السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أنا فتاة يئست من الحياة، وكرهتها، وحاولت الانتحار، وقد استشرتكم سابقا، وسبب كل ذلك أهلي، كرهوني في الحياة والناس وفي نفسي، أصبحت إنسانة أخرى، قاسية وسيئة.
منذ ستة أشهر لم أعرف السعادة، أمي تدعو علي بالسوء، صرت أخاف من المستقبل، أخشى عدم التوفيق، عجزت أن أشرح لكم، لقد صرت حزينة وكئيبة، ولم أعد أخبر والدي بحبي لهما.
فماذا أفعل؟ وكيف أتصرف؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
اليأس ليس من أخلاق المؤمنين، بل إن من أخلاقهم التفاؤل والأمل، فاليأس يسبب الإحباط، والتفاؤل يعطي الأمل في هذه الحياة، وحياة الإنسان كلها ابتلاء في السراء والضراء، قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} وقد يبتلى العبد بسبب ذنب أصابه كما قال سبحانه: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
وما من عبد إلا وله ذنوب، فعليك بالاستغفار والتوبة النصوح، والمؤمن يتقلب بين أجرين، أجر الشكر وأجر الصبر، كما قال عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له، وليس ذلك إلا للمؤمن)، وكلا الأمرين -السراء والضراء- سائر وفق قضاء الله وقدره، بل إن كل أمور الكون تسير وفق ذلك، كما قال سبحانه وتعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء).
فلا تردي الأمر لوالديك، بل عليك أن تحمدي الله على ما قدر، وترضي حتى تؤجري، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، فلا تتعصبي ولا تكوني قاسية، بل عودي نفسك على الهدوء، فإن تعصبك لن يقدم ولن يؤخر من الأمور شيئا، بل إن ذلك سيسبب لك ضيقا في صدرك، وضنكا في عيشتك، وإن أردت السعادة، فإنها تكمن في الرضا بما قدره الله، وتكمن في تحقيق تقوى الله تعالى كما قال الشاعر:
ولست أرى السعادة جمع مال **** ولكن التقي هو السعيد.
عليك بكثرة الذكر وتلاوة القرآن، فذكر الله من أسباب راحة البال وطمأنينة القلب، كما قال ربنا جل وعز: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، والزمي الاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، فإنهما من أسباب تفريج الكروب والضوائق، كما قال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك).
وكوني على يقين أن الشيطان حريص على أن يفرق بينك وبين والديك، بينما والداك أحرص الناس على سعادتك، وإن كان أسلوبهما قاسيا فعليك بالاقتراب منهما أكثر، والتفاني بخدمتهما، ومساعدة والدتك في أعمال البيت، والتملق لهما بالكلام الجميل، فالكلمة الطيبة صدقة، وتعمل في القلوب عملها، فكيف إن كان المخاطب هو الوالد، والذي قال الله عنهم: {وقضىٰ ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما}.
إننا -أيتها الأخت الفاضلة- نجيد نقد الآخرين، ورمي التبعة عليهم، لكن القليل منا من ينظر إلى عيوبه، فأوصيك أن تجلسي مع نفسك جلسة محاسبة ومكاشفة، هل فيك من الصفات ما يجعل والديك يتعاملان معك بالطريقة التي تشتكين منها؟ فإن وجدت فأنصفي من نفسك وأدبيها ولوميها وألزميها أن تترك أي صفة سلبية في التعامل مع الأهل، ومن ثم تجلسين مع أهلك، وتعترفين بخطئك، وتعتذرين منهم، وتعديهم أن تبدئي صفحة جديدة، والتمسي رضى والديك بتقبيل أيديهما وركبهما، فإن فعلت ذلك فستجدين الحياة تتغير تماما، وستجدين والديك يدعوان لك ليلا ونهارا، بعد أن كانا يدعوان عليك.
واحذري من التفكير في الانتحار، فإن المصير إلى جهنم وبئس القرار، ولكن تضرعي إلى الرؤوف الرحيم أن يصلح شأنك، وأن يلين قلبي والديك وأهلك نحوك، واصبري إن الله مع الصابرين (ولمن صبر وغفر إن ذٰلك لمن عزم الأمور).
أسأل الله تعالى أن يصلح شأنك، ويلين قلوب أهلك نحوك، وأن يجعل حياتك في سعادة، آمين.