السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد:
لقد عانيت في صغري من الوسواس القهري، وكذا من وسواس الموت، وأيضا من أحلام اليقظة وانفصام الشخصية، لكن بحالات متفاوتة، وبأزمنة متقطعة، إذ قد أعاني من حالة لأشهر، ثم تزول وحدها، وتتبعها حالات أخرى، إلا أنني عند بلوغ سن 18 -وبعد فشلي في شهادة البكالوريا بأسابيع- عانيت من وسواس رهيب، إذ أحسست أنني أحتضر، وخيل لي أنني أسمع صوتا من السماء يقول: إنك ميت لا محالة!
بقيت هذه الحالة بذهني إلى اليوم، وقد عانيت على إثرها كثيرا، أما الآن وأنا في سن ال21 فقد ازداد الأمر سوءا، لقد كنت ناجحا في دراستي وعملي، وكنت أعرف في الوسط الطلابي بشاعريتي، وإلى غاية كتابتي هذه الأسطر أعاني من الكسل والخمول، ولا أستطيع التحكم في ذاتي، بل وحتى بتحدثي، مع إقناعها أن الأمر مجرد وهم، وعلي أن أصلح حالي، وأن أعمل لديني ومستقبلي لم يعد يجدي نفعا، حتى مللت الخلوة للتحدث مع النفس، وأصابني وسواس من مدى نفع هذه الخلوة، وأصبحت لدي عادات كالحساب لكل شيء، ومحاولة مراجعة كل ما يحدث لي من قول وعمل، وأكرر لنفسي كل ما يقال في لقاءاتي مع الناس، ومللت الأصحاب والأهل، أصبحت سريع الغضب، وكثير القلق ولو لأتفه الأسباب.
كما أحس أنني أعاني من مس أو سحر، أو الذي بي هو وسواس شيطاني خاصة لما يتعلق الأمر بالجانب الديني.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيرا على إيصال النفع لسائر الأمة الإسلامية.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ toubal حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
جزاك الله خيرا على تواصلك مع إسلام ويب.
ما عانيته منذ الصغر يتكون من قلق نفسي، وقلق الطفولة بالفعل هو مزعج، خاصة حين يكون مصحوبا بوسواس ومخاوف حول الموت، ولا أعتقد أنك عانيت أبدا من فصام الشخصية، هذا مرض عقلي مدمر في حالة حدوثه في أثناء الطفولة، لا أعتقد أن الإنسان سوف يستطيع أن يبني أي مقدرات وملكات معرفية وينفصل تماما من الواقع، وأنت الآن -الحمد لله تعالى- مرتبط بالواقع، وفعلا أنا تلمست الشاعرية في رسالتك، ومقدراتك -يا أخي- واضحة جدا.
أحلام اليقظة والخيال الخصب الذي تحدثت عنه يجب أن يستفاد منه -أخي الكريم- أحلام اليقظة يمكن أن يسعى الإنسان أن يحقق فيها ومن خلالها بعض آماله، ليست كلها سيئة.
أخي: تشخيص حالتك هو بالفعل أن لديك شيئا من قلق المخاوف الوسواسي، ومن الواضح أن الوساوس التي تأتيك من النوع السخيف، ويا أخي الكريم: أنت ذكرت أنه تأتيك قناعات بأن الأمر مجرد وهم، وعليك أن تصلح حالك، وأن تعمل لدينك ومستقبلك، فأنا أقول لك: بالفعل الأمر هكذا، الأمر بيدك تماما، وأن تنطلق بدافعية جديدة ومعنويات جديدة، وتطبق ما تراه صحيحا، يعني أن تلزم نفسك بتطبيق برامج يومية تتماشى مع مستقبلك، يجب ألا تنقاد بالأفكار والمشاعر، إنما تنقاد بالأفعال.
وأنا أعتقد أمامك فرصة عظيمة جدا للتغير، لأن المقدرات موجودة، وأعتقد أن العلاج الدوائي سوف يساعدك كثيرا جدا، الأدوية مهمة لإزالة القلق والتوتر والمخاوف، ومن ثم يمهد لك الطريق من أجل التغيير، لكن الدفع الحقيقي يجب أن يكون من ذاتك.
ويا أخي: إن تمكنت أن تذهب إلى طبيب نفسي أرجو أن تقوم بذلك، وإن كانت هناك صعوبة في الذهاب إلى الطبيب أقول لك: اذهب إلى الصيدلية، ويمكنك أن تتحصل على الدواء الذي يعرف تجاريا باسم (فافرين Faverin) ويعرف علميا باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine) من الأدوية الممتازة لعلاج مثل هذه الحالات، تبدأ بجرعة خمسين مليجراما ليلا لمدة أسبوعين، ثم تجعلها مائة مليجرام ليلا لمدة شهرين، ثم تجعلها مائتي مليجرام ليلا لمدة أربعة أشهر، ثم مائة مليجرام ليلا لمدة ستة أشهر، ثم خمسين مليجراما ليلا لمدة شهرين، ثم خمسين مليجراما يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناول الدواء. من الأدوية الفاعلة والجيدة والسليمة وغير الإدمانية.
أخي الكريم: لا أرى أن فيك عينا أو سحرا، لكن حصن نفسك بذكر الله تعالى، خاصة أذكار الصباح والمساء، وارق نفسك بالرقية الشرعية، بل كررها، وحافظ على الصلاة في وقتها، والصلاة يجب أن تكون رأس الأمر، واجعل لنفسك وردا من القرآن، وأبعد نفسك عن التوهمات المتعلقة بالعين والسحر، ولا تكن ضحية أبدا لما يثار من كلام مغلوط لا أساس له أبدا.
خذ هذه الأمور -أيها الفاضل الكريم- مجتمعة، وإن أردت أن تذهب أيضا إلى أحد المشايخ الذين تثق فيهم ليرقيك، هذا أيضا أمر جيد.
أريدك أن تأخذ مجموعة النصائح التي ذكرناها لك، هي علاجات مؤسسة على أسس علمية وبحثية، والدواء مهم، الدفع النفسي الإيجابي مهم، العلاج على النطاق الاجتماعي مهم، وكذلك العلاج الإسلامي، كلها تكمل بعضها البعض، وتأتي إن شاء الله تعالى بنتائج رائعة جدا، وتمنع عنك الانتكاسات بإذن الله تعالى.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.