السؤال
السلام عليكم
أنا فتاه عندي مشكلة وهي الشك بوجود الله -أستغفر الله-، وهذا الشك أشعر به أحيانا وليس دائما، ولكنه يزعجني كثيرا، وأدعو الله دائما أن يبعده عني، وقد بدأت أتحسن كثيرا إلا أنه أحيانا يرادوني هذا الشعور، على الرغم من أني إنسانة ملتزمة أصلي، وأصوم، وأقرأ القرآن وأختمه، ولكن يأتيني هذا الشعور وهو الشك بوجود الله وكذلك بالحساب في يوم القيامة، فأنا إنسانة أبكي وأتأثر من أبسط الأشياء، لو رأيت إنسانا لا يملك طعاما ولا تعليما أتمنى لو أني غنية لأعطيه كل شيء ويحصل على ما يريد، ولكي أساعد الناس كثيرا، وإذا طلب مني شخص شيئا لا أقول له أبدا كلمة (لا) بل أبادر إلى مساعدته حتى ولو كان على حسابي، ومع ذلك أشك أحيانا, وذات مرة كنت أدعو الله كثيرا بمسألة، ولكنه لم يستجب لي فيئست من الدعاء، فأصبحت لا أدعو كثيرا وأقول في نفسي: مهما الله يريد أن يفعل بي فليفعل، فأنا قد تعبت كثيرا. أرجو منكم النصيحة، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ maria حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك – ابنتنا الكريمة – في استشارات إسلام ويب.
ما ذكرته من أعمالك الطيبة وحبك الخير للناس وإرادتك في مساعدتهم، كل ذلك يدل على أنك فتاة طيبة، ولك أعمال صالحة، نسأل الله تعالى أن يثبتك عليها، وأن يزيدك منها، وينبغي أن تعلمي جيدا – أيتها البنت العزيزة – أن هذا الخير فيك هو الذي أزعج الشيطان وأراد أن يصدك عنه، فقذف هذه الوساوس في صدرك، يريد بذلك أن يقطع عنك هذا الطريق الذي تسلكينه.
إذا فهمت هذا فاعلمي أنك مطالبة بمجاهدة هذا الشيطان ومدافعته، وأن الله -سبحانه وتعالى- يأجرك على هذا الجهاد، فإن الشيطان عدو كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا}، وهذا الذي تعانينه من الوساوس الخبيثة إنما هو أثر من آثار هذه العداوة، فلا تنزعجي لها، واحذري من أن يتسلل الشيطان إلى قلبك ليورثك القنوط واليأس، واعلمي -إن شاء الله تعالى- أنك لا تزالين على إسلامك ودينك، وأن هذه الوساوس لا تضرك ما دمت تكرهينها، وهذا الذي هو واقع منك، فإن انزعاجك من هذه الوساوس وكراهتك لها وبكاءك منها دليل على وجود الإيمان في قلبك.
وقد شكا بعض الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أشياء من هذا القبيل يجدونها في صدورهم، ولكنهم لا يجرؤون على أن يتحدثوا بها، وأن الواحد منهم يفضل أن يحرق حتى يصير حممة – يعني فحما – يفضل ذلك على أن يتكلم بما يجده في صدره، شكوا هكذا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال -عليه الصلاة والسلام-: (ذاك صريح الإيمان) فجعل هذه الحال التي هم عليها من كراهتهم لهذه الوساوس وخوفهم منها، جعل ذلك دليلا صريحا على وجود الإيمان في قلوبهم.
فنحن نبشرك بأنك على إسلامك، وأن هذه الوساوس لن تضرك في دينك، ولكنك مطالبة بأن تعرضي عنها، وألا تشتغلي بها، فإذا جاءك الشيطان بشيء من ذلك فاستعيذي بالله، وهذا توجيه النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن ابتلي بشيء من هذه الوسوسة، قال: (فليستعذ بالله ولينته) فهذان دواءان نبويان لما أنت فيه: الأول أنه كلما خطرت هذه الخواطر عليك قولي (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، والدواء الثاني هو: الانشغال بشيء آخر عنها في أي شيء من أمور دين أو دنيا، فإذا صبرت على هذا الطريق ذهبت عنك هذه الوساوس بإذن الله.
وأما ما سألت عنه بشأن الدعاء، فنصيحتنا لك أن تواصلي الدعاء، فإن الدعاء من أكرم العبادات وأجلها وأحبها إلى الله، وكوني على ثقة من أن الله -سبحانه وتعالى- لن يردك، فإن الله تعالى لا يرد من دعاه، ولا يخيب من أمله، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لنا: (أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة) ولكن هذه الإجابة تختلف صفاتها، فقد يعطيك الله تعالى ما تسألينه، وقد يدخر لك ثواب هذه الدعوات إلى يوم الحساب فتسعدين بها وتفرحين، وقد يصرف الله تعالى عنك من الأقدار المؤلمة والمكروهات بقدر هذه الدعوات وأنت لا تشعرين.
فأحسني ظنك بالله، واعلمي أنه سبحانه وتعالى جواد كريم، غفور رحيم، وأنه يعاملك بالرحمة، وأنه أرحم بك من نفسك.
نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يوفقك لكل خير.