خوف رهيب من الموت والقبر

0 467

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله
أنا شاب من مصر، عمري 22 سنة، أدرس الهندسة، وعندي خوف رهيب جدا من الموت، وأتخيل نفسي وقلبي أنه سيتوقف عن العمل، وأسأل نفسي: هل سيتوقف فجأة أم سيتباطأ وأصاب بألم لا يحتمل حتى يتوقف؟ وعند لحظات الاحتضار هل سأصرخ وأبكي: (أريد أن أعيش) أم سأموت بسلام وطمأنينة؟ وعند دخولي قبري هل سأقول للناس: أرجوكم أخرجوني؛ لا أريد أن أدخل هذا المكان؟ وأتخيل نفسي وأنا أتآكل وأتحلل وأكون عظاما.

هذا الشعور يصيبني برعب يكاد يوقف قلبي من الفزع -بلا مبالغة- وأتخيل نفسي وأنا في القبر والليل مظلم، حيث فصل الشتاء والبرد القارس، ولا أحد في الخارج يؤنس وحدتي هذه، وأتخيل نفسي وأنا ملقى على أرض القبر لا أستطيع الحركة، ولا أستطيع الخروج، وثعبان يمر من فوقي أو يأكلني! وأتخيل نفسي وأنا في القبر وأتفاجأ أنه لا يوجد رب أو ملائكة الذين أؤمن بهما اليوم! وأتخيل نفسي قد ذهبت ولا يوجد شيء اسمه بعث أو نشور أم سأجد –فعلا- الله وملائكته؟ أم سأدخل وكأني داخل بيتي ليس بي خوف؟

أريد أن أسأل سؤالا: أنا لم أر في حياتي أحدا يحتضر، فهل الذين يموتون يصرخون ويبكون، ولا يريدون الموت، ويستنجدون بمن حولهم أن ينقذوهم من الموت أم يموتون براحة بال وطمأنينة أم ماذا؟

أرجوكم اعذروني في هذه الكلمات؛ فالله وحده يعلم ما بي، ولا أستطيع أن أصف ما بي، وجزاكم الله كل الخير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Omar حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، أشكر لك تواصلك مع إسلام ويب.
أخي الكريم: أعتقد أن الإجابة على سؤالك الذي ختمت به رسالتك تأتي من أن نسأل أنفسنا: ما الذي قادك إلى هذا السؤال؟ الإجابة -أيها الفاضل الكريم-: أنت تعاني من مخاوف وسواسية شديدة، ولديك أفكار افتراضية، وتشعبات، وتجري مع نفسك حوارا خاطئا حول الموت.

الذي بك -أيها الفاضل الكريم- هو وسواس قهري مسترسل، وأنا أقول لك: إن الوساوس تعالج من خلال: تحقيرها، وعدم الدخول في مناقشتها، وتجاهلها، ويا أخي الكريم: الحقائق حول الموت ثابتة جدا، فالموت هو الحقيقة الأبدية، وخوف الإنسان أو وسوسته حول الموت لا تزيد في عمر الإنسان لحظة واحدة ولا تنقص من عمره مثلها، والموت له سكرة، ولا شك في ذلك، أيها الفاضل الكريم: الموت يسهل على من أراد الله أن يسهل عليه، قال تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}.

فيا أيها الفاضل الكريم: كل المطلوب منك هو أن يعمل الإنسان العمل الصالح، وأن يسأل الله أن يهون له أمر الموت، وأن يختم له بالباقيات الصالحات أعماله، وأن يجعل حياته زيادة له في كل خير، والموت راحة له من كل شر، وأن يصلح دينه الذي هو عصمة أمره، وأن يصلح له دنياه التي فيها معاشه، وأن يصلح له آخرته التي إليها معاده.

هذه الأفكار التي أسرفت في تداولها مع نفسك هي أفكار مرضية وسواسية وليس أكثر من ذلك، وقولك أنك لا تستطيع الحركة أو الخروج من القبر وأن ثعبانا يمر من فوقك، هذا فيه جزء من الخرافات التي تحكى ويحاكيها الناس.

الأمر الثابت -أيها الفاضل الكريم- هو عذاب القبر ونعيم القبر، هذا أمر أجمع عليه علماء الأمة، إلا قلة قليلة، وأقول لك: كل الذي تحتاجه هو ألا تهتم بهذا الفكر أبدا، وأن تكون حريصا على أمور دينك: عليك بالصلاة في وقتها مع الجماعة، عليك بمعاملة الناس بخلق حسن، عليك ببر الوالدين، عليك بالدعاء، وعليك بالمحافظة على أذكار الصباح والمساء وتلاوة القرآن، وأن تجعل الدين جزءا أصيلا في حياتك، وأن تسأل الله أن يختم لك بالصالحات، {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا}، هذا هو المطلوب، وهذا هو المفروض، وليس أكثر من ذلك.

وأنا أنصحك -أيها الفاضل الكريم- احتسابا للأجر أن تسير في الجنائز، وأن تصلي على الجنائز، وأن تحضر تشييع الجنائز، وأن تزور المرضى، وأن تحرص على الصدقة، والإحسان إلى الأيتام، وأن تنضم إلى الجمعيات الخيرية، هذا فيه ثواب عظيم لك، وسوف يقوي ويوطد قناعاتك الشرعية حول الموت.

كما أريدك أن تجالس العلماء، لا تستمع إلى ما يقال وما يثار من خرافات حول الموت وحول غيره، العلماء هم ورثة الأنبياء وهم يفيدونك تماما في هذا الموضوع، تحدث إلى إمام مسجدك أو أيا ممن تثق في علمه الشرعي.

أيها الفاضل الكريم: نسبة لأن هذه الوساوس تحاصرك وبهذه الصورة العنيفة، أنا أعتقد أن من الضروري أن تقابل طبيبا نفسيا، وأن تتناول أحد مضادات الوساوس، فهي مفيدة ومفيدة جدا في حالتك هذه، وأعتقد أن عقارا يعرف تجاريا باسم (مودابكس Moodapex)، والذي يسمى تجاريا أيضا باسم (زولفت Zoloft)، أو يعرف تجاريا باسم (لسترال Lustral)، ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline) سيكون من أفضل الأدوية بالنسبة لك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
++++++++++++++++++
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي المستشار الأسري والتربوي
++++++++++++++++++
مرحبا بك –أيها الولد الحبيب– في استشارات إسلام ويب.

كل الناس يموتون من آمن منهم بالله تعالى واليوم الآخر ومن لم يؤمن، كل الناس يموتون من عمل صالحا أو عمل سيئا، وأنت ترى الناس من حولك يموتون وينتقلون عن هذه الدنيا إلى الدار الآخرة، وإنما يختلف الناس ويتفاوتون فيما يجدونه بعد هذا الموت، فمن الناس من ينتقل إلى راحة ونعيم، فينتقل من دار العناء والتعب إلى دار اللذة والسعادة الأبدية، ومنهم من ينتقل من هذه الدار إلى دار المشقة والعناء والعنت والعذاب، وإنما يختلف الناس هذا الاختلاف بحسب أعمالهم، كما قال الله تعالى: {فمنهم شقي وسعيد} والسعادة إنما تنال بالإيمان بالله تعالى وبما جاء به الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- واتباعه، والشقاوة في معاندة هذا ومخالفته.

فلا تحمل كل هذا الهم للموت، واجعل همك فيما تستعد به لهذا الموت، وأنت طرحت بعض الأسئلة التي هي عبارة عن خيال، فإن الإنسان إذا مات ينتقل إلى نوع آخر من الحياة، ليست شبيهة بهذه الحياة التي نعيشها اليوم، فكما أنك أنت الآن لا تتذكر حالاتك وعيشتك التي كنت عليها وأنت في بطن أمك، مع أنك كنت حيا ترزق، ولا تتذكر الحالات التي كنت عليها حين خرجت من بطن أمك في الأيام الأولى والشهور الأولى، مع أنك كنت حيا ترزق، وكذلك الحال فيما بعد الممات، فالإنسان يحيى ويعذب أو ينعم، ولكن ليس بالضرورة أن يكون على الهيئة والحالة التي هو عليها اليوم.

ولهذا فنحن ننصحك بالإعراض عن هذه الأفكار التي تتوارد عليك من كونك تتفكر في نفسك وأنت تتحلل وتتحول إلى تراب، والدود تأكل من جسمك، فإن هذا ناشئ عن تصورك لكيفية هذه الحياة في القبر، وكل أسئلتك تدور حول هذا المعنى، وهذا قصور في تصور الحياة التي يحياها الإنسان في قبره.

فأرح نفسك من محاولة التصور للأشياء التي لم تعرفها بعد، وأشغل نفسك بالشيء النافع، فإن من سعادة الإنسان أن يشتغل بما ينفعه، كما أن من علامة بواره وخسارته أن يصرف عمره فيما لا يغني عنه شيئا.

نحن أفزعنا -أيها الحبيب- تساؤلاتك الكبيرة أنك هل إذا مت ستلقى الحقائق الإيمانية التي أخبر الله عنها وأخبر عنها رسوله من وجود الحياة البرزخية والبعث بعد الموت والتصديق بوجود الله ووجود ملائكته، فهذا إذا كان تساؤلا لديك، وأنت متشكك فيه؛ فهذا أمر عظيم وخطر كبير، فإن الإيمان الذي ينفع عند الله هو الإيمان الجازم القاطع، الذي يجزم به الإنسان أن ما أخبر به الرسول حق، وأن ما جاء به القرآن صدق لا ريب فيه، كما قال الله: {ذلك الكتاب لا ريب فيه}، كما قال الله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا} أي لم يشكوا، وهذا اليقين الذي يطلبه الله تعالى من الإنسان يصنعه التفكر في آيات الله المتلوة في كتابه العزيز، والتفكر في آيات الله الكونية المبثوثة فيك ومن حولك.

ولذا فنصيحتنا لك أن تعتني بتصحيح إيمانك وتجديد إيمانك، وذلك بالسعي في تعلم العلم وحضور مجالس الذكر والعلم، ومحاولة الاستماع للبراهين الإيمانية التي أقامها القرآن الكريم على صدق ما أخبر به الله وأخبر به رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومن ذلك: أن تتابع حلقات الإعجاز العلمي التي يبثها العلماء المتقنون لهذا الفن كالشيخ عبد المجيد الزنداني، وأن تكثر من قراءة كلام الله تعالى وكلام رسوله.

نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يأخذ بيدك إلى كل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات