السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لقراءة رسالتي، وجزاك الله خيرا، أرجو مساعدتي فأنا أعجز عن وصف حالتي والتعبير عنها.
أنا فتاة عمري (21) سنة، ومنذ بلوغي بدأت كبقية الفتيات أحلم بالعيش والحب، كانت تجربتي الأولى عن طريق الشات، ثم اكتشفت بعدها كذب هذا الشخص حتى في اسمه، انجرحت ومضيت أملا في الحصول على شخص أفضل، كنت أتأمل أن أجد شخصا أفضل يمحو جرحي السابق، وبالفعل تعرفت على غيره وغيره أحدهم يرحل، وأحدهم يتزوج، جميعهم يغيبون ويتركون بداخلي جرحا لا يطيب.
تعرفت على إمام أحد المساجد فظننت أنه أتقى وأحببته بشدة، لكنني علمت بأنني سأكرر فشلي فتركته ورحلت قبل أن يتركني، ثم عاد وأخبرني أن لا أحد صادق مثله، وأنه يخاف علي، وكان يرجو أن لا أرحل وسوف يجد حلا، ذلك اليوم بعد أن صارحني علمت بخبر خطبته فحزنت، ولكنني بقيت لأنه أخبرني أنني فقط من أسكن قلبه، ضعفت وتواصلت معه وهو رجل خاطب، لكنه فجأة بدأ يتغير ويقول بأن ابنة عمته بريئة، ويجب أن أتقبل الواقع، وسوف أتزوج من تختارها أمي، صدمت منه وازداد جرح قلبي، وبدأ يصيبني خوف عميق فقررت أن أودع الدنيا بركعتين وعلبة كلوركس، حاولت وكنت أبكي، وفي اللحظة الأخيرة منعتني أختي، قامت باحتضاني، وقالت بأنه رجل نذل لا يستحقني، حاولت إشغال نفسي بدراستي وقيدت معظم وقتي للعلم.
كان ولا يزال في داخلي أمل بأن هناك شخصا أجمل سيداوي مواجعي، بعد ذلك وبالصدفة فتحت أحد الإيميلات القديمة، فوجدت شخصا يراسلني ويقول: (طولت الغيبة، وماذا صار معك)، لم أذكره إلا بعد حين، وجعلت ما بيننا مجرد صداقة، كان يراسلني وفي وقت فراغي كنت أرد عليه، هو رجل كبير بالسن اجتاز الأربعين، فجأة أخبرني بأنه يريد تطليق زوجته والارتباط بي، رفضت في بداية الأمر، لا أريد أن أكون سببا في خراب بيته وتدمير أسرته، لكنه أكد لي أن لا علاقة لي بالطلاق، طلق زوجته وبدأنا نخطط للزواج، كان مهتما بأدق الإجراءات، قلت في نفسي أنه أكبر وأكثر نضجا، أكملت معه وتعلقت به، وكان يقول ثقي بي، وسأكتفي بك، قلبي لك، ومن المستحيل أن أرضى لك الزعل.
حدث ما حدث وكانت مجرد وعود، وقبل تنفيذ وعده بشهور معدودة تركني ورجع لطليقته، شعرت أنني طير مكسور الجناح، فقد تركني بصمت قاتم، وابتعد عني فجأة، لم يرد على رسائلي، هذه الصدمة كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حدثت أشياء كثيرة في نفسي، خرجت عن إرادتي، دخلت في دوامة الأرق والبكاء طويلا ليلا خلف باب الخلاء، كوابيس متكررة، حزنت على نفسي، فلم أنكسر هكذا بحياتي، كل الجروح التي تكومت منذ سنين من فلان وفلان وفلان باتت تخنق إنسانيتي، لم يعاملني أيهم كإنسانة تملك قلبا وروحا، وصلت إلى حالة خوف من الدنيا والبشر، حاولت الانتحار مرتين، صارت الدنيا بعيني مخيفة أكثر من الموت.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نادينا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فردا على استشارتك أقول:
- لقد أخطأت الطريق أيتها -الأبنة الكريمة-، وصرت كمن دخل في متاهة، فكلما ظن أنه قرب أن يخرج منها إذا به يوغل فيها، ومن الخطأ أيضا أن تفكري في الحب والزواج من بداية بلوغك ولا زلت إلى الآن صغيرة في السن، فأنت في عمر الزهور.
- الزواج ليس طريقه التعرف على الشباب عبر الإنترنت، فأغلب الذي في الطرف الثاني من الشبكة العنكبوتية هم من الذئاب البشرية الذين ينصبون شباكهم لإيقاع الفتيات فيها، ومن ثم اللعب بعواطفهن ومشاعرهن، ويعدونهن بالزواج ويطلبون منهن صورهن بحجة التعرف عليهن، ومن ثم يهددونهن بتلك الصور، فيطلبون منهن التحدث عبر الفيديو وإرسال مقاطع فاضحة، وقد يصل الحال إلى الالتقاء، والعبث بشرفهن، ومن ثم يتركونهن في نار المعصية والعار.
- لا ينجو من تلك الشباك إلا من كانت عناية الله معها، وأنت منهم، فاحمدي الله تعالى على ذلك، وتوبي إلى الله توبة نصوحا من هذا الذنب، فلقد خنت ثقة أهلك بك، ولو علم والداك بذلك لجن جنونهم، ومن شروط التوبة: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما حصل، والعزم على عدم العودة مرة أخرى.
- تفكيرك بالزواج عاطفي للغاية، ولم تفكري في أي مرة من المرات بعقلك، ولو فكرت بعقل لما فعلت كل هذا، فانظري مثلا في آخر مرة كيف كنت تريدين الزواج برجل بعمر والدك، أليس هذا من الجنون؟ وهل وصلت إلى حد الخوف من العنوسة.
- دينك يريدك -أيتها الأخت الكريمة- أن تكوني عزيزة مطلوبة، لا ذليلة طالبة، فما أصابك هو الذل لمخالفتك لمراد الشرع.
- محاولتك الانتحار جريمة عظيمة تودي بك إلى نار الله وعقابه، (فمن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) كما صح في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاستغفر الله مما هممت به.
- نصيحتي أن تعرضي عن التفكير في الزواج، وتوجهي للاهتمام بدراستك، ورزقك في الزواج سيأتي إليك بحسب ما قدره الله لك، فمن كان من نصيبك فستحصلين عليه، ومن ليس من نصيبك فلن تتمكني من الحصول عليه ولو بذلت كل الأسباب، وتحري في شريك حياتك أن تتوفر فيه صفتا الدين والخلق، وبقية الصفات التي تريدينها دون مبالغة، فالدين والخلق هما أهم الصفات، وهما صمام أمان للحياة الزوجية، بل هما بمثابة الجناحين للطائر.
- إن أتاك خاطب وتوفرت فيه الصفات المطلوبة، فصل صلاة الاستخارة، وهي ركعتان من دون الفريضة، بحيث يكون قلبك غير ميال لأحد الطرفين، الموافقة أو الرفض، وادعي بالدعاء المأثور، وتوكلي على الله، فإن تمت المور بيسر وسهولة فاعلمي أن الله اختاره زوجا لك، وإن تعسرت وأغلقت الأبواب فاعلمي أن الله قد صرفه عنك.
- قو إيمانك ومراقبتك لله تعالى من خلال الحرص على الفرائض، والإكثار من نوافل الأعمال الصالحة: كالصلاة، والصوم، وتلاوة القرآن، فذلك سيكون سببا في سعادتك قال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.
- تضرعي إلى من بيده مقاليد الأمور أن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة، فما خاب من لجأ إليه، وكوني على ثقة بأن دعوتك ستستجاب، فالله قد أمرنا بدعائه، ووعدنا بأن يستجيب لنا، فقال تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ۚ إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}.
أسأل الله تعالى أن يتوب علينا جميعا، وأن يختار لك ما فيه الخير، ويرزقك الزوج الصالح إنه سميع مجيب.