كيف أضبط ما فاتني من العلم وإصلاح ما أفسدته؟

0 273

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية أنا طالبة امتن الله علي بدراسة الشريعة، وتخصصت بها وأحبها كثيرا، تجاوزت المستوى الأول بامتياز، لكن المستوى الثاني بدأت المواد تكثر وأصبح الأمر صعبا؛ لوجود بعض الصعوبات، فمنها أني لم أكن أراجع أبدا في المنزل، كنت أذهب للحلقة عصرا، وأعود منهكة، ومنها أن بعض الأستاذات تقرأ فقط -رغم صعوبة المادة- وبكميات كبيرة جدا في نفس المحاضرة، فأصبحت محبطة إلى حد كبير.

بكيت وتألمت لعدم ضبطي للعلم وعدم فهمي، وشكوت ذلك كثيرا، ورؤية الكتب والمذكرات في مكتبتي تجعلني أشعر برغبة عميقة بالبكاء؛ ذلك لأني حين أفتحها لا أفهم شيئا، وأنا التي تخصصت فيه؛ لأكون فقيهة أنفع نفسي والأمة الإسلامية، والمشكلة أن المواد كثيرة جدا.

تخطيت المستوى الثاني ونجحت -ولله الحمد- لكني قرأت كلاما للشنقيطي علق فيه على طلبة العلم الذين يحضرون الدروس ويأخذونها بكميات كبيرة، ولا يكادون يضبطون شيئا منها!. أنا منهم فعلا؛ أنسيت كل العلم لم أضبط شيئا، علمت بحجم المسؤولية التي ألقيت على كاهلي، سيسألني الله عن علم أضعته وما انتفعت به ولا بلغته.

قررت أن أبدأ من جديد، لكن ما الذي علي إصلاحه، سأبدأ مستوى جديدا، وعزمت فيه على الاستذكار والضبط، لكن ماذا عن العلم الكثير جدا الذي فات؟

كيف يجدر بي إصلاح ما أفسدته؟ وما هي الطريقة الصائبة لضبط العلم؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ rajeyah حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه.

وأما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: أبشري -أختنا الكريمة- بأن شرح الله قلبك لدراسة علوم الشريعة، فلا يخفى عليك أن هذا هو سلوك الرفعة والمعالي في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} فحبك وطلبك للعلم الشرعي هو طريق الارتقاء ، وهو دلالة خير أراده الله لك -إن شاء الله- كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين). وهو كذلك وسيلة لتسهيل الطريق إلى الجنة، ففي الصحيح عن قيس بن كثير قال: قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق، فقال: ما أقدمك -يا أخي-؟ فقال: حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أما جئت لحاجة؟، قال: لا، قال: أما قدمت لتجارة؟ قال: لا، قال: ما جئت إلا في طلب هذا الحديث، قال: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر).

ثانيا: هذا الخير السابق، والفضل العظيم، لابد لتحصيله من عناء ومجاهدة، ولا بد كذلك من تعب وأرق، وحسب طالب العلم شرفا أن هذا العناء لله، وأن هذا الأرق في سبيل الله، وهو ما يخفف عنه آلام ما يجد، ويدفعه إلى تحصيل ما فات منه.

ثالثا: من الجميل أن يعرف الإنسان أسباب التراجع المعرفي، وقد حددت الأمر بكثرة المواد مع عدم تفصيل الأساتذة في الشروح، وهذا عامل قد يكون أحد الأسباب حقا، لكن السؤال: لماذا لم تبحثي في الشبكة العنكبوتية عمن شرح هذه المواد شرحا تفصيليا؟ وستجدين كثيرا من الشروح المبسطة والسهلة، فهذا –أختنا- تقصير منك.

رابعا: العلم –أختنا- حلقة مترابط، فما ستأخذينه له صلة بما مضى من قريب أو بعيد، لذلك ليس عليك أن تشتتي حياتك، فقط ابدئي بما عليك، واستحضريه جيدا، وكلما صعب عليك فهم مسألة؛ اسألي فيها أساتذتك، أو تواصلي مع الموقع، أو استمعي إلى شروح علمية لها، المهم –أختنا- ألا تتوقف عجلة التقدم العلمي عندك.

خامسا: اجعلي لك وردا من دراسة بعض العلوم الشرعية في أوقات الفراغ، أو في الإجازة، على أن تقسم بطريقة منهجية لا تكثر عليك الأعباء ولا تحبطك، واستعيني بعد الله بالشروح السماعية، فمثلا في العقيدة: كتاب الأصول الثلاثة، ثم كتاب التوحيد، ثم كتاب كشف الشبهات، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، هذا يعد مرحلة جيدة في دراسة العقيدة، وهي سهلة جدا، وشروحها متوفرة -والحمد لله-.

في النحو: ابدئي بكتاب الآجرومية في النحو، واستمعي كذلك للشروح.

في الحديث: ابدئي بكتاب الأربعين النووية، وكتاب عمدة الأحكام.

في الفقه: ابدئي بدراسة متن مبسط مثلا: عمدة الفقه، أو متن أبي شجاع، أو متن خليل.

وهكذا خذي من كل علم كتابا واحدا مبسطا مشروحا، وستجدين خيرا كثيرا في هذه الطريقة العلمية.

نسأل الله أن يوفقك، وأن يسددك، وأن يرعاك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات