مع أنني صغيرة لكنني مكتئبة، انطوائية، لا أشعر بالحياة، فكيف أخرج من هذه الحالة؟

0 406

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله

أنا فتاة بعمر 13 سنة، أعلم أنني صغيرة جدا، لكن أرجو منكم أن تحلوا مشكلتي، فأنا منذ أن كنت طفلة صغيرة جدا، كنت هادئة جدا، ولا يوجد أطفال ألعب معهم أبدا، فكنت دائما مع أمي وأبي وأخوتي الكبار، لذلك عقلي أصبح أكبر من عمري.

مشكلتي هي أنني أشعر بالاكتئاب، ولا أجد المتعة في شيء، وانطوائية، أجلس أغلب أوقاتي في غرفتي، وتأتيني حالات أشعر فيها أن كل شيء غريب، أشعر وكأنني لست من هذا العالم، وأشعر أن أبسط الأشياء فيه غريبة.

لا أحد يعلم بحالتي، هم فقط يرون ابتسامتي، ولا يعرفون كم مرة فكرت جديا بالانتحار -بالرغم من خوفي من الموت-، وأنا لا أستطيع الذهاب لأي طبيب؛ لأنني لم أخبر أحدا بحالتي، ولو أخبرتهم لاستصغروا الأمر لصغر سني، أنا حقا أتعذب دائما بسبب اكتئابي، أرجو حل مشكلتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ لجين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على الكتابة إلينا، وعلى أن فتحت قلبك لنا، وأكيد لم يكن الأمر بالسهل، أعانك الله وخفف عنك.

الشيء الأساسي في قصتك ثلاثة أمور:

الأول: طريقة وظروف التربية التي مررت بها، من العزلة وضعف فرص الاختلاط مع الأطفال أمثالك.

الأمر الثاني: ربما ضعف أو شبه غياب فرصة وجود الأطفال الآخرين من حولك من خارج الأسرة، سواء مع صديقات الحي أو حتى صديقات المدرسة. وإن كان هذا الأمر قابل للتعديل، وخاصة أنك ما زلت في هذه السن الصغيرة، وكونك ما زلت في المدرسة، وربما المرحلة الإعدادية، فهناك الفرص الكثيرة التي يمكن أن تساعدك على الخروج من عزلتك هذه، والاختلاط بالبنات الأخريات، ولعلك تكوني مع بعضهن صداقات قوية.

الأمر الثالث والهام: أنك ما زلت تمرين في مرحلة المراهقة، حيث يزداد عند المراهقة الشعور بالعزلة عن الناس، فمن المعروف أن المراهقة تنقص الوقت الذي تقضيه مع أسرتها على حساب زيادة الوقت الذي تقضيه مع صديقتها -بينما الولد أو الشاب على حساب الاختلاء بنفسه بعيدا عن الأسرة-، فليس مستغربا أبدا أن تكتبي إلينا وأنت في هذا العمر الصغير من المراهقة.

يزداد عند المراهقة أيضا الشعور بأنه لا يوجد هناك من يتفهمها ويشعر بمشاعرها، وهذا تقريبا شبه طبيعي عند غالبية المراهقات، إن كان هذا لا يظهر عليهن، لأنهن كلهن يضعن الابتسامة على وجوههن، وكما تفعلين أنت، فهن يعتقدن بأن سعيدة ومرتاحة، وكما تشعرين أنت عنهن بنفس الشيء.

ما العمل الآن؟

ليس هناك من وصفة سحرية، وإنما عليك اتخاذ الخطوات التي تساعدك على الخروج من هذه الحالة التي أنت فيها، ويفيد أن نذكر بداية أن هذه العزلة ليست كلها سلبية، فمن خلال هذه العزلة يتعرف الإنسان على نفسه حقيقة، وخاصة التعرف على نقاط القوة عنده ونقاط الضعف، وكلنا يحتاج بين الحين والآخر أن تكون له أوقات يختلي فيها بنفسه ليراجع أموره ويفكر في حياته ومستقبله، وكل هذا يقوي عنده شخصيته وقدراته، فالسؤال ليس لماذا عندي هذا الشعور بالعزلة والوحدة، وإنما كيف أستفيد من هذه العزلة والوحدة، وبحيث أسخرها لمصلحتي.

ربما يفيدك جدا التركيز على رفع ثقتك في نفسك، فربما ما يجمع كل هذه الجوانب التي وردت في سؤالك هو موضوع الثقة بالنفس وتقدير الذات، وما يسمى "slefsteem" حيث من علامات نجاح الإنسان سواء في حياته الخاصة أو في علاقاته مع الناس، وفي علاقته بنفسه، أن لديه قدرا جيدا لتقدير ذاته واحترامه لها.

يصاب تقدير الذات أحيانا بما يضعفه عندما يمر الإنسان بتجارب سلبية أو غير سعيدة النهاية، ولكن يقال أن العيب ليس في أن يقع الإنسان، وإنما في أن لا يستطيع النهوض من كبوته هذه، ومن الملاحظ من خلال سؤالك أنك في حالة نفسية لا تتذكرين معها أو ترين إلا الأمور السلبية، وهذا ربما أيضا بسبب ضعف الثقة بالنفس.

أريد منك وخلال الأسابيع القادمة أن تتذكري الإيجابيات في حياتك، ولا بد أن منها الكثير، بالرغم من احتمال عدم تصديقك الآن لهذا الكلام بسبب الحالة النفسية التي أنت فيها.

لا بد لك، وقبل أي شيء آخر أن تبدئي بحب هذه النفس التي بين جنبيك، وأن تتقبليها كما هي، فإذا لم تتقبليها أنت فكيف للآخرين أن يتقبلوها؟!
مارسي عملك ودراساتك بهمة ونشاط، وارعي نفسك بكل جوانبها وخاصة نمط الحياة، من صلاة وعلاقة مع الله ومن التغذية والنوم والأنشطة الرياضية، وغيرها مما له علاقة بأنماط الحياة، وأعطي نفسك بعض الوقت لتبدئي بتقدير نفسك وشخصيتك، وبذلك ستشعرين بأنك أصبحت أكثر إيجابية مع نفسك وشخصيتك وحياتك.

من المحتمل أن تخف عندك مثل هذه الأفكار من تلقاء نفسها، وخاصة من خلال اقتحام المواقف التي ترتبكين فيها أو تشعرين فيها بضعف الثقة في النفس، كما في مواقف الحديث مع الناس، وإذا طال الحال أو اشتدت هذه الأعراض فقد يفيد مراجعة الأخصائية النفسية في المدرسة، ممن يمكن أن تقدم لك العلاج النفسي، وإن كنت أعتقد بأنك ستتمكنين من تدارك الأمر من نفسك.

أريدك أن تستيقظي غدا، مع يوم جديد، وليكن صباح الغد هو صباح ولادتك من جديد، ابدئي يومك بالصلاة، ومن ثم التواصل مع أسرتك، ومن بعدها الخروج من البيت في فعل عمل كنت تفكرين بالقيام به منذ مدة، مهما كان هذا العمل كبيرا أو صغيرا، أو اتصلي بصديقة لك لم تتكلمي معها منذ مدة، وهكذا ستبنين ثقتك بنفسك من خلال العمل والإنجاز، والنجاح ولو الصغير، يؤدي إلى نجاح أكبر منه.

وفقك الله ويسر لك.

مواد ذات صلة

الاستشارات