قلق ووسواس يؤثر على حياتي، هل هو طبيعي؟

0 231

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أولا: أشكر القائمين على هذا الموقع، وأسأل الله أن يجعلكم سببا في تفريج همي، وما دفعني لكتابة هذه الرسالة هو خوفي على نفسي وعلى دراستي وحياتي.

أنا فتاة في 15 من عمري، شخصيتي حساسة وقلقة، وهذا جعلني أصاب ببعض الاضطرابات التي ربما كانت تزعجني، ولكنها الآن زالت، ولم تزل جميعها، ومن ضمن هذه الاضطرابات الوسواس القهري الذي أصابني منذ فترة الطفولة، وكان دينيا، وبعد فترة من القراءة والبحث عن طرق العلاج عرفت كيف أسيطر على الفكرة الملحة وأنهي القلق، وهذا من فضل ربي، وقد ظننت أني شفيت من الوسواس تماما، ولكن يبدو لي أنني انتقلت إلى عرض آخر، وأريد أن أتأكد هل هو وسواس حقا؟

أنا حريصة جدا على ديني، وأخشى دائما أن أقع في ذنب دون أن أعلم مع رجائي في رحمة الله الواسعة، والمشكلة ليست هنا، بل المشكلة هي أنني أحيانا أكون في وقت فراغ فيقفز إلى ذهني سؤال: ما حكم كذا؟ ولا يكون السؤال وسواسيا؛ حيث أني بمجرد أن أحصل على الحكم يهدأ بالي، ولكن المصيبة هي أني أحيانا لا أجد سؤالي أبدا، وأظل أبحث في كل موقع، فإن لم أجد أسقط في دوامة من القلق والهم والحزن والاكتئاب، وأحيانا أبكي بكاء مريرا، لا أعتقد أن هذه تقوى مطلقا، فأي تقوى تلك التي تجعلك تقع في اكتئاب حاد، وجزع، وسخط، وتمني الموت، والإحساس باليأس، وعدم الجدوى حتى من الدعاء -والعياذ بالله-!

للأسف هذا الأمر تكرر معي أكثر من مرة، إن لم أجد الفتوى؛ يجن جنوني، وتتوقف جميع أمور حياتي، ويشحب لوني، وتتدهور صحتي، وينقص وزني بشكل ملحوظ، وأصاب بالعجز حتى عن العبادة، وإذا حاولت أن أهدئ من نفسي وأذكرها برحمة الله؛ يأتيني شعور أن هذا أمن مكر الله، وعلي أن أبقى متوترة وقلقة، حقا تعبت من هذا الأمر جدا، وهذه الأسئلة بعضها يكون منطقيا، وبعضها ربما يفتقد للمنطقية، وبعد أن كادت تقضي علي صرت أعتبرها وسواسا فتجاهلتها، وصرت أقطع الفكرة، وكان بالي مرتاحا، ولكن ما جعلني أقلق وأعود للتفكير هو أني أكتشف فيما بعد أن بعض هذه الأفكار ليست وسواسا، وهذا الأمر فعلا محرم، فصرت أجد صعوبة في إبعاد الفكرة؛ لأنني لست متأكدة، فربما تكون حقيقية!

آخر هم مررت به هو أني ذات مرة قررت أن أجعل معاملتي للناس كلها لله، وقلت: بهذه الطريقة سأحصل على الأجر، وأنال الراحة النفسية. وكانت تأتيني بعض الوساوس وأتجاهلها، فبحثت ذات مرة ووجدت حكم العمل الصالح لأجل الدنيا، فصدمت كثيرا، وتبت، واعتبرت نفسي من هذه الفئة؛ لأنني فعلتها بغرض منفعة، وهي الراحة النفسية، وقلت: حسنا! لكي أرتاح؛ لن أعامل الناس لله، بل لنفسي! حتى أسلم من العقوبة، فقفزت لي فكرة أن الأخلاق يجب أن تكون لله، وإن لم تكن لله فإني آثمة، فوقعت في حيرة فلا أنا أستطيع أن أجعلها لله؛ لأني فعلتها بدافع منفعة، وهي الراحة النفسية، وأيضا سيأتيني وسواس في كل جملة أنطقها: هل هذه لله أم لا؟ مما يسبب لي مشاكل اجتماعية، وفي نفس الوقت لا أستطيع جعل أخلاقي لنفسي؛ خوفا من أن تكون من الأعمال التي يجب فيها الإخلاص.

أصبت بقلق كبير جدا، ومعه أعراض نفسية؛ شرود، قلق، كثرة تفكير، ألم في الكتفين والرقبة، اضطراب في المعدة، دوخة، ضيق تنفس، فضاقت علي الأرض بما رحبت، وضاقت علي نفسي، فما تشخيصكم لحالتي؟ حيث إني غالبا ما أكون في قمة النشاط والسعادة عندما أشعر أن أموري الدينية بخير، وهذا لا يعني أنه ليس هناك أشياء أخرى تحزنني، ولكن أكثرها بسبب الدين، وتنقلب حياتي رأسا على عقب؛ عندما أشعر أن هناك أمرا ليس بخير.

أرجو أن تنقذوني وترشدوني؛ لأني فعلا احترت في هذا الأمر، ولا أريد أن يؤثر على دراستي، ولا على نفسيتي، ماذا أفعل إذا احترت في حكم شيء ولم أجد جوابا؟ وهل علي أن أبقى قلقة عندما أكون في هذه الحالة حتى الوسواس يتمكن مني؟ فأحيانا أسأل حتى عن حكم الزينة، وأشعر أني آثمة، وأشعر بالذنب؛ لأني سعيدة، أو أستمتع بوقتي في المباح، ولكني أتدارك الأمر وأطرد الفكرة، وهذه الأعراض مصحوبة باكتئاب حاد يجعلني أقول: إنني أتمنى الموت -عياذا بالله- رغم أني لا أتمناه حقيقة؛ لأني أعلم نهايته، ولكن لأخرج ما بداخلي أرجو أن ترشدوني نفسيا ودينيا، ربما كانت أسئلتي كثيرة، ولكني في أمس الحاجة لمد يد العون، أنتم أملي بعد الله، فقد أثر هذا الأمر على حياتي.

أعتذر جدا على الإطالة، وجزاكم الله خيرا، ونفع بكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بسمة حفظها الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله لك العافية مما تعانينه من وساوس.
علاج هذه الوساوس -أيتها الفاضلة- هو الإعراض عنها وتركها، ولن تجدي علاجا خيرا لها وأحسن من هذا العلاج، فجاهدي نفسك على الإعراض عن هذه الوساوس وعدم الاشتغال بها، لا تبحثي عن أجوبة للأسئلة التي تضعها عليك، فإذا أعرضت عنها؛ فإنها ستزول عنك بإذن الله.

وأما ما تحاول هذه الوساوس إلقاؤه إليك من أن أعمالك لغير الله، فلا تحزني لذلك، لا تقلقي له، واقصدي بما تعملينه إرضاء الله تعالى ونوال ثوابه، وإذا فعلت العمل تبتغين بذلك شيئا من ثواب الله تعالى في دنياك وفي آخرتك فهذا لا ينافي الإخلاص، ولا يعارضه، ونحن ندرك تمام الإدراك أن كل هذه المعاناة التي تعانينها إنما هي من آثار تلك الوساوس، واعلمي أن المحرم إنما هو فعل شيء من أعمال الآخرة من أجل الوصول إلى غرض من أغراض الدنيا، أما ما عدا ذلك فلا يحرم على الإنسان أن يفعل شيئا من أجل أن يتوصل إلى الدنيا، وأعمال الآخرة هذه -كما قدمنا لك- إذا عملتها لله ترجين بذلك ثوابه عاجلا وآجلا فإن هذا لا ينافي الإخلاص، وقد قال الله سبحانه: {من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة}، فإذا طلب الإنسان شيئا من أغراضه من الله تعالى فإن هذا لا ينافي إخلاصه لله.

نحن نؤكد ثانية -أيتها الكريمة- أنه ليس ثم علاج أحسن ولا أمثل من الإعراض عن هذه الوساوس، فإذا أعرضت عنها؛ شفاك الله تعالى منها.

نسأل الله تعالى لك عاجل العافية.
++++++++++++++++++
انتهت إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي المستشار الأسري والتربوي، وتليها إجابة د/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
+++++++++++++++++
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وأشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

أيتها الفاضلة الكريمة: اطلعت على رسالتك وتفحصتها بكل دقة، وأقول لك: قطعا الطريقة الاستحواذية التي تسيطر عليك حول الأفكار التي تأتيك حتى وإن كانت منطقية، هذا المنحى وطريقة التفكير وطريقة الاستحواذ هي طريقة وسواسية، لأن أحد الشروط الرئيسية للوسواس هو أن يصاب الإنسان بقلق شديد إذا لم ينفذ الفكرة الوسواسية، أو يصل لنوع من الحلول لها.

فأنت بالفعل حريصة على أمور دينك، وهذا أمر عظيم، نسأل الله تعالى أن يزيدك من الخير دائما، لكن قطعا الطريقة التي تفكرين بها هي طريقة وسواسية، طريقة فيها استحواذ وتسلط، تسبب لك الكثير من التوتر، وهذا كله يؤدي إلى حالة الكدر والاكتئاب الذي تصابين به، فاكتئابك هو اكتئاب ظرفي ثانوي من النوع العابر -إن شاء الله تعالى-.

وأنا حقيقة أود أن أنصحك بأمر مهم جدا -أيتها الفاضلة الكريمة- هو: أن تذهبي إلى طبيب نفسي، أنا أقدر مجاهدات في دفع هذه الوساوس، وأعرف أن الوسواس مؤلم ومستحوذ ومهيمن ومسيطر، والوسواس حين يكون مكونه مكونا فكريا أساسيا لا بد من تناول علاج دوائي؛ لأن الدواء يخفف من وطأة القلق، وهذا أمر معروف، وحين يخف القلق يستطيع الإنسان أن يفتت ويفكك الوساوس ويتجاوزها بكل سهولة.

فأريدك بالفعل أن تذهبي وتقابلي الطبيب، وأريدك ألا تحرمي نفسك أبدا من العلاج الدوائي، وواصلي نفس مسيرتك في قهر الوساوس وطردها.

وأريد أيضا أن ألفت نظرك لأمر مهم جدا، هو: أن بعض الأشياء التي ربما تتصورينها منطقية -وقد تكون بالفعل فيها شيء من المنطق- في ذات الوقت قد تكون مشوبة بالوسواس، لأن الوسواس في كثير من الأحيان يبدأ بحقائق، ليس خيالا، ليس أمرا غير واقعي، يعني مثلا: الوسواس حول الوضوء، الناس تريد أن تتقن الوضوء، الناس تريد في بعض الأحيان أن تتوضأ كما كان يتوضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكن بعد ذلك تدخل الأمور الوسواسية في الأمر... وهكذا.

فأنا أرى أن شيئا من العلاج الدوائي البسيط سوف يفيدك جدا، ويريحك تماما من هذا الفكر الوسواسي، لأني لا أريدك في هذا العمر -حقيقة- أن تدخلي في حوارات وسواسية؛ لأنها مؤلمة، لأنها مضيعة للوقت، وهذا أمر مهم جدا، ولا بد أن تسعي دائما لأن تصرفي انتباهك عن الوسواس من خلال حسن استغلال الوقت فيما هو مفيد.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.

مواد ذات صلة

الاستشارات