لا أكلم أبي وأمي هاتفيًا إلا مرة في الشهر، فهل أنا مقصر في حقهما؟

0 253

السؤال

السلام عليكم

أنا مسافر خارج بلدي، وأعيش وحدي منذ ست سنوات، وليس عندي علاقات اجتماعية تقريبا، وأعاني فترات من اكتئاب ولا أتكلم مع أحد.

علاقتي مع أهل أبي أو أهل أمي شبه منعدمة أو منعدمة تماما حتى أنا وأخي تقريبا لا نتكلم مع بعض، وأمي وأبي أكلمهم تقريبا مرة كل شهر، وعلاقتي معهم سطحية جدا.

سؤالي: من هم الذين يجب علي أن أصل رحمهم؟ وكيف أصل الرحم وأنا في الخارج؟

ثانيا: هل أنا بذلك مقصر في حق أبي وأمي؟

ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقك لكل خير، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعينك على بر والديك وإكرامهما والإحسان إليهما، وأن يرزقك رضاهما عنك في الدنيا وفي الآخرة، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يجعلك داعية إلى دينك في هذه البلاد الغريبة التي نحتاج فيها إلى قدوة حسنة تحسن عرض دين الله على هؤلاء القوم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فإني أحب أن أقول لك: إنه مما لا شك فيه أن الإقامة بعيدا عن الوالدين تؤدي إلى ضعف التواصل معهما، وإلى ضعف البر وإكرامهما والإحسان إليهما؛ لأن الله تبارك وتعالى عندما قال: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} قال: {إما يبلغن عندك الكبر} عندك: أي معك، فإذا هذا هو الأصل، أن أكون أنا مع والدي في مكان واحد، أما الآن فبيني وبينهم قارات ومسافات بعيدة، فالحل في هذه الحال -بارك الله فيك- يكون أولا بدوام التواصل معهم، فلو أن هذه زوجتك وأولادك هل كنت ستتصل بهم مرة في الشهر؟

أخي الكريم أحمد: أنا أريدك أن تكون واقعيا، لو أن هؤلاء هم أولادك، وهذه زوجتك هل كنت ستكتفي بالاتصال بهم مرة واحدة في الشهر؟ أم كنت ستتصل بهم يوميا، ساعات وساعات وساعات، بل قد تقضي الليل كله في الكلام مع زوجتك وأولادك، في حين أن والدك ووالدتك أنفع لك من زوجتك وأولادك؛ لأن والديك برضاهما عنك تدخل الجنة، أما أنت لا تدري هل ولدك سيكون عدوا لك أم سيكون معك يوم القيامة؟

فإذا حبيبي -بارك الله فيك-: أن تحاول أن تزيد جرعة التواصل، بدلا من كل شهر اجعلها كل أسبوع مرة، هذا فيما يتعلق بالتواصل، وأن تطيل معهما الكلام، وليس مجرد كلمة وردها، وإنما تكلم وتواصل: أخبارك أبي؟ أخبارك أمي، أخباركم، أحوالكم، ماذا تفعلون؟ ... حاول أن تفتح حوارات حتى تطيل الكلام معهما؛ لأنهما يفرحان بذلك.

ثم بعد ذلك أيضا إذا كانت لديك وفرة مادية، سلهما عن حاجتيهما، لعل الوالد في حاجة إلى شيء ضروري، أو الوالدة، وهم يستحون منك، فإذا لا تنتظر أن يطلبا منك، وإنما إذا كان قد بسط الله لك في رزقك فلا مانع من حوالة شهرية لوالدك أو والدتك، وحتى إن كانا أغنياء من باب تطييب خاطرهما، وكلما علمت بأحد سينزل يزور بلدك من الممكن أن تحمله ولو هدية بسيطة لأبيك أو أمك أو إخوانك أو أخواتك، هذا مهم جدا.

أما الذي أنت عليه الآن مرة كل شهر تتصل بهم، أنا لا أعتقد أن هذا بر حقيقة، بل هذا نوع من الجفاء ونوع من الجحود، والدليل على ذلك أقول لك: لو كان هؤلاء أولادك أو زوجتك والله لكنت تتحدث معهم يوميا بالساعات، فأنا أريدك أن تتواصل بانتظام مع أهلك.

فيما يتعلق بالاكتئاب: أنت تحتاج أن توسع القاعدة الاجتماعية، أن تتواصل مع إخوانك في المراكز الإسلامية المجاورة لك، وأن تحاول أن تكون لك بيئة حسنة، والدنيا كلها فيها الخير وفيها الشر، والصالحون في كل مكان موجودون، والسيئون كذلك موجودون، ولكن اخرج -بارك الله فيك- وتعاون مع إخوانك في المسجد المجاور لك أو المركز الإسلامي، وحاول أن يكون لك دور إذا كان عندك وقت، حتى تستطيع أن تخرج من هذه العزلة النفسية؛ لأن هذه العزلة ستصيبك بأمراض نفسية أخرى.

أنت الآن تقول أنك تعاني من الاكتئاب، ولكن أيضا الاكتئاب هذا قد يكون أقل أمراض العزلة، لأنه سيأتي بعد ذلك الوسواس القهري، وأمور عظيمة جدا، نسأل الله أن يعافيك منها وسائر المسلمين.

فإذا -أخي الكريم/ بارك الله فيك- أنا أنصح بالتواصل مع إخوانك في المراكز الإسلامية، ومحاولة إيجاد البيئة التي بها تخرج من هذا المنعطف، وإذا لم تكن متزوجا فابحث لك عن زوجة صالحة تكون عونا لك على طاعة الله ورضاه.

أيضا عن طريق المراكز الإسلامية هناك فتيات ونساء صالحات مسلمات مهاجرات، مسلمات حديثات عهد بالإسلام، بدلا من الوحدة القاتلة؛ لأن العزبة شيطان - كما تعلم - والواحد شيطان أيضا، ما دام يعيش وحده ولديه القدرة على أن يكون في كنف أسرة تحويه، تتابع أحواله وأخباره، تساعدك في ترتيب أمورك وفي ترتيب حياتك، أعتقد أن ذلك مطلوب، وأسأل الله أن يوفقك لكل خير، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات