السؤال
أنا فتاة عمري (24) كنت أدرس بالجامعة، وخلال فترة الجامعة عانيت جدا من مواد الهندسة، وكنت أبكي جدا بسببها، ولا أنام الليالي من الواجبات والامتحانات طيلة حياتي الجامعية، وتأخرت سنة كاملة في التخرج عن دفعتي، وما إن تخرجت حتى أصبت بمشكلة أخرى؛ حيث أصبحت أكره الخروج من المنزل، وعلى عكس الناس فأنا لا أضجر أبدا من البقاء في المنزل طويلا، بل كلما دعاني أحد للخروج من المنزل؛ أصابني ضيق شديد واكتئاب، وإذا خرجت لا أشعر بأي متعة، ولا أحب التحدث مع أحد بتاتا؛ لأني عندها أشعر بثقل على صدري.
أحب البقاء في غرفتي وحدي، وعلى سريري، ولا أحب الجلوس مع عائلتي، وأشعر بالراحة في العزلة، وكلما تحدثوا معي عن الوظيفة؛ أصاب بضيق لا يوصف فأتمنى عندها العودة للطفولة؛ لأن الوظيفة مسؤولية كبيرة, والطفولة وجمالها لا توصف، من لعب، ولهو، ونوم، وأكل، فلا هم، ولا غم، وكل شيء يأتي لي دون عناء مني أو تعب أو مسؤولية!.
أيضا أصاب بعقدة شديدة من موضوع الزواج كلما ذكر لي؛ لأن فيه مسؤولية من طبخ، وعناية كاملة بالمنزل، والاستيقاظ باكرا، وغيرها من المسؤوليات، هذا عدا العلاقات الاجتماعية في الزواج، والزيارات، والمجاملات.
أصبح كل تفكيري محصورا في الماضي فقط -أي الطفولة- وأكره أن أعيش الحاضر والمستقبل، وإذا شاهدت على النت أشاهد مسلسلات تابعتها في الطفولة، وكذلك الكرتون والأناشيد والألعاب، وكل شيء أحبه جدا كان مع الطفولة.
هل أنا مصابة بمرض نفسي خطير؟ وكلما تحدثت مع أمي؛ لا تستجيب لي، وترد علي وكأن المشاكل النفسية عار، وكأن كل شخص لديه مشاكل نفسية يكون مجنونا!، علما أني ملتزمة بالصلاة وخاصة الفجر، وأقرأ القرآن، لكن حتى الصلاة فقدت لذتها، فهل فقداني لها غضب من الله تعالى -والعياذ بالله-؟ وأصبحت أقول للشخص الميت: هنيئا له، ليتني مكانه؛ فقد اجتاز مسؤوليات الحياة.
أرجوكم ساعدوني، فأنا في ضيق شديد بسبب كل هذا، أرجوكم أخرجوني من هذه الدوامة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لارا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات الشبكة الإسلامية، ونتمنى لك دوام الصحة والعافية.
الأخت الكريمة:
أولا: نهنئك على إكمال دراستك بنجاح، والحمد لله أنك وصلت هذه المرحلة التي يحلم بها كثير من الفتيات دون سنك، وهذه المرحلة هي مرحلة الإعداد للمستقبل؛ حيث التفكير في العمل، والحصول على الوظيفة المناسبة، ثم التفكير في اختيار الزوج المناسب، والزواج، وتكوين الأسرة، والسعي لتحقيق الأهداف والطموحات، وما إلى ذلك من الخطط المستقبلية.
والآن -الحمد لله- أصبحت مؤهلة للقيام بوظيفتك، وتأدية دورك على الوجه المطلوب في هذه الحياة، وكما تعلمين أن من وظائف الإنسان الأساسية في هذه الحياة هي عبادة الله تعالى، وتعمير الأرض بكل ما هو متاح وممكن لإسعاد نفسه، وإسعاد من حوله من الناس، فانظري إلى تحمل المسؤولية سواء كانت مهنية أو اجتماعية بأنها عبادة تثابين عليها؛ إذا أديتها بحسن نية وبإخلاص، وسيشعرك ذلك -إن شاء الله- بالسعادة والراحة ليس بما تتوقعينه.
ثانيا: ليس هناك شخص ولد متعلما أو متدربا يجيد صنعته من أول وهلة، وإنما بالتعلم والتدريب كل مجال من مجالات الحياة سواء في الحياة العملية، أو التربية، أو العلاقات الاجتماعية، يتقن الشخص مهنته، ويستفيد من أخطائه، وكل يوم يكتشف الجديد من المهارات وينميها، وهكذا الإنسان في حالة تعلم باستمرار. وفي المقابل الذي يحجم عن تحمل المسؤولية، ويكف عن خوض التجارب بسبب الخوف؛ يظل كما هو، ولا يتقدم، ولا يتطور، ويكون عرضة لزيادة المشاكل والنكوص إلى الوراء، والتمتع بتجارب وخبرات الماضي التي ولت ولم تعد، فلكل مرحلة متطلبات وحقوق وواجبات إذا لم تؤد كما ينبغي؛ يعيش الشخص متخلفا عن أقرانه، غير متوافق مع ظروف عصره.
ثالثا: أبعدي -أختي الكريمة- الأفكار التشاؤمية، وانظري للحياة بوجه مشرق، وانسي الماضي، واستمتعي بالحاضر، وتطلعي إلى المستقبل بروح التفاؤل، واستعيني بالله تعالى؛ فإنه نعم المولى ونعم النصير، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، واعلمي أن الحي أفضل من الميت؛ لأن فرصه في العبادة، وفي زيادة الأجر ما زالت موجودة.
رابعا: خوفك من موضوع الزواج ربما لا يكون له مبرر موضوعي، إنما هو توقعات كاذبة؛ لذلك لا تكترثي لها، بل فكري في الزواج على أنه إكمال لنصف الدين، وأنه مصدر للسعادة والمودة والرحمة، وسبب في الذرية الصالحة -إن شاء الله-، فهو أمر شرعي وسنة تعفين بها نفسك، وتصبحين بعده شخصية لها وزنها في المجتمع، ولديك مهام ووظائف اجتماعية وأسرية تؤدينها كأي زوجة وكأي أم.
نسأل الله تعالى لك التوفيق فيما يحبه ويرضاه.