السؤال
السلام عليكم
لقد نشأت في طفولة لم تأخذ حقها من الدلال، وكان أبي يعاملني غير ما يعامل إخواني، حتى كنت أتخيل أحيانا أني لست ابنه، وأنهم وجدوني فقط وتبنوني!
لم تقتصر المعاملة على أبي، فقد كان إخواني أغلب الأوقات يسخرون مني، بل بعض من كان يزورونا يسخرون إما بعبارات السخرية، مثل: يا سمين، يا غبي، يا كسول، يا الذي ما تفهم وغيرها.
أصبحت أميل إلى العزلة عن المجتمع، ولا يعجبني مخالطة الآخرين، وعندما أصبحت بعمر 13 سنة اتجهت إلى العمل، وكنت أدرس في نفس الوقت، كانت علومي متدنية، حتى وصلت إلى الثانوية وتركت الدراسة، ودخلت في أعمال كثيرة، ولم أفلح!
كنت إما أن أترك العمل قبل أن ينجز أو لا أستطيع إكماله، وإخواني الذين أكبر مني كونوا مستقبلهم وتزوجوا، وأخي الذي أصغر مني كذلك خطب وعلى وشك الزواج.
أما أنا فأصبحت شخصيتي منهارة، وأصبحت أحب حياة الطفولة، خصوصا البنات الصغيرات منهن، وأحب أناشيد الطفولة، ولا أريد أن أحدا يخبرني أني أصبحت في 27 سنة، ولا أثق بنفسي في أي عمل يوكل إلي.
أحب أن أستيقظ يوما وأجد نفسي أقلد البنات وخصوصا الصغيرات منهن، مثل حب اللون الوردي، وحب المسلسلات، وحب ألعاب البنات الصغيرات، وحب تقليدهن.
لدي أفكار غريبة، مثل أني أستغرب أن الأرض معلقة، وأحس أن أحدا يتربص بي، ولا أحس بالأمان، وتهجم علي أحيانا أفكار عن كيف يموت الإنسان؟ ولماذا يموت؟ وأستغرب من كلمة موت، أحس أنها مرعبة، وكيف سننتقل إلى الآخرة؟ رغم إيماني بذلك إلا أني أحيانا أستغرب جدا لذلك، ولا أدري لماذا تهجم علي هذه الأفكار.
أما مستقبلي فلم يعد له أي ملمح، بل أصبح مظلما، فواقعي أني أعيش حياة الطفولة، حتى أطلق علي بعضهم اسما طفوليا.
كل يوم يمر علي أحس أن حياتي تنتهي دون أي معنى، بل وعند زواج أخي الذي أصغر مني أظن أنها آخر مسمار سيدق في شخصيتي المتهالكة.
أحس دائما أني أعيش خارج إطار هذه الدنيا، وكذلك أنا هادئ لا أحب أن أواجه مشاكلي، بل أهرب منها، أميل إلى التنازل دائما، ولا أعرف كيف أخطط وأصلح من أموري، وأخاف أن تضيع حياتي بلا معنى.
كيف أبني ثقتي بنفسي، وأقوي شخصيتي، وأبني مستقبلي وأكون شخصا ناجحا في الحياة له قيمته، ولأواجه مشكلاتي دون خوف، فكيف أبدأ بإصلاح شخصيتي؟
أرجو أن يكون الجواب بتفصيل.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الإنسان يستطيع أن يبني شخصيته وحياته بصورة إيجابية من خلال تغيير مفاهيمه حول ذاته.
أيها الفاضل الكريم: من خلال رسالتك من الواضح أنك مشبع بفكر سلبي حول نفسك، حول نشأتك، تربيتك، معاملة إخوتك لك.
هذا التشبع الفكري السلبي أعتقد أنه معيق جدا لك، فالمفاهيم يجب أن تتغير، المفاهيم يجب أن تتبدل، واعلم أن الله تعالى قد حباك بالطاقات الداخلية التي يمكن أن تغير نفسك من خلالها، {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
ما ذكرته حول تنشئتك وتربيتك: أنا طبعا أقدر كل ما ذكرته أنت، لكن أعتقد أن هناك مبالغة في أحاسيسك، وهنالك تضخيم لبعض السلبيات التي قد يكون تعرض لها الكثير من الناس، مثلا أنت ذكرت أن طفولتك لم تأخذ حقها من الدلال! ومن قال إن الدلال مطلوب تربويا؟ لا أبدا! هو من أخطر الوسائل التربوية المعروفة.
أيها الفاضل الكريم: يجب أن نعلم وندرك أن الآباء والأمهات يريدون الخير لأبنائهم، ليس هناك أب أو أم يقع في أخطاء تربوية خاصة ومتعمدة، لا، بل حبهم الجبلي منهما لأبنائهما يحتم عليهم السعي لأن تكون تربيتهم لأبنائهم سليمة.
هذا أمر لا خلاف حوله، لكن قد تقع مخاشنات في التربية، قد تقع أخطاء في التربية، وحتى إن وقعت أخطاء أنا أعتقد أنها نوع من المهارة، حتى وإن كانت مهارة سلبية، يمكن للإنسان أن يستفيد منها مستقبلا، ودائما نحن نقول: إن الماضي قد انتهى، وإن الماضي لا أسى عليه أبدا.
لا أريدك أن تعيش هذه المرحلة واقعك الآن، هي مرحلة انتهت، وأنت - الحمد لله تعالى - في مصاف الرجولة، ولك الإمكانات العقلية، ولك الإمكانات الفكرية، كل المطلوب منك هو: النظرة الإيجابية لنفسك، التقييم الإيجابي لنفسك، أن تجعل لحياتك هدفا، الحياة بدون هدف لا تساعد الإنسان على بناء نفسه أبدا، أو تكميل شخصيته.
يجب أن تكون لك أهداف قصيرة الأمد، أهداف متوسطة الأمد، أهداف بعيدة الأمد.
أتاني أحد المرضى اليوم، لديه تقريبا مشكلة نفسية مثل مشكلتك، وحين ناقشت معه الأهداف الحياتية وجدته أنه لا أهداف له، حين ذكرت له أنه يجب أن يكون لك هدف قصير الأمد - وأقصد بقصير الأمد أنه يجب أن ينجز خلال أربع وعشرين ساعة - استغرب لهذا الكلام، نعم الأهداف تبدأ هكذا، وحين أعطيته مثالا لأن يذهب ويزور مريضا اليوم، هذا هدف، هدف عظيم جدا، ثم تأتي الأهداف متوسطة المدى، وهي التي يجب أن ينجزها الإنسان في خلال ستة أشهر، ثم الأهداف بعيدة المدى، وهي معروفة تماما.
اجعل لحياتك هدفا، وأعتقد أن هذا يساعدك على التطور.
عليك بالرفقة الطيبة الصالحة، الإنسان يأخذ من أخلائه، يأخذ طبائعهم، يأخذ التزامهم، يأخذ كل ما هو جيد عنهم، فكن متخيرا لصداقاتك، وهذا -إن شاء الله تعالى- فيه دعم عظيم لك.
بر الوالدين: من خلال بحثي وتجاربي اتضح لي أن بر الوالدين من أعظم مكونات بناء الشخصية على أسس إيجابية، فاحرص على ذلك، وهذه هي الأسس التي تستعيد من خلالها شخصيتك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.