أعاني من صداع قاتل أفسد علي شعوري بالاستقرار والراحة والطمأنينة، فكيف أتخلص منه؟

0 202

السؤال

السلام عليكم.

متزوجة أبلغ من العمر 30 عاما، لم أشعر بالسعادة خلال مراحل حياتي أبدا، عانيت في طفولتي من معاملة أبي القاسية، والضرب على أتفه الأمور، وهدوء أمي الفائق الذي كان دائما يصيبني بالقهر والاحتقان، ونشأت في عائلة مفككة، فأبي متزوج بأخرى عدا أمي، والتي كانت لئيمة جدا في تصرفاتها، وقاسية، وذات قلب بارد، وجميع بناتها وأولادها يشبهونها.

أبي لم يكن عادلا أبدا بيننا وبينهم، ولدي إخوة وأخوات، وكنت أكبرهم، فيما كانت أمي تعاني من كثرة النوم والتهرب والصمت، كانت مهنتي أن أقوم على تربيتهم منذ أن كنت في عمر 8 سنوات، فقد كنت مسئولة عنهم، وكان لدي أخ يصغرني بسن يعتبر سندي في حياتي، ومحور اهتمامي، لكن تفريق أبي بين البنت والولد جعلت مني خادمة، ومن أخي متبلد المشاعر، يجوب الشوارع بلا هدف، وكان لدي أخت تصغرني بثلاث سنوات جدا متسلطة علي، ومحبوبة جدا لدي أبي، فهي النسخة طبق الأصل عنه، تحب الكذب، ودائمة البكاء، ومتملقة، تريد دوما الحصول على كل شيء ولو كان على حساب تدميري، وكان لدي ثلاث أخوات يصغرنني بثمان سنوات هن سندي ومستقبلي وأملي، ومقربات جدا مني، ويعتبرنني الأم الثانية لهن، أحسنت معاملتهن، وربيتهن تربية جميلة في غياب دور أمي وراء حل مشاكلها مع ضرتها ومع أبي.

عموما لم يستمر هذا الحال كثيرا، فقد مرت تلك السنوات المظلمة حتى بلغت 22 من عمري، وكنت بحسرة أحاول أن أكمل تعليمي الجامعي، كما أصيبت أمي بمرض جعلها مقعدة ومريضة لمدة سنة في المستشفى، فتركت تعليمي وأصبحت أسعى على العناية بأمي الغالية، ولكن لم نلبث حتى تكشف الغطاء، وبدأ الشتات، وتنكر والدي لأمي، وتركنا نعاني لوحدنا، بيد أن ابنته المدللة كانت هي المستفيدة.

أخي أصبح سندي، وقمنا على إعالة أمي وإخوتي الصغار، ولمدة 7 سنوات كنت خادمة وممرضة، دائما يضربني ولا يصرف علينا، وعشنا أياما سوداء غبراء، تمنيت حينها الموت، وحاولت ابتلاع الحبوب، ولم أستطع، كنت لا أنام إلا ساعات قليلة، يتخللها الجاثوم، تعيسة محطمة، أصبحت المحامي في المنزل، وكان جزائي الضرب والتسلط علي، لدرجة أنني كنت أطبخ ذات يوم فدخل علي يضحك، وينعتني بالفاشلة، وأن ابنته المدللة سوف تصبح جامعية، وتتزوج برجل جامعي مثلها، بكيت كثيرا، وأصبت بعرق النسا في رجلي، وعانيت كثيرا من الصداع.

بعد ذلك من الله -الرزاق الذي يرزق بغير حساب سبحانه- علي بزوج قلبه أحن من الأم على ولدها، ساندني، ووقف معي، واهتم بي كثيرا. وأخي توظف، وأصبح العائل بشكل رسمي لوالداتي وإخوتي، ومع ذلك ذهبت إلى منزلي تعيسة موجوعة أبكي على ما رأيته ومر علي في حياتي، ويتقطع قلبي أشلاء على أخواتي المظلومات، فوالدي يضربهن ولا يصرف عليهن، وذهب لمعالج نفسي، وأعطاني انتابرو لمدة سنة كاملة، ولما حملت أوقفته، ولكنني عندما وضعت أصيب أخي الحبيب بالمرض الخبيث، وعانيت من وجعه 6 أشهر، وتوفي بين يدي، في عينيه ألم ومرارة، وقتها شعرت بأن نصفي الثاني قد مات معه، وتكرر انتباهي لأمي وإخواني، أعيش بمرارة الآن بعد وفاته، فقد تسلط أبي، وطلق والدتي، وبدأ يضرب هو وأولاده، لدرجة أننا أسعفنا للمستشفى، ورفعنا على والدنا قضية ضرب، وقد ساندونا في الحماية الاجتماعية، بعد ذلك قام بطرد والدتي وإخوتي من المنزل، والآن مضى علينا 6 أشهر ننام في أمان –ولله الحمد-.

لكنني أصبحت مريضة بصداع شبه دائم، صنفه المعالج بأنه اكتئاب وقلق صداع حاد مزمن، وصرف لي دواء سبرالكس 20، وريزال 50، واستمريت 3 أشهر عليه، وأصبحت شهيتي تزداد، فأوقفته، واستبدلته بدواء برستيك، أخذت منه حبتين فقط، واكتشفت بأنني حامل، فقطعت جميع أدويتي.

أرجو مساعدتي، فأنا بحاجة ماسة لأن أعيش بسعادة واتزان لا يشوبه صداع قاتل، مع العلم أنه عند استخدام الدواء يختفي الصداع، وأصبح إيجابية، وأنام براحة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في موقعك، ونشكر لك التضحيات الكبيرة، والمشاعر النبيلة، ونشكر لك وضوح السؤال، ونبشرك بأن الله سوف يحسن الأحوال، ونسأله سبحانه أن يشفيك ويحقق لك وبك الآمال، وأن يقر عينك بشفاء والدتك وبفلاح إخوانك الأطفال.

لقد قرأت بفخر وإعجاب رسالتك، ورحم الله شقيقك، ونتمنى ألا تقفي طويلا أمام الماضي، ولكن انظري إلى المستقبل، وأملي بما يسرك، واعلمي أن في الحياة عقبات وصعوبات، لكن الأصعب منها والأخطر هو حمل الهموم، وإطالة مساحات الأحزان، والبكاء على اللبن المسكوب لا يفيد، وتعوذي بالله من شيطان همه أن يحزن أهل الإيمان، ونبشرك بأن كيده ضعيف، وأنه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون.

واجتهدي في شكر الله الذي أعطاك القدرة على العطاء، ورزقك بزوج يسعدك، وقبل ذلك بأخ كانت له أدوار كبيرة معك، ونبشرك بأن منن الوهاب سوف تتابع فقيديها بالشكر، فالشكر حافظ للنعم، وجالب بفضل الله للمزيد.

أما بالنسبة للعلاج المستخدم:
فسوف تستفيدين من توجيهات طبيبنا ومستشارنا الكبير الدكتور/ محمد، ونحن لا ننصح أي مريض بالتصرف في موضوع الأدوية إلا بعد استشارة طبيب متخصص.

ونؤكد أن دور المريض كبير في مساعدة نفسه، فأكثري من اللجوء إلى الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه، واحرصي على طاعته وحسن عبادته، وتوكلي عليه، واستعيني به، وأكثري من الاستغفار ومن الصلاة والسلام على رسوله ليكفيك الله ما أهمك، ويغفر لك ذنبك، وأكثري من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز وذكر واستعانة، واعلمي أن الأيام دول، وأن معاناتكم لن تطول.

وأن الأب الذي قصر سيعود، ونتمنى أن لا يكون ذلك بعد فوات الأوان، وأن من أرادوا لكم غير الخير فلن يربحوا، فالمكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، ونذكر بأن الوالد سيظل والدك، فلا تقصري في الدعاء له بالهداية، وتذكري أنك مأجورة على ذلك، وأن تقصير الوالد لا يبيح لك التقصير، ويوم القيامة تجزى كل نفس بما تسعى، ومن يفعل الخير ويقصد بذلك وجه الله فسوف يجد ما يسره، أما من يفعل الشر فلا يلومن إلا نفسه.

وفقك الله، وسددك، وتولاك، وحفظك، ونكرر الترحيب بك، ونسعد بمتابعة موضوعكم، ونسأل الله أن يسهل أمرنا وأموركم.

+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد الفرجابي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

قرأت رسالتك بانتباه شديد، وقطعا فيها الكثير من المواقف التي تجعل الإنسان يتعظ ويتعلم دروسا في هذه الحياة.

أجابك الدكتور الشيخ/ أحمد الفرجابي – جزاه الله خيرا – بما يفيدك حقا، فأرجو أن تأخذي بما ورد في إجابته، وأنا من جانبي أقول لك:

إن الصعوبات، والمشاكل الأسرية والتربوية والاجتماعية التي مررت بها أمر مقدر ولا شك في ذلك، وأنا أرى أن مساهماتك الإيجابية ومجاهداتك كانت ممتازة في محاولة لم شمل الأسرة، والوقوف بموقف المنصف، فهذا كله فيه خير كثير، وكثير جدا لك، ومستوى مهاراتك واضح جدا من خلال رسالتك، وأعتقد أن هذه المهارة قد تم اكتسابها من خلال الخبرات السابقة، وحتى إن كان فيها سلبيات، وإن كان بها ضغوط كثيرة قد مورست عليك، فأعتقد أن ذلك قد قوى من شكيمتك، وجعل معدنك أكثر صلابة، وهذا هو جوهر الحياة وجوهر الأمر، وكل ما يحتاج له الإنسان هو الخبرة، الخبرة الصلبة، وليس من الضروري أن تكون الخبرات كلها سهلة وسعيدة وحسب ما يبتغي الإنسان.

مهاراتك واضحة جدا، فإذا لا تأسي على الماضي، واجتهدي في الحاضر، ولا تخافي من المستقبل.

أيتها الفاضلة الكريمة: الآن وهبك الله تعالى هذا الحمل، ويجب أن يكون توجهك كله نحو صحتك، وأن تحاولي إسعاد نفسك وزوجك وذريتك، وأن تنظري إلى المستقبل بأمل ورجاء كبير.

ليس هنالك إشكال كبير الآن غير موضوع الصداع، وهذا -إن شاء الله تعالى- بشيء من الترتيبات في نمط الحياة سوف يقل كثيرا أو حتى يختفي.

والنوم المبكر مهم جدا، وأقصد بذلك النوم الليلي، والتقليل من تناول الشاي والقهوة أيضا يقلل من الصداع، ومحاولة الاسترخاء دائما، والتعبير عن الذات هذا كله جيد، وكله مفيد جدا.

أما بالنسبة للعلاجات الدوائية:
فقطعا نحن في فترة الحمل لا ننصح باستعمال الأدوية، لكن لا نقول أن كل الأدوية ممنوعة، أو كل الأدوية خطيرة، فقط ينصح بعدم استعمالها أو التقليل منها، وإن كان ضرورة ولا بد من استعمالها فيكون هذا تحت الإشراف الطبي النفسي المباشر.

أعتقد أن عقار (تفرانيل Tofranil) والذي يعرف علميا باسم (امبرمين Imipramine) هو من الأدوية القديمة جدا، خذيه بجرعة صغيرة، وهي: خمسة وعشرين مليجراما، وسيكون جيدا بالنسبة لك، وسوف يقلل من الصداع ومن القلق، ويعطيك شيئا من الاسترخاء النفسي.

نعم أعرف أن الجرعة صغيرة، لكن أعتقد أنها كافية، وأريدك أن تستشيري طبيبتك أيضا، طبيبة النساء والولادة حين تذهبين من أجل الكشف الروتيني، اعرضي عليها الدواء، وأنا متأكد أنها لن تمانع في استعماله، وعليك بالمتابعة.

وجزاك الله خيرا، ونشكرك على التواصل مع استشارات إسلام ويب.

مواد ذات صلة

الاستشارات