لدي خوف من الطائرة ومن القطار والاصنصير، ما نصيحتكم؟

0 186

السؤال

السلام عليكم

أنا رجل في أواخر الثلاثينات، متزوج وعندي أولاد، ولله الحمد، ناجح في حياتي ومستقيم دينيا.

مشكلتي الخوف الزائد من الطائرة، ومن القطار والاصنصير، والأماكن المزدحمة والمغلقة، لكن تتفاوت نسبة الخوف.

قبل سنة بدأت في الخوف الشديد جدا من الأمطار، والآن مقبل على فصل الشتاء، وبدأت أحس بأعراض خوف وقلق من الأمطار!

أريد أن أعيش بدون قلق.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صالح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونشكرك على التواص مع إسلام ويب.

أخي الكريم: المخاوف أيا كان نوعها هي فكرة وشعور يكتسبه الإنسان، يعني يتعلمه، فلا أحد يولد ولديه مخاوف، وتسعون بالمائة من المخاوف يكون السبب فيها تجربة نفسية سلبية سابقة، خاصة في فترة الطفولة، ويعرف أن المخاوف كثيرة جدا في فترة الطفولة، الخوف من الظلام، الخوف من الحشرات، الخوف من الجن، خاصة إذا كان الطفل يستمع إلى بعض الحكايات والقصص والأساطير من هنا وهناك، ويخوف بالجن وبالعفاريت.

تجربة الخوف قد تتطور، ويصبح خوفا حقيقيا، وهذا يسكن في كيان الإنسان منذ صغره، وبعد أن يكبر يتحول هذا الخوف ليكون خوفا واضحا وظاهرا.

الكثير من الناس الذين يعانون من المخاوف - مثل شخصك الكريم - قد لا يستذكرون أي تجربة سالبة في الصغر؛ لأن معظمهم يعتبرها أمرا عاديا في تلك الفترة.

نوع المخاوف التي تعاني منه - أخي الكريم - نسميه بالمخاوف البسيطة، وهي بالفعل بسيطة.

أطمئنك تماما أن الخوف لا يدل على ضعف في الإيمان أو ضعف في الشخصية، وقطعا هو ليس جبنا، لأن الإنسان يمكن أن يخاف من شيء بسيط. كالقطة مثلا، لكنه لا يخاف من الأسد، يواجهه تماما... وهكذا.

إذا هي: مكتسب سلوكي ذو طبيعة خاصة جدا.

أخي الكريم: المخاوف بصفة عامة تعالج من خلال: أن يحللها الإنسان مع نفسه، يعني يخضعها للمنطق، ويحاول أن يجد لها تفسيرا، وفي نهاية الأمر يجب أن يقتنع الإنسان بأن هذه المخاوف لا تستحق كل هذا الانتباه وكل هذا الانشغال، ويجب أن تحقر؛ لأنها بالفعل ليست منطقية.

هذه هي الخطوة الأولى، خطوة التفكير المنطقي حول المخاوف. بعد ذلك يأتي دور العلاج الحقيقي، وهو ما نسميه بالتعريض مع منع الاستجابة السلبية، يعني أن يعرض الإنسان نفسه لمصدر خوفه دون أن يستجيب استجابة سلبية.

التعريض في الخيال إذا كان مكثفا وأخذه الإنسان بقناعة مفيد جدا، وأقصد بالتعريض في الخيال: أن تتصور، أو تتخيل مثلا أنك في طائرة وأن هذه الطائرة تعرضت لمطبات جوية ومن ثم حدث الخوف الشديد، تصور هذا الموقف، وعشه في وجدانك لفترة عشر إلى خمس عشرة دقيقة، فأكثر من هذا النوع من التعريض، لأن التعريض بالفعل هو علاج - التعريض في الخيال - .

بعد ذلك يأتي التعريض في الواقع، فمثلا أنت أمامك فرصة بأن تستعمل الأسانسيرات، فهي موجودة وكثيرة جدا، الأماكن المزدحمة يجب أن تعرض نفسك تماما لها، اذهب إلى الأسواق، المجمعات، صلي في المساجد الكبيرة، كن في الصف الأول، شارك الناس في مناسباتهم، وهكذا. كذلك بالنسبة للأماكن المغلقة، لا تهابها أبدا.

إذا لا تتجنب، لأن التجنب يدعم ويقوي كثيرا من الخوف.

أخي الكريم: بالنسبة لهذه الوسائل - أي وسائل المواصلات كالطائرة والقطار - أنا شخصيا وجدت أن دعاء الركوب إذا طبقه الإنسان وتمعن فيه هو عظيم جدا.

بالنسبة للخوف من الأمطار: أخي الكريم: الأمطار نعمة عظيمة، وعظيمة جدا، أريدك أن تدرس عنها، أن تقرأ عنها، أن تتطلع وتكتسب المعلومات عنها، كيف تتكون؟ كيف تنزل؟ وما هي فوائدها، ويجب أن تستشعر بالفعل عظمتها، وما هي فوائدها وعظمتها؟

من الناحية السلوكية: الإنسان - أخي الكريم - إذا فهم الشيء وعرف حقيقته وفوائده واستدرك معناه لا يخاف منه، بل يحبه، وهذا أمر معروف لدينا في علوم النفس والسلوك، فأنا أريدك أن تعرف عن الأمطار أكثر.

أخي الكريم: تذكر قوله تعالى: {ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء} الرعد يحصل بتصادم السحب بعضها ببعض وينشأ عن هذا التصادم نزول الأمطار.

تذكر قوله تعالى: {أفريتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون} فينبغي أن نشكر الله تعالى على نعمة المطر.

تذكر قوله تعالى: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد} وقوله تعالى: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون * وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين * فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها}.

تذكر أيضا مخاطبة سيدنا نوح - عليه السلام - قومه بقوله: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا}.

تذكر دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب السقيا: (اللهم اسقينا غيثا مغيثا مريئا نافعا غير ضار) ودعاء: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا).

أخي الكريم: المطر يجب أن تحبه، ويجب أن تنعم به، وتلاحظ هنا في منطقة الخليج وفي مناطق أخرى: الناس تبارك بعضها البعض لنزول المطر، فكيف تخاف منه أنت أخي الكريم؟ أعتقد أنك لم تفكر في الموضوع بالكيفية التي ذكرتها لك الآن، فأرجو أن تفكر فيه على هذا النمط.

أخي الكريم: المخاوف أيضا تستفيد من العلاج الدوائي كثيرا، وعقار (سبرالكس Cipralex) والذي يعرف علميا باسم (استالوبرام Escitalopram) من الأدوية الجيدة، وكذلك عقار (زيروكسات Seroxat) والذي يسمى علميا باسم (باروكستين Paroxetine) خاصة الزيروكسات CR، وعقار (زولفت Zoloft) والذي يسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline) كلها أدوية مفيدة.

أخي الكريم: اذهب إلى الطبيب واجعله يصف لك أحد هذه الأدوية لمدة ستة أشهر، وعليك أن تأخذ بما أوردته لك من تفاصيل سلوكية وتتناول العلاج الدوائي، وإن شاء الله تعالى تشفى من حالتك هذه تماما.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات