وليس له علاج أحسن من هذا العلاج، فإذا كنت جادا حريصا على أن تخلص نفسك من عناء هذه الوساوس فهذا هو الطريق، هو أن تعرض عنها، فلا تبالي بها، ولا تلتفت إليها، ولا ترتب عليها أحكاما، واعلم أن من رحمة الله تعالى وتيسيره على عباده أنه لم يجعل للوساوس حكما، فلا يترتب عليها شيء، فإذا وسوس لك الشيطان بأنك قد طلقت زوجتك فلا تلتفت لهذا الوسواس، فإن النكاح يقين، وهذا اليقين لا يزول بمجرد الوسوسة والشكوك.
ولو قدر أنك تلفظت بلفظ الطلاق تحت تأثير الوسوسة فإن هذا الطلاق لا يقع، لأنه طلاق مكره، كما يقول العلماء قديما وحديثا.
فإذا عرفت هذا وجاهدت نفسك للتخلص من هذه الوسوسة فإنها ستزول عنك -بإذن الله تعالى- عن قريب، وتعيش حياة طبيعية.
اعلم تمام العلم أن ما يحاول أن يزينه الشيطان لك من الاحتياط والحرص على الدين والورع، ونحو ذلك تحت مبرر الوسوسة، إنما هو استدراج من الشيطان يستدرجك به ليوقعك في أنواع العنت والمشقة، والله لا يحب ذلك ولا يرضاه، وقد قال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان}.
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يمن عليك بعاجل العافية.