أعيل أهلي من بلد غربة، لكني لم أعد أتحمل الوحدة والفقر العاطفي

0 273

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أنا فتاة في أوائل الثلاثينات، عزباء وأعمل في بلد غير بلدي لإعالة أسرتي، في صغري ربتني جدتي وجدي؛ لأن والدي كانا يعملان وكنت أزورهما في العطلة الأسبوعية فقط، إلى أن وصلت سن المراهقة وانشغلت جدتي عني بتربية باقي أحفادها الذين كانوا أطفالا، فاضطررت للعودة لأبوي والعيش معهما ومع إخوتي.

كنت قد نشأت في جو يملؤه الحنان والحب في بيت جدتي، وعندما عدت إلى بيتنا اكتشفت عالما غريبا حيث كان أبواي في خصام أغلب الوقت والمشاكل لا تنتهي، وأبي كان قاسيا جدا، وشكل لي ذلك صدمة نفسية لم أقدر على التأقلم معها، وكنت أهرب إلى بيت جدتي كل الوقت، لم أشعر بالأمان والحب والحنان إلا معها ومع جدي وأخوالي.

عندما كبرت بدأت أتأقلم مع والدي وأفهمهما أكثر، وبما أني كنت متفوقة في دراستي كانا يفتخران بذلك وتحسنت علاقتنا تدريجيا، ولكن صور الماضي وقسوة أبي ومعاملته السيئة لأمي ولنا وعدم تحمله لمسؤولية البيت وأولاده علقت في ذاكرتي، وأصبحت تشكل لي عقدة وألما داخليا لا أستطيع التخلص منه.

توفيت جدتي وجدي وتزوج أخوالي، ومنذ ذلك الحين وأنا أحس بوحدة رهيبة، اضطررت للسفر والعمل خارج بلدي، ومرت السنوات وبدأت ألاحظ أني لا يربطني بأهلي سوى المادة، فإذا لم أرسل المال انقطع التواصل، لا أحد يتصل ليطمئن علي وعلى أحوالي وأنا وحيدة في بلد غريب، وازدادت الأمور سوءا عندما مرض أبي وأصبح لا يقدر على العمل، وانتقلت مسؤوليتي من المساعدة إلى الإعالة الكاملة، الحمد لله على هذه النعمة ويسعدني أنني سند لوالدي رغم أني امرأة وأفتخر بهذا.

مشكلتي الآن هي أني أولا لم أنجح في علاقاتي، لأني دائما أبحث عن الحنان الأبوي الذي أفتقده في كل تجربة أمر بها، وذلك يجعل من أرتبط به لا يفهمني جيدا بل ويظن أنني فتاة سهلة كما يقولون، وربما أتسرع في تخطي المراحل، ولم يعد لي صبر على الانتظار ليكون لي عائلة تمنحني الحنان الذي أفتقده وتخرجني من هذه الوحدة القاتلة، وأصبح الكل ينفر مني بعد فترة قصيرة من العلاقة، لأني أطلب الكثير من الحنان والاهتمام، وربما ذلك يخيف معظم الرجال في مقتبل العلاقة، ولم أجد حلا لهذه المشكلة.

ثانيا: أصبحت أحس أن لا مكان لي ولا أحد ألجأ إليه في هذه الدنيا غير الله، حتى عندما أحدث أمي عن مشاكلي في العمل أو غيره فهي لا تبدي خوفا أو اهتماما، أو تبدي ظاهريا ولكنها لا تخاف علي فعليا، حتى أنني إذا اتصلت يكون كل حديثها عن المشاكل أو المال ودائما لها طلبات، لا أحس فيها حنانا أو خوفا على ابنتها المغتربة التي لا يعلم بظروفها غير الله سبحانه.

الحمد لله الذي رزقني لأكون سندا لأهلي وقت الشدائد، لكني أحس أن لا حياة لي، أعاني الوحدة والاكتئاب والسنين تمر وأتقدم في العمر ويشتد بي الحزن، وأصبحت إذا نظرت إلى نفسي في المرآة أحس أني عشت لستين سنة وليس ثلاثين، وأني لم أعد أقوى على الوحدة وتحمل المسؤوليات، ولم يعد شيء يسعدني في هذه الدنيا.

عذرا على الإطالة ولكن لم أجد من يفهمني ويحس بمعاناتي، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا المتميزة- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام، وقد أسعدنا كثرة مدحك للمنان، وأفرحنا حسن العرض للسؤال والتحليل الرائع لأثر جدتك عليك والأخوال، ونسأل الله أن يصلح الأحوال وأن يحقق لنا ولكم في طاعته الآمال.

كم هو عظيم أن يقول الإنسان لا سند لي إلا الله، وكفى بالله وليا ونصيرا وحافظا وشهيدا، وماذا فقدت من وجدت الله؟ فأقبلي على الله واجتهدي في طاعته، وثقي بأنه لن يحدث في كونه إلا ما أراده، واغتنمي ما تبقى من هذا الشهر الفضيل في التوجه للرب الجليل.

ونعم الله عليك وعلينا كبيرة وبشكره ننال المزيد، فاحمدي من جعل يدك عليا، وأعانك على القيام بدور الأب في الرعاية الكاملة بعد المساعدات المشكورة، ونبشرك أن ذلك لن يضيع عند الله، ونذكرك بضرورة الاحتساب والإخلاص في كل ذلك لله.

أما بالنسبة لعواطفك الدفاقة فنتمنى أن يكون لوالدتك ولإخوانك منها نصيب، وأنت أحسن من عرف أهمية العواطف إذ وجدت مرارة فقدها، ثم أقبلي على الصالحات من أخواتك لتكوني لهن ويكن لك حتى يطرق بابك طارق، وعندها انظري في دينه وفي خلقه، فإذا وجدت فيه الدين والأخلاق وحصل في نفسك الميل والارتياح والانشراح، وكل ما سبق ينبغي أن يحدث في إطار قواعد الشرع وضوابطه، وبالتواصل مع محارمك، فإذا تحقق الوفاق والاتفاق عندها نقول: لم ير للمتحابين مثل النكاح. فإذا تم الرباط الشرعي فابذلي عواطفك لزوجك ولأطفال سوف يسعدون بك -بحول الله وقوته-، واجعلي قاعدة الحب عندك حب الله وانطلقي في جميع محابك وعواطفك من شرع الله، وابذلي عواطفك في الذي يجلب رضوان الله.

وقد اتضح لنا من خلال ما كتبت أنك عاقلة وناضجة، وتحليلك للأحداث يدل على ذلك، ولا نريد لك أن تضعفي بل ننتظر منك أن تتقدمي وتدخلي في التجمعات النسائية الخيرة، وأظهري ما وهبك الله من خير وعاطفة وطاقات خيرة، واعلمي أن لكل واحدة منهن ابنا أو أخا أو محرما يبحث عن الفاضلات من أمثالك، وثقي بأن ما قدره لك العظيم سوف يأتيك، واعملي بما اتضح لك من رفض الرجال وخوفهم من تقدمك نحوهم خطوات، وهذا لأن معظم الناس محرومون من الإشباع العاطفي، كما أن الأفضل أن تكون المرأة مطلوبة لا طالبة، فالرجل يهرب من المرأة التي تجري خلفه، لكنه يجري ويلهث خلف المرأة التي تتأبى عليه وتلوذ بعد الله بإيمانها وحيائها.

ووصيتنا لك بتقوى الله ثم بكثرة اللجوء إليه، ونتمنى أن يستمر تواصلك مع موقعك، وتعوذي بالله من شيطان يذكرك بالسلبيات، ويحاول أن يجلب لك الأحزان، فتعوذي بالله من شره، واستقبلي حياتك بأمل جديد وبثقة في ربنا المجيد، واصبري فبالصبر تنال المؤمنة ما تريد، واجعلي حياتك بالطاعات عيدا.

نسأل الله أن يعجل لك بالخير وأن يرزقك بصالح يسعدك وتسعدينه، وفقك الله وسدد خطاك.

مواد ذات صلة

الاستشارات