السؤال
السلام عليكم
أسأل الله أن يجعلكم من أهل الجنة فأنتم تنفسون كروب الناس.
أنا شاب بعمر 25 سنة، هداني الله إلى الالتزام بشرعه، واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأسأل الله الثبات، وقبل الدخول في صلب الموضوع أريد أن أفصل تفصيلا دقيقا بما أشعر به حتى يتضح لكم الأمر.
أعاني من بعض الاضطرابات النفسية، كالخوف والضيق والحزن والكآبة الدائمة، والتي سببت في عدم راحتي، وكل هذه المخاوف كانت تصاحبني منذ الصغر، منذ كنت بعمر ست سنوات، كنت لا أطيق المكوث وحيدا في المنزل أو الذهاب إلى أماكن بعيدة خوف الضياع وعدم العودة، وكانت تراودني وساوس الأماكن المظلمة معتقدا بأن الجن تسيطر على هذه الأماكن، كما أخاف خوفا شديدا من النوم والعيش وحيدا بعيدا عن عائلتي.
علما أني أحب الأنس والانضمام للجماعة، وعندما أحاول أن أنام وحدي أو معزولا عن عائلتي أشعر بخوف شديد، وتعرق وتوتر دقات القلب، ونغزات في الساقين، والفخذين والكتف، كوخز الإبر، لا أدري هل هي عروق أو عصب يرفرف فضلا عن الخوف من الظلام والجن.
ما يشغل فكري إلى درجة أني لا أستطيع الدخول إلى المرحاض ليلا والأماكن المظلمة والتكلم فيها، وأصبحت أحرص على عدم فعل الأشياء التي تجعل الجن يمس الإنس، هذه المخاوف لا زالت تطاردني، ولم أجد لها حلا يدرأها عني، وأحيانا عندما يتكلم أحد عن الجن أو يحدثنا شيخ عن أفعال الجن والسحرة، بما فيها الحوارات بين الجن والرقاة أشعر مباشرة برعشة وتنميل في الرأس، وترعد وخوف وقيء ودوران وأكاد أن أسقط أرضا، ولا أستطيع النوم، وأفزع من أي صوت صادر.
كما أشعر بألم في عضلات الصدر من ناحية القلب، مع دقات قلب مؤلمة وثقل في كتفي الأيسر، وأحيانا أشعر بتوتر وقلق وخوف يعكر مزاجي، وإذا عزمت على فعل شيء ما كالذهاب لاقتناء أغراض من السوق أشعر بهم وغم إلى درجة أني أكره أن أقوم بذلك!
أصبح كل شيء يخيفني حتى ولو لم يستوجب الأمر خوفا منطقيا، حاولت تشخيص نفسي وتدريبها على ألا أخاف من أمور الجن والظلام لكني لم أنجح في ذلك، وأحيانا بمجرد تقلب الجو أشعر بضيق وخوف.
صرت بعمر 25 سنة، وما زالت تطاردني تلك المخاوف من الجن والظلام، فعندما أستيقظ صباحا أشعر بالقلق والضيق، وثقل ودقات قلب مؤلمة، وقد فقدت طعم الحياة عندما طاردني هذا الشعور حتى في أمور اجتماعية مهمة، كالزواج والبحث عن عمل بالرغم من أني رجل طموح أفكر في بناء أسرة والعيش تحت رحمة الله، كما أني اجتماعي ونشيط إلا أني عصبي لأقصى درجة، وهذا ناتج بالتأكيد عن القلق النفسي.
مرات أفكر تفكيرا غريبا في أمور الدين، وعندما أقرأ حديث وعيد أشعر مباشرة بخوف وضيق، علما أني حساس وأخاف أن أفتن في ديني، وكثير الحديث مع نفسي.
ما هي أسباب هذه الاضطرابات؟ وما الحل لإنهاء أزمتي هذه؟ وإن كنتم سترشدوني من حيث الدواء بالعقار فالمرجو منكم أن ترشدوني إلى أدوية رائجة بالمغرب، وفعالة لهذا المرض، وهل هذه الأعراض تدخل في أمور المس والعين والحسد والسحر أم حالة نفسية؟
المرجو إجابتي من الناحيتين الدينية والطبية، وجزاكم الله خير الجزاء، لما تقدمون للناس من خير ومنفعة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ طارق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على كلماتك الطيبة ودعائك لنا، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الجنة، ويجيرنا وإياكم من النار، فهو نعم المولى ونعم الوكيل.
أبدأ بالشيء الذي سألت عنه في رسالتك عن موضوع الحسد والمس والسحر والعين: يجب أن تعرف حقيقة واحدة - أيها الأخ الكريم - أن هذه الأشياء وإن كنا نؤمن بها كمسلمين بوجودها، لكنها أشياء غيبية، إذ لا يستطيع أحد مهما كان أن يؤكد لك أن ما يحصل لك هو نتيجة لحسد أو لسحر أو لعين، لأن هذه أشياء غيبية، ولا يعلم الغيب إلا الله، نحن نؤمن بها كمسلمين، لكنها أمور غيبية في علم الله تعالى.
نحن نصف ما يشعر به المريض وبما يحكيه عما بداخله، وملاحظتنا حسب ما درسناه، وواضح أنك تمتلك شخصية قلقة وكثيرة القلق والحساسية منذ صغرك، وقد استمر معك هذا القلق وهذه المخاوف الوسواسية حتى سن الخامسة والعشرين، وطالما صارت تؤثر في حياتك الآن من بحث عن عمل - وغير ذلك - فيجب أن تتعالج منه.
هناك عدة أدوية فعالة تعالج هذه القلق والمخاوف الوسواسية، ولكن لا أدري أيها موجودة في المغرب أم لا، ولكني سأعطيك الأسماء العلمية، أو ما يعرف (Grand 2)، إحدى هذه الأدوية يعرف تجاريا باسم (سبرالكس Cipralex)، ويعرف علميا باسم (استالوبرام Escitalopram)، عشرة مليجرام، ابدأ بنصف حبة ليلا قبل النوم، أو بعد الأكل، لمدة أسبوع، ثم بعد ذلك تناول حبة كاملة، وسوف يبدأ المفعول عادة بعد أسبوعين، وسوف تزول هذه المخاوف -إن شاء الله تعالى- في خلال شهر ونصف أو شهرين، ويجب عليك أن تستمر في تناولها لفترة تتراوح ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر.
الدواء الآخر الذي يمكن أن تتناوله أيضا يعرف تجاريا باسم (زولفت Zoloft) ويسمى علميا باسم سيرترالين Sertraline)، خمسين مليجراما، ابدأ بنصف حبة أيضا - أي خمسة وعشرين مليجراما - بعد الأكل لمدة أسبوع، ثم حبة كاملة، وسوف يبدأ مفعوله أيضا بعد أسبوعين، وتظهر نتائجه خلال شهر ونصف أو شهرين، وأيضا إذا زالت وانتهت أعراض الخوف والقلق يجب عليك أن تستمر في تناول الدواء لفترة ثلاثة إلى ستة أشهر.
الحمد لله أنك رجل ملتزم، وتعلم أنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك، تحصن - يا أخي - بقراءة القرآن، خاصة أكثر من قراءة سورة البقرة في المنزل، والمعوذتين، وقل هو الله أحد، وحافظ على الصلاة، وأكثر من الدعاء، وإن شاء الله تعالى هذه الأشياء مع العلاج تجلب الطمأنينة والراحة إلى قلبك، وتبعد المخاوف عنك والوساوس.
وفقك الله وسددك خطاك.
+++++++++++++
انتهت إجابة د. عبد العزيز أحمد عمر . استشاري الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة د. عقيل المقطري. مستشار العلاقات الأسرية والتربوية
+++++++++++++
ما تعانيه هو حالة نفسية ووساوس قهرية ناتجة عن التنشئة التي نشأت عليها منذ الصغر، فكنت ولا زلت تعطي رسائل سلبية لعقلك الباطن حول الجن وتصرفهم وإنزالهم الضرر بالناس، واستمر معك الحال إلى يومنا هذا.
الجن مع إيماننا بوجودهم إلا أنهم لا يسيطرون على الأماكن المظلمة، وتفكيرك الدائم وتركيزك على ذلك يجعل جسمك كله يتفاعل مع تلك الأفكار، فتجد أن دقات قلبك تتسارع، وربما تشعر بدوار في رأسك، وغشيان وتنمل في بعض العضلات، وعدم القدرة على الحركة في بعض المواطن، وليس عندك -والله أعلم- أي شيء من أعراض المس أو العين، وبالرغم من أن هذه الأمور غيبية إلا أنه من خلال أعراضها يستطاع التشخيص، وبغض النظر فالرقية نافعة مما حل بالإنسان ومما لم يحل به، وأفضل علاج لما تعانيه هو عدم التفكير والتركيز على موضوع الجن وسيطرتهم على الأماكن المظلمة، وأن تعيش حياتك بشكل طبيعي كبقية الناس، ولا بد أن تؤكد على نفسك أولا وعلى عقلك ثانيا أنه لا سلطان للجن على المؤمن المتوكل على الله، فهم خلق من خلق الله وعبيد من عباده، كما قال تعالى: (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلىٰ ربهم يتوكلون) وإنما سلطانه على من يتخذهم أولياء ويشركون بالله، قال تعالى: (إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون).
عليك أن تتضرع بين يدي الله بالدعاء وأنت ساجد أن يصرف عنك وساوس الشيطان وخواطره، فهو من خلال هذه الوساوس يريد منك أن تخاف منه وتعظمه، لأنه ليس له سلطة وتسلطا، واسمع إلى قول الله تعالى: (إنما ذٰلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين).
وصيتنا لك بالعمل بتوجيهات الطبيب النفسي، فالعقاقير الطبية نافعة بإذن الله، وأسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك إنه سميع مجيب.