السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا الآن في السنة الأخيرة من المرحلة الجامعية، منذ ولادتي والمشاكل في بيتنا لا تنتهي، سواء بين أبي وأمي، أو بين أبي وأقاربنا، علما أن والدي كان عصبيا جدا، وقد كنا نعاني من هذا كثيرا، وفي أكثر الأوقات التي ازدادت فيها المشاكل، ولدت أختي وكبرت على هذا الحال، حتى أصبحت في السنة السادسة من المرحلة الابتدائية، بعدها تغير والدي تماما، وأصبحت المشاكل نادرة جدا -ولله الحمد-.
سؤالي لكم حول أختي، كان كل من يراها يراها وهي مبتسمة، أو تضحك حتى في أصعب الظروف، لا تفارقها الابتسامة، لكنني بدأت ألاحظ بأن شخصيتها غريبة جدا، نعم هي تجلس وتتحدث معنا، لكنني لا أعرف كيف أصف هذا، لا أحد يعرف أفكارها، أو ماذا تريد، وما الذي تحبه أو تكرهه؟! فحين تتحدث معها تشعر بأنك تتحدث مع شخص قابلته لأول مرة، فالتعامل معها صعب قليلا، وعندما سألت بعض الأشخاص، أخبروني بأنها قد تكون من الشخصيات الغامضة، وأن تصرفاتها قريبة من الشخصية الغامضة، هكذا هي مع الجميع.
اقتنعت بالإجابة، وأنها شخصية غامضة، لكنني بعد فترة عندما سألت صديقتها عنها، كانت تخبرني بأنها تتضايق في بعض الأحيان من تبلد مشاعرها عندما تهديها الهدايا أو غيره، وعندما فكرت في هذا عرفت أنها بالفعل تعاني من تبلد المشاعر، ففي بعض الأحيان، وعند موت أحد أقاربي أو إذا احتفلنا بسبب نجاحها في الدراسة، تكون لديها ردة الفعل نفسها، فهي لا تتأثر بشيء، وكأن شيئا لم يكن، فما سبب تعاملها هذا؟ وهل هو بسبب المشاكل؟ وهل يجب أن تغيره؟
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأرجو أن تعلمي أن بيئة المنزل تلقي بظلالها على الإنسان، وخاصة في سنوات العمر الأولى، وأهم سنوات عمر الإنسان هي الخمس الأولى، حتى قال خبراء التربية: الإنسان قد يحتاج لأربعين سنة حتى يتخلص من آثار الخمس سنوات الأولى، وإذا كان في البيت عصبية وصراخ ونقد، فإن وجود الشخصيات الصامتة والغامضة سيكون من آثار ذلك الواقع، كما أن تعاملنا مع أطفالنا ببرود يولد عندهم البرود، والطفل الذي يبكي ويتألم، ولا يجد من يهتم به سيصعب عليه إذا كبر أن يشعر بالآخرين، ونحن بحاجة إلى التركيز على تنمية المشاعر عند أطفالنا.
وأرجو أن لا تظهروا الانزعاج، فالأمر يمكن أن يتحسن، خاصة إذا علمنا أن لها صديقات؛ لأن هذا يدل على أن هناك أنماطا من الشخصيات يمكن أن تتعايش وتتعامل معها.
ونتمنى أن تقتربوا منها، وتتجنبوا التركيز على سلبياتها، وحدثوها في همومها، واحترموا مشاعرها، وكلفوها بمهام اجتماعية، كأن تطلبوا منها دعوة العمة إلى الإفطار، أو دعوة الخالة إلى العشاء، وعلى الوالدة أن تشاورها، وتثني على إيجابياتها، ومن المهم أن تجد منكم الاحتفاء بنتائجها، والتقدير لمشاعرها، والتواصل معها بالثناء، واللمسات، والملاطفة، وتوفير الإشباع العاطفي لها، والمشاركة لها في أفراحها وأتراحها، وعلى ضرورة مصادقتها من قبلك وقبل الوالدة، وأفراد المنزل؛ لأن في الصداقة الاحتمال، والالتماس للأعذار، وحسن الظن.
وهذه وصيتنا لكم بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، والصبر فإن العاقبة لأهله.
سعدنا بتواصلكم، ويفرحنا جدا الاستمرار في التواصل مع موقعكم، ونكرر الشكر على الاستشارة الرائعة، وفقكم الله وسدد خطاكم.