السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
أنا فتاة في أوائل الثلاثينات، عزباء وأعمل في بلد غير بلدي لإعالة أسرتي، في صغري ربتني جدتي وجدي؛ لأن والدي كانا يعملان وكنت أزورهما في العطلة الأسبوعية فقط، إلى أن وصلت سن المراهقة وانشغلت جدتي عني بتربية باقي أحفادها الذين كانوا أطفالا، فاضطررت للعودة لأبوي والعيش معهما ومع إخوتي.
كنت قد نشأت في جو يملؤه الحنان والحب في بيت جدتي، وعندما عدت إلى بيتنا اكتشفت عالما غريبا حيث كان أبواي في خصام أغلب الوقت والمشاكل لا تنتهي، وأبي كان قاسيا جدا، وشكل لي ذلك صدمة نفسية لم أقدر على التأقلم معها، وكنت أهرب إلى بيت جدتي كل الوقت، لم أشعر بالأمان والحب والحنان إلا معها ومع جدي وأخوالي.
عندما كبرت بدأت أتأقلم مع والدي وأفهمهما أكثر، وبما أني كنت متفوقة في دراستي كانا يفتخران بذلك وتحسنت علاقتنا تدريجيا، ولكن صور الماضي وقسوة أبي ومعاملته السيئة لأمي ولنا وعدم تحمله لمسؤولية البيت وأولاده علقت في ذاكرتي، وأصبحت تشكل لي عقدة وألما داخليا لا أستطيع التخلص منه.
توفيت جدتي وجدي وتزوج أخوالي، ومنذ ذلك الحين وأنا أحس بوحدة رهيبة، اضطررت للسفر والعمل خارج بلدي، ومرت السنوات وبدأت ألاحظ أني لا يربطني بأهلي سوى المادة، فإذا لم أرسل المال انقطع التواصل، لا أحد يتصل ليطمئن علي وعلى أحوالي وأنا وحيدة في بلد غريب، وازدادت الأمور سوءا عندما مرض أبي وأصبح لا يقدر على العمل، وانتقلت مسؤوليتي من المساعدة إلى الإعالة الكاملة، الحمد لله على هذه النعمة ويسعدني أنني سند لوالدي رغم أني امرأة وأفتخر بهذا.
مشكلتي الآن هي أني أولا لم أنجح في علاقاتي، لأني دائما أبحث عن الحنان الأبوي الذي أفتقده في كل تجربة أمر بها، وذلك يجعل من أرتبط به لا يفهمني جيدا بل ويظن أنني فتاة سهلة كما يقولون، وربما أتسرع في تخطي المراحل، ولم يعد لي صبر على الانتظار ليكون لي عائلة تمنحني الحنان الذي أفتقده وتخرجني من هذه الوحدة القاتلة، وأصبح الكل ينفر مني بعد فترة قصيرة من العلاقة، لأني أطلب الكثير من الحنان والاهتمام، وربما ذلك يخيف معظم الرجال في مقتبل العلاقة، ولم أجد حلا لهذه المشكلة.
ثانيا: أصبحت أحس أن لا مكان لي ولا أحد ألجأ إليه في هذه الدنيا غير الله، حتى عندما أحدث أمي عن مشاكلي في العمل أو غيره فهي لا تبدي خوفا أو اهتماما، أو تبدي ظاهريا ولكنها لا تخاف علي فعليا، حتى أنني إذا اتصلت يكون كل حديثها عن المشاكل أو المال ودائما لها طلبات، لا أحس فيها حنانا أو خوفا على ابنتها المغتربة التي لا يعلم بظروفها غير الله سبحانه.
الحمد لله الذي رزقني لأكون سندا لأهلي وقت الشدائد، لكني أحس أن لا حياة لي، أعاني الوحدة والاكتئاب والسنين تمر وأتقدم في العمر ويشتد بي الحزن، وأصبحت إذا نظرت إلى نفسي في المرآة أحس أني عشت لستين سنة وليس ثلاثين، وأني لم أعد أقوى على الوحدة وتحمل المسؤوليات، ولم يعد شيء يسعدني في هذه الدنيا.
عذرا على الإطالة ولكن لم أجد من يفهمني ويحس بمعاناتي، وشكرا.