فقدت لذة الاستمتاع بالحياة بسبب كثرة التفكير والقلق المستمر

0 264

السؤال

السلام عليكم

عمري 18 سنة، متخرجة من الثانوية قريبا، ومقبلة على المرحلة الجامعية -إن شاء الله-.

مشكلتي كبيرة، وأعاني منها طوال سنوات دراستي كلها -يعني 12 سنة-، وهي: الخوف، والقلق، والتوتر، وألم وخوف في قلبي، وضيقة صدر، وصداع، وشعور بالرغبة في القيء من كثرة التفكير.

وكنت عندما أشارك في الفصل أخاف وأتوتر، وقد يحمر وجهي وأرتعش قليلا، فأشعر بالخجل والتوتر من نظرات البنات والمعلمة لي، وقد تقولون أن هذا أمر طبيعي، ولكني من النوع الحساس، وهذا الشيء أثر على نفسيتي، وهو ليس طبيعيا بالنسبة لي، وقد رأيت فتيات يصبهن التوتر ولكن ليس كما يصيبني، فالذي يصيبني يصل لدرجة التعب والتغيب أسبوعا عن المدرسة، والسبب هو شدة الخوف والتوتر والقلق، فمن شدة التفكير يصيبني ألم في الرأس والمعدة، ويصاحبه القيء.

ونتائج الفحص كما يخبرنا بها الأطباء أن كل شيء سليم، وقد تكون نزلة معوية فقط، وبمجرد أن أبدأ الدراسة يخف التفكير والقلق، ولكنه لا يزول أبدا.

وكأنه كابوس يتابعني، وإذا لاحظت أمي علي شيئا من الخوف تقول لي بأن أتوقف عن التفكير وأن أقرأ القرآن أو أستمع له، صحيح أن القرآن يخفف عني شيئا من ذلك التوتر، ولكن تلك الأفكار تنقض علي رغما عني.

كل يوم صباحا وأنا متجهة إلى المدرسة ينتابني قلق وتفكير غير طبيعي، وكأني لا أريد الذهاب للمدرسة، وأني أرغب بالبقاء مع أمي، وبمجرد ركوب الباص والدخول إلى المدرسة يزول عني ذلك الشعور، ولكن لا يزال هناك شيء من التوتر، وهذا حالي كل صباح وأنا متوجهة إلى المدرسة.

والآن أنا أشعر بأن توتري قد زاد لأني مقبلة على المرحلة الجامعية، على الرغم من أني مجتهدة وأحب الدراسة، وهناك من يقول بأني كلامي أكبر من عمري، وأحب مساعدة الناس، ولكني لست اجتماعية جدا، ولكن لو كلمني أحد ما فإني أرد عليه بكلام قليل، ومن الصعوبة أن أكون صداقة، لأنه ينتابني قلق وتوتر شديد.

أرجوكم ساعدوني، أريد حلا لقلقي وكثرة تفكيري، لدرجة أني أحيانا أشعر بالخوف من الناس، أخاف أن يضحكوا علي، وقد بقي على التحاقي بالجامعة أسبوعا، وبسبب القلق وكثرة التفكير والتوتر لا أنام إلا بعد صلاة الفجر، وبسبب ذلك فقدت لذة الشعور بالحياة، فكل الفتيات اللاتي في سني سعيدات بانتقالهن إلى المرحلة الجامعية إلا أنا أشعر بالخوف وتنتابني رغبة بالبكاء، فأنا أفكر كيف سأتعامل مع من هم أكبر مني سنا؟ لأني من النوع الخجول جدا، وكيف سأمشي وسط فتيات كثر، مع أني واثقة في لبسي -والحمد لله-، ولكن يساورني شك من نظرات الفتيات لي.

كما أنه بسبب شكواي لكم ينتابني تأنيب الضمير بأنه كان من الواجب لو شكوت لربي فقط وليس لأحد غيره، فهل أنا مذنبة؟

أرجوكم ساعدوني، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أحلام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا والكتابة إلينا بما في نفسك، ولا أسمي هذه شكوى، وإنما هي حديث وفضفضة من باب الاستشارة، وكما يقال ما خاب من استشار، ويقول الرسول الحبيب –صلى الله عليه وسلم-: "تداووا عباد الله، فإنه ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء".

نعم أقول داء أي مرض، لأن قلقك ليس بالأمر الطبيعي، فقد تجاوز الحد الطبيعي، وكما تقولين أنت في رسالتك، وواضح أنك عانيت الكثير ومنذ سنوات، وواضح أن هذا تجاوز الحدود الطبيعية للقلق العادي، وربما أقرب وصف أو تشخيص لما وصفت في رسالتك أنها حالة من الرهاب الاجتماعي.

والرهاب أو الخوف الاجتماعي، حالة نفسية معروفة، وخاصة بين الشباب من الطلاب والطالبات، وهو من أكثر أنواع الرهاب أو الخوف انتشارا، والعادة أن يتأخر التشخيص في كثير من الحالات ولعدة سنوات، وكما حصل معك، ففي البداية لا يدرك الشخص ماذا يحصل معه؟ فقد يظن أنها مجرد وعكة صحية أو نزلة معدية وكما ذكرت في رسالتك، ومن ثم يعتقد أنها مرحلة وتنقضي، وهي حقيقة تنقضي ومن دون علاج عند كثير من الناس، ولكن قد يتأخر لوقت طويل.

وفي الرهاب الاجتماعي يرتبك الإنسان من لقاء الناس كالطلبة والمعلمين والنظر في وجوههم أو الكلام أمامهم والاجتماع بهم في بعض الظروف الاجتماعية، حيث يجد صعوبة في الحديث مع الناس وخاصة الغرباء منهم، مع ما يرافق هذا الخوف ربما من الارتباك وبعض الأعراض الجسدية كالقلق والتنميل والتعرق والارتعاش وضعف التركيز؛ مما يضعف ربما القدرة على فهم ما يقال لك، وبالتالي فقد يشعر بعدم الرغبة في الخروج من البيت أو الاختلاط بالناس، وربما هذا هو سبب الآلام والمعاناة وحتى التفكير بترك الدراسة والجلوس في البيت، كما كتبت في رسالتك، حيث تجدين صعوبة في مواجهة الناس، مما يقلل عندك من طبيعة الحياة الاجتماعية والرغبة في التحصيل مع أنك متفوقة وشاطرة كما قلت.

وبسبب كل هذا فأنت لا تشعرين بالثقة الكبيرة في نفسك، مما يجعلك لا ترتاحين للاجتماع والتعامل مع الآخرين. وربما تهربين من مواجهتهم ببعض الحجج التي تقدمينها للآخرين.

لماذا يحدث الرهاب الاجتماعي؟
في الحقيقة في كثير من الأحيان قد لا نعرف تماما هذا السبب، إلا أن له علاقة بطريقة التربية، وطبيعة الشخصية، والظروف المحيطة بالإنسان.

وهل يمكن علاج الرهاب الاجتماعي؟
بالطبع نعم، ولكن لا بد قبل العلاج السليم من تأكيد التشخيص، فبلا تشخيص لا توجد هناك معالجة مناسبة صحيحة، والغالب أن التشخيص عندك واضح تماما.

من أهم علاجات الرهاب والخوف والأكثر فاعلية هو العلاج المعرفي / السلوكي ويسمى بالأجنبي إن أحببت القراءة عنه (Cognitive Behavioral Therapy) أو (CBT)، وكما هو واضح من اسمه أن لهذا العلاج النفسي جانبان، الجانب المعرفي، والذي يقوم على التعرف على الأفكار السلبية التي يحملها المصاب، ومنها مثلا "إذا تحدثت أمام الناس فلن يعجبهم كلامي"، والعمل على استبدالها بأفكار أكثر إيجابية، ومنها مثلا "هذه ليست أول مرة أتحدث فيها أمام الناس، وقد أبليت بلاء حسنا في الماضي ولله الحمد".

ويقوم الجانب السلوكي على إعادة تعليم المصاب بعض السلوكيات والتصرفات الصحية كبديل عن السلوكيات السلبية، فبدلا من تجنب الأماكن والمواقف المخيفة أو المزعجة، يقوم المصاب بالتعرض والإقدام على هذه المواقف والأماكن حتى "يتعلم" من جديد كيف أن هذه المواقف والأماكن ليست بالمخيفة أو الخطيرة كما كان يتصور سابقا.

ويشرف عادة على هذه المعالجة الطبيب النفسي أو الأخصائية النفسية، والأمر يحتاج أن تكرر الأخصائية معك الجلسات العلاجية عدة مرات.

وبالإضافة لهذه المعالجة المعرفية / السلوكية يمكن للطبيب النفسي أن يصف لك أحد الأدوية، لا أقول التي تعالج الرهاب وإنما تحسن من ظروف العلاج، وإذا لم ترغبي في زيارة الطبيب النفسي فيمكن لطبيب الأسرة أن يصف أحد هذه الأدوية.

ويبقى العلاج الرئيسي هو العلاج المعرفي السلوكي وكما ذكرت، والذي يمكن أن تقوم به الأخصائية النفسية أو المرشدة النفسية (councilor)، والغالب أن عندكم في الجامعة أخصائية أو مرشدة نفسية، وهناك العديد من الأدوية المفيدة، ويتحدد الدواء المناسب بعد تقييم الطبيب النفسي لحالتك بالشكل الشامل والمناسب.

وأنصحك أيضا بقراءة كتاب عن حالات الرهاب الاجتماعي (Social Phobia)، فمعرفتك بهذا يزيد من احتمال تعافيك، وهي كتب متوفرة عندكم وفي أي مكتبة عامة للاستعارة.

ومن الكتب المفيدة في هذا كتابي "المرشد في الأمراض النفسية واضطرابات السلوك"، وكذلك كتابي المترجم "العقل فوق العاطفة" وهو في العلاج المعرفي السلوكي، وكلاهما متوفر عند مكتبة جرير.

وأنت الآن على أعتاب الدراسة في المرحلة الجامعة، وكنت أحب أن أعلم فرع دراستك، وهذه فرصة مناسبة لا للتجنب، وإنما للإقدام على اللقاء بالآخرين، وتجاوز هذا الرهاب الاجتماعي، والتفوق الدراسي إن شاء الله.

وأدعو الله تعالى لك بالعافية والشفاء في أقرب فرصة، وأن نسمع أخبارك الطيبة.

مواد ذات صلة

الاستشارات