السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ابنتي تبلغ من العمر (18) عاما، اشتريت لها هاتفا جوالا فاكتشتف أنها تحادث الشباب منه في الواتس أب، قمنا بمعاقبتها وسحب الجهاز منها، نصحناها وأخبرناها بأن ما قامت به تصرف خاطئ وغير مسؤول.
تابت ابنتي بعد استشعارها للخطأ، فأعدنا الثقة لها، وبعد سبعة أشهر اشتريت لها جهازا جديدا، فاكتشتف أنها تصور يدها وتضع الصور في برنامج الانستجرام مع صور لبعض الفنانات، صدمت منها، اكتشفتها وإلى الآن هي لا تعلم، لم أفاتحها بالموضوع.
أرشدوني كيف أتعامل معها؟ لقد اتعبتنا كثيرا، وأخشى من تطور الأمر للأعظم والأخطر، قمنا بنصحها كثيرا، وقمنا بتذكيرها بالله، لكن دون جدوى، ماذا أفعل معها؟ وكيف أتعامل معها؟ وهل هذا الفعل طبيعي لمرحلتها العمرية أم ماذا؟
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فردا على استشارتك أقول:
- تربية الأولاد مسؤولية عظيمة سيسأل عنها كل أب وأم كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالأب راع ومسئول عن رعيته والأم راعية ومسئولة عن رعيتها... الحديث)، وتضييع الأولاد وعدم إحاطتهم بالنصح كبيرة من كبائر الذنوب يعاقب عليها الأبوان كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (من ولاه الله رعية ثم لم يحطهم بنصحه إلا لم يرح رائحة الجنة).
- شكر الله لك اهتمامك بتربية أولادك وحسن تدبيرك في توجيههم، ولعلك تدركين أن مثل سن ابنتك سن جدا خطرة ما لم يكن ثمة متابعة وحسن توجيه للأولاد ذكورا وإناثا، ونصيحتي أن تحصري معرفة المشكلة بينك وبينها، وابقي متابعة لها بالرفق واللين تارة، وبالشدة تارة أخرى، إن رأيت أن الشدة تنفع فاللين لا ينفع إن كانت لا تنزجر به، والشدة لا تنفع إن كان اللين هو الأفضل في إصلاحها، ولا تيأسي من روح الله، فالحوار الهادئ الذي يشعرها بالحب والحنان والخوف عليها سيؤثر فيها، وسيأتي اليوم الذي تتوقف فيه عن تلك الأفعال وتنتشلينها من ذلك السلوك الخطر الذي قد يؤدي إلى فساد أخلاقها ودينها، فيما لو غضضت الطرف عنها.
- هدديها بإخبار والدها فيما لو استمرت على تلك الأفعال، وخوفيها بأن ردة فعله قد تكون قوية وعنيفة جدا، فقد يضربها ويحبسها في البيت، ويمنعها من الخروج من المنزل.
- ابنتك بحاجة إلى تقوية إيمانها وتقوية مراقبتها لله تعالى، ولن يكون ذلك إلا من خلال الأعمال الصالحة: كنوافل الصلاة، والصوم، وتلاوة القرآن، والمحافظة على أذكار اليوم والليلة.
- اربطي ابنتك برفقة صالحة يأمرنها بالخير ويدلونها ويعينونها عليه، وحذريها من الرفقة السيئة، والأمر كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة)، وقال: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).
- اغرسي في عقلها أن هؤلاء الشباب الذين تتحدث لهم كثير من الفتيات إنما هم ذئاب بشرية ينصبون شباكهم لإيقاع البنات فيها، كي يلعبوا بمشاعرهن، ويعبثوا بشرفهن، ثم يتركونهن ضحية، وربما فضحوهن بين الناس قبل العبث بشرفهن إن لم يستطيعوا ذلك، أو بعد أن ينالوا غرضهم فيصرن عارا وشنارا على أهلهن، ولن يتقدم لهن بعد ذلك أي أحد، واذكري لها بعض القصص التي حدثت في الواقع، وما أكثرها فابحثي عن بعضها في موقعنا هذا، ففيها عظة وعبرة.
- وضحي لها أن الحديث مع الشباب تبدأ باستحياء، ثم يزول الحياء ويكون الكلام في البداية بشكل تعارف وكلام جدي، ثم يبدأ الغزل والمواعدة بالزواج، ثم طلب صورة لتكون ورقة تهديد في يد ذلك الذئب الحقير، ثم يطلب الالتقاء ما لم يهددها بصورتها وأنه سينشرها، وبذلك ترضخ الفتاة، ويسهل وقوعها في المعاصي التي لا تحمد عقباها.
- ذكري ابنتك بأنها وإن كانت تتحدث مع أي شاب خفية عنكم، فإن الله تعالى يراها، قال تعالى: {الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين}، وقال: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، وأنه سبحانه قد وكل بها ملكين يكتبان كل أقوالها وأفعالها، قال تعالى: {وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون}.
لا بد أن تعلم أن الله لما حرم التواصل بين الرجال والنساء غير المحارم إنما ذلك صيانة لعرض المرأة المسلمة كي لا يعبث بها العابثون، ولتبق جوهرة مكنونة لا يمسها إلا من أحل الله له ذلك.
- الأصل في معالجة مثل هذه القضايا هو الحزم، فاقطعوا عنها كل الوسائل التي تمكنها من التواصل مع ذلك الشاب، أو تصوير نفسها أو بعضا من جسدها وإنزالها في بعض المواقع، مع بقاء مراقبتها، فقد تأتي بجوال من خارج البيت، فبقاء وسائل الاتصال في متناول يدها يجعل التواصل بينها وبين أي شخص سهلا، وتكرار التواصل يؤدي إلى العبث بقلبها ومزيد تعلقها بمن تحادثه، ويصبح من الصعوبة عليها التوقف عن التواصل معه، واشغلوا أوقاتها في مذاكرة دروسها، وكلفوها ببعض الأعمال المنزلية، واقتربوا منها في وقت فراغها.
- أتمنى لو فتحتم درسا تربويا في البيت تقرئون فيه آيات من القرآن الكريم، مع شيء من تفسير السعدي، وأحاديث من رياض الصالحين، وشرح الشيخ ابن عثيمين -رحمة الله- على الجميع.
- الحقوا ابنتكم في حلقة تحفيظ قريبة من البيت تكسب الإيمان والرفقة الصالحة، مع بقاء متابعتها والسؤال عنها لدى مدرستها.
- وثقي صلتك بالله من خلال نوافل الطاعات، وتضرعي إلى الرؤوف الرحيم أن يصلح ابنتك ويهديها سبل السلام، وأن يحفظها من كل مكروه، فالله تعالى قد أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة، فقال: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ۚ إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضا: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)، أي أن الدعاء ينفع في تغيير واقع العبد ومستقبله.
أسأل الله تعالى أن يصلح أولادنا أجمعين، وأن يأخذ بنواصيهم إلى طاعته ويجنبهم معاصيه وما يسخطه آمين.