السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا متابعة لموقعكم منذ فترة طويلة، وقد استفدت منه كثيرا، وقد كتبت إليكم لإيماني أنني سأجد الحل لديكم.
أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، أعاني من حالة اكتئاب بعد تعرض أخي لحادث منذ 3 سنوات، أدى إلى كسر في الجمجمة وضمور في المخ، وارتجاج وشلل رباعي وفقد القدرة على الكلام، واستمرت حالة الاكتئاب لفترة، ثم تغلبت عليها، لكنني أشعر بالحزن الشديد عندما أرى حالة أخي، وأعلم أن لا علاج له.
وأيضا أصبت بوساوس كثيرة، وتغلبت عليها، إلا وسواس الخوف من الخروج من المنزل، حيث أخشى أن أتعرض لحادث كما حصل لأخي، وكذلك أخاف من صوت الرعد، حيث أشعر أنني سأتعرض لصاعقة وأموت، وعندما يحدث شيء لأحد من أهلي أحس بألم في المعدة، وأشعر بتوتر وضيق وشعور بالبكاء، فهل هذا طبيعي أم أحتاج إلى طبيب نفسي؟ أخاف أن أفقد أهلي، وأخاف من سوء الخاتمة، رغم أنني تبت إلى الله من ذنوب كثيرة.
أحب صديق أخي منذ الصغر، واعترفت له بحبي، وتقبلني في البداية، ثم اعترف إنه لن يفضلني على زوجته، وقد ظلمني كثيرا، وأنا أحبه، ولم أعترف له إلا بعد زواجه، وهذا سبب لي اكتئابا، حيث أنني أفكر فيه كثيرا، وأفكر في إهانته لي وتجريحه، ولا أستطيع أن أعيش بسلام، فأبكي طوال الوقت، فما الحل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ هند حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، وأتمنى وأسأل الله تعالى لأخيك العافية والشفاء.
أيتها الفاضلة الكريمة: الذي يظهر لي أنك شخص حساس، لديك الكثير من الطاقات الانفعالية الوجدانية، يظهر أن قلبك قلب طيب، وهذا فيه -إن شاء الله تعالى- خير كثير بالنسبة لك، ومن الواضح أنه لديك القابلية والاستعداد لقلق المخاوف بجميع أنواعه.
لا شك أن ما حدث لأخيك هذا -حفظه الله- مؤثر، لكن هذا أمر مقدر، والبلاء يجب أن يقبل، وأنا أقول لك أنه في كنف الله تعالى، وما يظهر عليه من تعب ظاهري ليس دليلا أبدا على تعبه الفعلي، انظري إلى الأمور بهذه الكيفية وبهذه الطريقة، وقطعا ليس هو الوحيد الذي يعاني من هذا الذي يعاني منه، آلاف بل قد يكون ملايين ممن كانوا ضحايا للإصابات المرورية وخلافه.
فساعديه بقدر ما تستطيعين، وعليك بالدعاء له، والتفتي لنفسك، اجعلي لحياتك معنى، كوني صابرة، كوني قوية، حددي أهدافا واسعي للوصول إليها، والخوف التوقعي والتوجس الوسواسي الافتراضي - هذا الذي تتحدثين عنه - يجب ألا يكون مطبقا عليك، اجعلي في كل حياتك التوكل منهجا، بسم الله الرحمن الرحيم عظيمة، حين نبدأ بها كل أمورنا، والأدعية يجب أن يلهج بها لسانك وقلبك دائما، الرعد ما أجمله، تذكري أنه يسبح بحمد الله: {ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته} فكيف ننزعجين منه؟
يجب أن تغيري مفاهيمك - أيتها الفاضلة الكريمة - على هذا السياق، وحين تركبين السيارة عليك بدعاء الركوب، فهو دعاء عظيم، من يتأمله ويتدبره ويتفكر فيه تنزل عليه شآبيب من الطمأنينة القلبية، هذا أمر مجرب، ذكره لنا إخوة كثيرون وجربناه بأنفسنا بحمد الله تعالى.
يجب أن تكون لك برامج مستقبلية، برامج تديري من خلالها حياتك -كما ذكرت لك- اجعلي لنفسك هدفا، هدف عمر، لماذا لا تدخلين في مشروع لحفظ القرآن مثلا؟ هذه إضافة عظيمة لك في حياتك، اكتساب معرفي يزف لك خيري الدنيا والآخرة -إن شاء الله تعالى-.
موضوع الشاب الذي تحبينه وقد تزوج - أيتها الابنة الكريمة - هذا أمر يجب ألا تتوقفي عنده، هذا رجل قد تزوج، وهذا هو المقسوم له ولزوجته، ويجب أن ترتقي وتكوني سامية في مشاعرك، وحتى إن تزوج منك ربما يكون زواجا فيه عيب، ويشك في استمراريته. إذا اسألي الله تعالى أن يوفقه، انقلي مشاعرك عنه تماما، واتقي الله في نفسك، وسل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح. هذا هو علاج مشاعرك السالبة هذه.
أيتها الفاضلة الكريمة: أنا أرى أيضا أن تناول أحد الأدوية المضادة لقلق المخاوف ولفترة قصيرة ولجرعة صغيرة سيكون مفيدا، فاذهبي إلى طبيبة المركز الصحي، هنالك دواء يعرف تجاريا باسم (زيروكسات Seroxat CR) ويسمى علميا باسم (باروكستين Paroxetine CR) تناوليه بجرعة 12.5 مليجرام يوميا لمدة شهرين، ثم 12.5 مليجرام يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناوله، فهو دواء مفيد وسليم.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
----------------------------
انتهت إجابة: د. محمد عبدالعليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
وتليها إجابة: د. أحمد الفرجابي -مستشار الشؤون الاسرية والتربوية-.
----------------------------
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في موقعك، ونشكر لك الثناء على الموقع والتقاط الفوائد منه، وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يجلب لك الطمأنينة، وأن يصلح الأحوال وأن يتوب علينا وعليك، ويحقق في طاعته الآمال.
أرجو أن تتركي كل الذنوب وليس بعضها، لأن للذنوب ثمارها المرة، وخوفك من سوء الخاتمة ينبغي أن يدفعك لتجويد الأعمال، وفيه دليل على أنك مستيقظة، فاحمدي الله الذي أيقظك، وأحسني الظن بربنا وربك، فهو سبحانه غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا، وهو سبحانه الكريم الوهاب، فاسأليه من فضله واستعينى به وتوكلي عليه.
أما في جانب الوساوس فسوف تستفيدين من مستشارنا الكبير الدكتور محمد وفقه الله وحفظه، ونحب أن نؤكد لك أن علاج الوساوس إنما يكون بإهمالها، وعند التأمل أن الناس يسافرون ويخرجون ولا يحصل لهم شيء، بل إن هناك أعدادا كبيرة جدا مهنتهم قيادة السيارات، فهم في الليل وفي النهار على ظهر الطريق، ولا يحصل لهم شيء، وقد شهد خالد بن الوليد مئات المعارك في الجاهلية وفي الإسلام ثم مات على فراشه، وأطلقها مدوية: فلا نامت أعين الجبناء.
وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ونسال الله أن يكتب العافية لأخيك، ولكل مصاب، وأن يرزقكم الصبر، ونتمنى أن تأخذ الأمور حجمها المناسب، وشفقتك على أهلك وما يعتريك عند مرضهم مما نشكرك عليه، ولكن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، فأكثري من الدعاء لأهلك ولنفسك، وحافظي على أذكار الصباح والمساء، وعلى الصلوات؛ فإن الله يحفظ من يحفظه.
أما بالنسبة لقصتك مع صديق أخيك: فأرجو أن لا تحزني، لأنه ليس عيبا للفتاة أن يرفضها رجل، وليس عيبا في الرجل أن ترده فتاة، والمسألة تلاق بين الأرواح، وهي جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف، ورفضه لك لا يعني أن فيك عيبا، بل قد يكون معجبا بك وبأسرتك، ولكن هناك فرق بين الإعجاب وبين الحب، وحبه لزوجته ليس خصما على أحد، وسوف يسوق الله لك بفضله من يغمرك بالحب ويبادلك المشاعر.
واسألي من سهل عليه أن يسهل عليك، ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، وقد أسعدنا تواصلك مع موقعك، ونؤكد لك أن شعورك بالخلل هو أول وأهم خطوات العلاج، وأنت طبيب نفسك فنفذي التوجيهات، وتوجهي إلى الله، واحشري نفسك في زمرة الصالحات، وسارعي إلى الخيرات، ونسأل الله أن يوفقك ويسعدك ويرفعك عنده درجات.