رغم التزامي لم أحصل على مطلوبي، وأحسد صديقاتي لذلك

0 269

السؤال

أنا فتاة بعمر27 سنة، أشعر بالفشل والغيرة، وأحسد صديقاتي؛ لأنهن حصلن على الوظيفة الحكومية، وقسم منهن تزوجن، وأنا أسعى وأطرق الأبواب لكن محاولاتي باءت بالفشل، أصلي وأدعو ربي أن يغفر لي بسبب الحسد، لكني مجبرة!، وأتصرف رغما عن إرادتي، ومشاعر الحزن تسيطر علي، أفكر في الموت أحيانا؛ كي أتخلص من الهموم والقلق والخوف من التقدم في السن الذي يقلل الفرص لي؛ لأن كل من في سني أصبح لديهم عائلة، أما أنا فإني عانس، والفرص الآن لمن هم أصغر سنا.

لدي استفسار: أنا أعرف صديقة لي، وهي محجبة، وتصلي، ومع ذلك تفاجأت عندما علمت بأنها على علاقة مع شخص في الإنترنت، وربما فعلت ذلك؛ كي ترتبط، هل هذا حرام؟ وإذا كان الجواب: العلاقة محرمة؛ فلماذا تحصل على ما تريد من وظيفة؟ وربما الشخص سيتزوجها، وهذا الشيء قائم على الحرام، والكثير من الفتيات تعرفن على شبان في الإنترنت، وخرجن، ومع ذلك تزوجن بهم، وأنا ملتزمة ولم أفعل ذلك، ومع هذا لم أحصل على النصيب، وكيف أحصل عليه ولا أحد يعرفني أو يراني؟

عذرا على الإطالة والأخطاء اللغوية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لميس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه. وأما بخصوص ما تفضلت به، فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: من الأمور التي يجب أن نرسخ مفهومها، وأن تكون جزءا من عقيدتنا: أن الله حكم عدل، وأنه سبحانه يوزع العطايا على خلقه بالعدل، وأن الله إذا أنعم على عبد في أمر ما؛ فلحكمة، وإذا منع منه أمرا ما؛ فلحكمة، فهذه دار ابتلاء وكدر، والجميع فيها مبتلى، ومهما قلبت ناظريك فلن تجدي إنسانا منعما عليه من كل وجه، كما لن تجدي آخر مبتلى من كل وجه، بل قسم الله العطايا ولحكمة، فقد تجدي منعما عليه في المال فقيرا في العافية، منعما عليه في الزواج قليلا في الاستقرار، منعما عليه في الزواج منعدما في الأولاد، منعما عليه في الاثنين معا، مقترا عليه في الأمن والأمان في بلده، وهكذا -أختنا الكريمة- قسم الله عطاياه، لكن الآفة الحاصلة أن بعض الناس يتغافل عن عطايا الله الكثيرة عليه، ويبدأ في النظر إلى ما نقص فيه، واكتمل في غيره.

ثانيا: قد ذكرت -أختنا- أن بعض صديقاتك قد حصلن على وظائف، وأنت بعد لم تحصلي، ونحن نسألك: بعد أن علمت ما أنعم الله به عليهن، هل علمت بم ابتلاهن الله به؟ لا يأتي عطاء إلا وبجواره بلاء، ولا يأتي بلاء إلا وفي رحمه عطاء.

ثالثا: ذكرت أن بعض البنات سلكن الطريق الخطأ، أو الطريق غير الشرعي، ورزقن أزواجا، وأنت لم تسلكي الطريق ذاته، ولم ترزقي إلى الآن الزوج؟
ونحن هنا نورد إليك بعض الحقائق؛ فانتبهي لها:
1- ليس كل من سلكت طريقا غير شرعي تزوجت، فالاحصاءات تذكر أن من كل عشر حالات يتم التعارف عليها قبل الزواج يتزوج أربعة فقط.

2- ليس كل من تزوجت بذات الطريق تزوجت رجلا صالحا، ذلك أن الرجل المتدين أو حتى أنصاف المتدينين لا يرون هذا هو الطريق الأمثل للزواج، وعليه؛ فإن أكثر هذه الزيجات تمر بمنعرجات شديدة الخطورة.

3- انتبهي -أختنا- جيدا لما نقوله لك الآن: لم تأخذ أي فتاة إلا ما قدر الله لها، لكنها استعجلت فحصلت على الحلال بشبهة، ولو صبرت لأتاها خالصا من أي شائبة. وأنت كذلك -أختنا- لو فعلت في الماضي أضعاف ما فعلت تلك الأخوات ما تزوجت إلى الساعة؛ ذلك أن الوقت الذي حدده الله لم يأت بعد، فقد كتب الله لك زوجا معروفا باسمه، ورسمه، وصفته، والوقت الذي يأتي فيه، لن يعجل بالخاطب حرص، ولن يصرفه عدم تواصل، واستمعي لهذا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه قال: (أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات، وكان عرشه على الماء).

رابعا: بقي أن نتحدث عن علاج الحسد الذي تحدثت عنه، وعلاجه ميسور -إن شاء الله- ونحن نذكر هذا العلاج في العناصر التالية:
1- كثرة الدعاء إلى الله -عز وجل- والتوكل عليه. والدعاء هو أول الطريق -أختنا الفاضلة-.

2- الرضى بالقضاء والقدر، والنظر إلى من هو أقل منك حالا، يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم).

3- الإيمان بأن الإمساك عن الشر صدقة؛ مما يساعد على التخلص من الحسد، والإيمان بأن الكف عنه صدقة، فعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (على كل مسلم صدقة، قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة)، متفق عليه. فمجرد إمساكه عن الشر، ومنعه الحسد يكون صدقة على نفسه، وفي حديث آخر: (قال: فإن لم أفعل؟ قال: فدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك)، وفي رواية: (تتصدق بها عن نفسك)، وهذا أيضا متفق عليه.

4- من الوسائل كذلك: الاعتقاد الجازم بأن الحسد لا يضر المحسود، لذلك سماها بعض أهل العلم بالمعصية المستهجنة، يقول بعض أهل العلم: أي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مضرة؟ وهذا يبين غباء الحاسد وقبح فعله، ثم إن الحاسد لا يغير من قضاء الله -سبحانه وتعالى- شيئا، ولا ينفع، ولا يضر، قال عز وجل: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} وقال عز وجل: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} وقال -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنهما-: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

5- الحسد يضر صاحبه؛ لأنه ساخط على قدر الله بقصد أو بدون قصد، لأنه تسخط على قضاء الله وقدره، وهذا عمى في بصر الإيمان، ويكفيه جرما أنه شارك إبليس في الحسد، وقد قيل : الحاسد عدو نفسه، وصديق عدوه؛ لأن إبليس يحب زوال النعم عن العباد، ويحب وقوع البلايا فيهم، وقد قال بعضهم:

دع الحسود وما يلقاه من كمد يكفيك منه لهيب النار في جسده
إن لمت ذا حسد نفست كربته وإن سـكـت فـقـد عـذبـتـه بـيـده

6- النظر بعين البصيرة إلى حقيقة الدنيا، من الأمور الهامة التي تعينك على تجاوز هذه المرحلة، النظر إلى حقيقة الدنيا التي لا تزن جناح بعوضة، قال -صلى الله عليه وسلم- :(لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء)، فالدنيا هموم وغموم، وأتراح وأحزان، حلالها فيه حساب، وحرامها فيه عذاب، فأي فضل لمن كانت هذه حالتها؟!

7- من المعينات على العلاج: الإيمان والرضا بالقضاء، فقد قال الله عز وجل: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا}، وقال: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}، فلله حكمة في كل ما يفعله جل شأنه، ولا يملك العبد إلا الصبر، كما قال بعض العلماء: (ما لي على مر القضا من حيلة غير الرضا، أنا في الهوى عبد وما للعبد أن يعترضا).

8- الدعاء لمن أردت حسده بالبركة، من أهم ما ينبغي أن تراعيه، أن تبركي إذا رأيت خيرا على أحد بأن تقولي: (اللهم بارك فيه ولا تضره)، كما ثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

نسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات