السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
البارحة كان أبي في العمل، وذهبت أمي عند صديقتها؛ لكي لا تسمع إزعاج البناء قربنا -والذي يؤلمها في رأسها كثيرا- وتركتني مع إخوتي الأصغر مني؛ ثلاث فتيات وولد صغير، وذهبت أنا وأختي هناء التي تبلغ من العمر 12 سنة لشراء وجبة الغداء من المطعم الذي قربنا، ثم عدنا بسلام للبيت، وبعد ذلك نمنا.
بعد استيقاظي بفترة وجلوسي مع إخوتي؛ سمعت أختي الصغرى تبكي وتصرخ في وجه هناء، ورغم ذلك لم أفعل شيئا، لكن عندما سمعت أخي يبكي -لأنها أبعدت عنه الطعام-؛ ضربتها ضربا خفيفا، ثم بدأت تصرخ في وجهي، وبعد قليل اتصلنا بأمي، لكن أختي هناء قالت لها في الهاتف أني أبرحتها ضربا، وبدأت أمي تصرخ وتؤنبني أمام صديقتها؛ فشعرت بالظلم كثيرا، وقلت لأختي: بما أنك قلت لأمي أني قد أبرحتك ضربا، فالآن سأبرحك ضربا، ثم أمسكتها من رأسها لأضربها على السرير، لكن رأسها اصطدم بالخشب في حافة السرير، وفجأة بدأ الدم ينهمر من جبهتها كثيرا، وغطى وجهها وملابسها بالكامل، ثم بدأنا نصرخ، ونبكي، ونغسل لها وجهها، ثم وضعت عليه العسل.
لقد صدمنا عندما رأينا التمزق في جبهتها، فقد تمزق اللحم بالكامل، ولم نعد نرى سوى العظم، ومن حسن حظنا أن خالتي تقطن بحي قريب منا بعض الشيء؛ لذا ذهبت أختاي عندها، ثم أتت هي وزوجها، وأخذاها لمصحة خصوصية، واتصلنا بأمي التي أتت مرعوبة وساخطة علي، ثم ذهبت مباشرة للمصحة، حيث قالت أختي للكل: أني من فعلت بها هذا -ما عدا الطبيب الذي كان يريد أن يفعل محضرا للفاعل بسبب كبر الجرح وخطورته؛ حيث إنه قد خاطه لها من الداخل والخارج-.
وعند عودتها بدأت أقبل رأسها ورجليها؛ لكي تسامحني، ولقد قالت لي: إني سامحتك. لكن المشكل الأكبر هو أن أمي لم تسامحني، وترفض التكلم معي لحد الآن، وتريدني أن أغادر المنزل، ولحد الآن لم أسجل في المدرسة، وأبي لا يعلم أني من ضربتها، ويظن أنها سقطت، وأنا أظن أن كل هذا من سخط الله سبحانه وتعالى بسبب قولي على الله ما لا أعلم.
لقد بدأت أعاني كثيرا في حياتي، وأشعر أن المستقبل أصعب؛ لذا كيف أكفر عن ذنبي، وأنسي الناس ما قد حصل؟ وأغير ما بنفسي بعد كل ما فعلت؟ رغم أني عندما أفكر في التقرب من الله سبحانه وتعالى؛ أحس أني لا أقدر، أو لا أريد الخروج من هذا النمط.
أرجوكم أعينوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ صفاء حفظها الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يكثر من أمثالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يصلح ما بينك وبين أسرتك، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فأنا أحب أن أبين لك أني معجب بك وبترتيبك لأفكارك وبسردك للمشكلة سردا رائعا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الله قد منحك عقلا كبيرا واعيا، وأن لك -بإذن الله تعالى- مستقبلا باهرا إذا أحسنت استغلال هذه النعمة التي أنعم الله بها عليك، ألا وهي نعمة العقل.
وأما عن الذي حدث بينك وبين أختك؛ فهذا قضاء الله وقدره، وهذا من باب الخطأ المعفو عنه، خاصة وأنك ما زلت صغيرة، وأن التصرف كان عبارة عن تصرف صبية صغار لم تقصدي فيه إلحاق الضرر بأختك، وإنما هذا رد فعل طبعي يحدث عادة في البيوت ما بين الأقران وما بين الأطفال الصغار، وأنت أكبر واحدة في أخواتك، ولكنك لم تتجاوزي الخمسة عشر عاما، فأيضا ما زلت صغيرة كذلك، ولذلك أتمنى ألا تضغطي على نفسك، وأن تعلمي أن هذا من الذنوب التي يغفرها الله تبارك وتعالى، ويتجاوز عنها؛ لعدم القصد والإرادة في إلحاق الضرر بأختك، وهذا من باب قوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}.
فإذا هذه من الأشياء المعفو عنها التي يعفو الله تبارك وتعالى عنها؛ فلا تشغلي بها.
وأما عن الخلاف الذي بينك وبين أسرتك أو والدتك -على وجه الخصوص- وأنها لا تكلمك وتطلب منك الخروج من المنزل؛ فهذه عبارة عن ردود أفعال لهذا الأمر الذي حدث؛ لأن الأمر كان مزعجا -كما ذكرت في رسالتك- وبما أن والدتك رأت بعينها هذا الأمر وأصابها من الهلع ما أصابها فقالت هذا الكلام كنوع من رد الفعل، ولكن ليس حقيقة؛ لأنه لا توجد أم عاقلة في الدنيا تطلب من ابنتها أن تغادر البيت، لأنها لو سألناها سؤالا: إلى أين ستذهب ابنتك بعد أن تخرج من البيت؟ هل ستذهب إلى الشارع وإلى المجهول؟ أعتقد أنها لن تقصد مطلقا أنك تخرجين ولا تعودين إلى البيت، وإنما لعلها أرادت أن تخرجي إلى أحد الأقارب، أو تخرجي بعيدة عن عينها؛ نتيجة غضبها الشديد لما حدث، ولذلك الأمور سوف تمر -بإذن الله تعالى- سهلة ميسورة، وينبغي ألا تشقي على نفسك، وإنما عليك أن تستغفري الله تبارك وتعالى، وأن تجتهدي في طاعته سبحانه وتعالى، وفي إرضاء أمك.
إذا كانت هي لا ترضى هذه الأيام؛ فهي عن قريب سوف ترضى، ومسألة الدراسة أيضا مسألة وقت، وأعتقد أن أسرتك لن تفرط فيك، فلا تشغلي بالك كثيرا بهذا الأمر، وبإذن الله تعالى سوف يمن الله تبارك وتعالى عليك وعلى أسرتك بالاستقرار ونسيان هذا الأمر؛ لأن هذا الأمر طبيعي جدا يحدث في معظم البيوت بين الأطفال الصغار، ويتم تجاوزه، حتى إن صاحبة الشأن أيضا ستنساه، وهي كلها فترة معدودة من الزمن وسوف يتم نسيان هذا الأمر تماما، ولكن المهم أنك تحرصي في المستقبل ألا تتجاوزي حدك، وألا تحاولي أن تتصرفي تصرفات تلحق الضرر بك وتشوه صورتك بين أهلك وأسرتك.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق -يا بنيتي- وأن يبارك فيك، وأن يعينك على الالتحاق بالدراسة؛ لتكوني إنسانة رائعة قادرة على خدمة دينك، وأن يصلح ما بينك وبين والدتك وأخواتك، إنه جواد كريم.
هذا، وبالله التوفيق.