السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا سيدة متزوجة ولدي ولد وبنت، وزوجي ملتزم في صلاته، ويحفظ القرآن، وأنا أصلي فروضي، وأشغل سورة البقرة ليلا، رأيت في منامي أنني أخذت أطفالي لكي يلعبوا خارج المنزل، فرأيت شيطانا في الشقة، بوجه أسود مخيف وعيون متوحشة، وكنت أعلم في المنام أنه شيطان، فأخذت أستعيذ بالله منه وأقرأ آية الكرسي، ولم أخش منه سوى على أولادي، خوفا أن يؤذيهم، فخرجت بهم من الشقة، وأخذت أنادي زوجي لكي يصعد معي إلى الشقة لكي يطرد ذلك الشيطان، ولكنه اختفى، وكنت أشعر بوجوده.
ظهر الشيطان أمام زوجي ورآه ثم اختفى مرة أخرى، فجلسنا في الصالة، وأخذ زوجي يقرأ القرآن، وأنا كنت أكتب آية الكرسي بالدم على لوح أبيض، وأثناء كتابتي لها خرج الشيطان من الغرفة متجسدا بصورة طفل لا أعرفه، ويمسك في يده قلما مكسورا وعليه دم، فشعرت بالخوف على ابنتي أن يكون قد أذاها، فدخلت عليها الغرفة جريا، فوجدتها تجلس على السرير، وتشير لي على رقبتها بصمت، وكانت رقبتها مفتوحة وتنزف دما، فأمسكت بها وعملت على سد الجرح بيدي، فأخذت أنادي على والدها لكي يسعفنا، ولكنا لم تتأثر ولم تمت.
أرجو تفسير المنام جزيتم خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Thnaa حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
خيرا -أختي الكريمة-، -إن شاء الله- تسلمين من الأذى أنت وأولادك.
إن من أغراض الشيطان أن يدخل الحزن على المؤمنين، قال تعالى: "إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون"، قال عطية العوفي هي الأحلام التي يراها الإنسان في نومه فتحزنه، الهداية إلى بلوغ النهاية (11/ 7364).
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الرؤيا ثلاث: فرؤيا الحق، ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤياك هذه -أختي الكريمة- من تحزين الشيطان، فلا تهتمي بها وعليك بالآداب التي علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إياها عندما نرى ما نكره، وأذكرها لك وأذكر بعض حكمها:
أولا : أن يتعوذ بالله من شرها، وحكمة ذلك: فأما الاستعاذة بالله من شرها فواضح، وهي مشروعة عند كل أمر يكره، وورد في صفة التعوذ من شر الرؤيا أثرا صحيحا أخرجه سعيد بن منصور، وبن أبي شيبة، وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال: (إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل: إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني فيها ما أكره في ديني ودنياي).
ثانيا: أن يتعوذ بالله من شر الشيطان، وحكمة ذلك: فلما وقع في بعض طرق الحديث أنها منه، وأنه يخيل بها لقصد تحزين الآدمي والتهويل عليه.
ثالثا: أن يتفل حين يهب من نومه عن يساره ثلاثا، وحكمة ذلك: قال الحافظ: قال عياض أمر به طردا للشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة تحقيرا له، واستقذارا، وخصت به اليسار؛ لأنها محل الأقذار ونحوها، قلت: والتثليث للتأكيد، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: فيه إشارة إلى أنه في مقام الرقية ليتقرر عند النفس دفعه عنها، وعبر في بعض الروايات بالبصاق إشارة إلى استقذاره، وقد ورد بثلاثة ألفاظ: التفث والتفل والبصق، قال عياض: وفائدة التفل التبرك بتلك الرطوبة والهواء، والنفث المباشر للرقية المقارن للذكر الحسن، كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر والأسماء.
رابعا: أن لا يذكرها لأحد أصلا، وحكمة ذلك: أنه ربما فسرها تفسيرا مكروها على ظاهرها، مع احتمال أن تكون محبوبة في الباطن فتقع على ما فسر.
خامسا: أن يقوم فيصلي، وحكمة ذلك: فلما فيها من التوجه إلى الله، واللجوء إليه، ولأن في التحرم بها عصمة من الأسواء، وبها تكمل الرغبة، وتصح الطلبة لقرب المصلي من ربه عند سجوده.
سادسا: أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه، وحكمة ذلك: فللتفاؤل بتحول تلك الحال التي كان عليها، قال القرطبي في المفهم: الصلاة تجمع ذلك كله، لأنه إذا قام فصلى تحول عن جنبه، وبصق ونفث عند المضمضة في الوضوء، واستعاذ قبل القراءة، ثم دعا الله في أقرب الأحوال إليه، فيكفيه الله شرها بمنه وكرمه، وورد في الاستعاذة من التهويل في المنام، ما أخرجه مالك قال: بلغني أن خالد بن الوليد قال يا رسول الله: إني أروع في المنام فقال: قل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر غضبه وعذابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، فتح الباري لابن حجر بتصرف (12/270و 371).
وهذه رؤيا عجيبة توضح لك ما ذكرت، روى الحافظ ابن عساكر عن الزهري قال: أصاب أهل المدينة جهد شديد، فارتحلت إلى دمشق، وكان عندي عيال كثيرة، فجئت جامعها، فجلست في أعظم حلقة، فإذا رجل قد خرج من عند أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فقال: إنه قد نزل بأمير المؤمنين مسألة، وكان قد سمع من سعيد بن المسيب فيها شيئا - وقد شذ عنه - في أمهات الأولاد يرويه عن عمر بن الخطاب. فقلت: إني أحفظ عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب فأخذني فأدخلني على عبد الملك، فسألني: ممن أنت؟ فانتسبت له، وذكرت له حاجتي وعيالي، فسألني: هل تحفظ القرآن؟ قلت: نعم، والفرائض والسنن، فسألني عن ذلك كله فأجبته، فقضى ديني، وأمر لي بجائزة، وقال لي: اطلب العلم، فإني أرى لك عينا حافظة وقلبا ذكيا، قال: فرجعت إلى المدينة أطلب العلم وأتتبعه.
فبلغني أن امرأة بقباء رأت رؤيا عجيبة، فأتيتها فسألتها عن ذلك، فقالت: إن بعلي مات وترك لنا خادما وداجنا ونخيلات ; نشرب من لبنها، ونأكل من ثمرها، فبينما أنا بين النائمة واليقظى رأيت كأن ابني الكبير -وكان مشتدا- قد أقبل، فأخذ الشفرة، فذبح ولد الداجن، وقال: إن هذا يضيق علينا اللبن، تم نصب القدر، وقطعه ووضعه فيه، ثم أخذ الشفرة فذبح بها أخاه -وأخوه صغير كما قد جاء- ثم استيقظت مذعورة، فدخل ولدي الكبير فقال: أين اللبن؟ فقلت: شربه ولد الداجن، فقال: إنه قد ضيق علينا اللبن، ثم أخذ الشفرة فذبحه وقطعه في القدر، فبقيت مشفقة خائفة مما رأيت، فأخذت ولدي الصغير فغيبته في بعض بيوت الجيران، ثم أقبلت إلى المنزل وأنا مشفقة جدا مما رأيت، فأخذتني عيني فنمت، فرأيت في المنام قائلا يقول: ما لك مغتمة؟ فقلت: إني رأيت مناما، فأنا أحذر منه، فقال: يا رؤيا، يا رؤيا، فأقبلت امرأة حسناء جميلة، فقال: ما أردت إلى هذه المرأة الصالحة؟ قالت: ما أردت إلا خيرا، ثم قال: يا أحلام، يا أحلام. فأقبلت امرأة دونها في الحسن والجمال، فقال: ما أردت إلى هذه المرأة الصالحة؟ فقالت: ما أردت إلا خيرا.
ثم قال: يا أضغاث، يا أضغاث، فأقبلت امرأة سوداء شعثة، فقال: ما أردت إلى هذه المرأة الصالحة؟ فقالت: إنها امرأة صالحة، فأحببت أن أغمها ساعة، ثم استيقظت، فجاء ابني فوضع الطعام، وقال: أين أخي؟ فقلت له: درج إلى بيوت الجيران، فذهب وراءه، فكأنما هدي إليه، فأقبل به يقبله، ثم وضعه وجلسنا جميعا، فأكلنا من ذلك الطعام. البداية والنهاية ط هجر (13/ 132).