السؤال
السلام عليكم.
هل سماع الأغاني وعشقها يصيب الإنسان بالإدمان؟ وهل يؤثر على صحة الإنسان العقلية والروحية والنفسية والجسدية والدينية؟ وهل يفسد حسناته ويبطل صلاته وصيامه والذكر؟ وهل يصد عن سبيل الله؟ وهل الجن والشياطين تضر الإنسان بسبب المس العاشق؟ وهل الأغاني تضر عند سماعها أثناء الدورة الشهرية؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.
أيتها الفاضلة الكريمة: نحن نقدر المشاعر الإنسانية، ونقدر التفاعلات الوجدانية للناس، وبالنسبة للأغاني -أيتها الفاضلة الكريمة– لا خير فيها، هذا أمر مؤكد، خاصة أنها مضيعة للوقت، وأن محتواها كثيرا ما يخرج عن نطاق ما هو مطلوب من التأدب في الحياة.
أرجو ألا تأخذي كلامي هذا ككلام متشدد أو خارج عن الواقع، لا، أنا أتعامل مع الأمور بصورة إنسانية وعلمية جدا، وأناقش الناس في هذا الأمر، وجميل الأغاني وذات الكلمات التي لا توجد معها الموسيقى، هذه قد يقرها بعض الناس، لكن أعتقد أن الإنسان إذا حام حول الحمى قد يقع في وسط الحمى.
فسماع الأغاني وعشقها بالكيفية التي تحدثت عنها قطعا يصيب الإنسان بإدمانها، والكثير من الضلالات تدمن ولا شك في ذلك: الخمر، المخدرات، الأغاني، وذلك أصلا لأن الإدمان يتحكم فيه الجزء الغريزي بالدماغ، أو ما يسمى بدماغ الزواحف.
دماغ الإنسان يتكون من ثلاثة أجزاء: الجزء الأول: هو ما يسمى بدماغ الزواحف، وهذا هو الذي يتحكم في حاجتنا للطعام وللنوم والمعاشرة الجنسية، والإدمان أيضا يأتي تحت تحكم هذا الجزء الدماغي.
بعد ذلك هنالك الجزء الفكري من الدماغ، وهو الذي يسير حياتنا بصورة متوازنة.
والجزء الثالث من الدماغ: هو الجزء الإبداعي، فبعض الناس وهبهم الله تعالى بمقدرات طيبة وعظيمة وفاعلة، وقد أثروا حياتهم واخترعوا واكتشفوا، هؤلاء طبعا أدمغتهم الإبداعية متفوقة.
ولا بد أن أوضح أننا حين نقول أن الدماغ يتكون من ثلاثة أجزاء (دماغ زواحفي، دماغ فكري، دماغ إبداعي) يجب أن نعرف أن الدماغ موجود في حيز واحد، داخل الجمجمة، يعني إذا كان أحد الناس لديه دماغ زواحف متسع وكبير هذا يكون على حساب الدماغ الفكري والإبداعي، ليس هنالك حيزا ليتسع من خلاله، غير أنه ينقص من دماغ الفكري والإبداعي.
فإذا الأغاني يمكن أن تدمن، وتعرفي أنها قطعا سوف تؤثر على صحة الإنسان العقلية والروحية والنفسية والجسدية والدينية، والفكرية أيضا، لأن الإنسان الذي يضيع وقته مع هذه الأغاني يكون حرم نفسه الكثير والكثير من المتع العلمية ومن اللقاءات المعرفية، وكل هذا وهي باب من أبواب الشيطان الذي يجب أن يغلق تماما، والحياة فيها أشياء طيبة وجميلة يمكن للإنسان أن يتعود عليها، حتى وإن أدمنها هذا إدمان جميل: قراءة القرآن، وصلة الرحم، الرياضة، اكتساب العلم والمعرفة، هذا كله طيب وجميل.
بالنسبة لسؤالك: هل يضر سماع الأغاني مع الدورة الشهرية؟
الدورة الشهرية هي مرحلة ضعف في حياة المرأة، ولا شك في ذلك نسبة لتغيرات هرمونية، وأتصور أن الأغاني في هذه المرحلة قد يكون لها تأثيرات سلبية، لأنها تزيد من الهشاشة النفسية لدى بعض الناس.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
=================================================
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة الدكتور/ عماد البكش مستشار اجتماعي تربوي.
=================================================
وقانا الله وإياك السوء، وصرفنا وإياك إلى طاعته، وشغلنا وإياك بما يشغل به عباده الصالحين.
فالعبد يموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه، فكم ممن سمعنا أنه مات مغنيا أو سامعا للغناء لانشغاله به وعكوف قلبه عليه.
وقد قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما: ما تقول في الغناء أحلال هو أم حرام؟ فقال: لا أقول حراما إلا ما في كتاب الله. فقال: أفحلال هو؟ فقال: ولا أقول ذلك. ثم قال له: أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة؛ فأين يكون الغناء؟ فقال الرجل: يكون مع الباطل. فقال له ابن عباس: اذهب فقد أفتيت نفسك.
فهذا جواب ابن عباس رضي الله عنهما عن غناء الأعراب الذي ليس فيه مدح الخمر والزنا واللواط، والتشبيب بالأجنبيات، وأصوات المعازف والآلات المطربات، فإن غناء القوم لم يكن فيه شيء من ذلك، ولو شاهدوا هذا الغناء لقالوا فيه أعظم قول، فإن مضرته وفتنته فوق مضرة شرب الخمر بكثير وأعظم من فتنته.
قال يزيد بن الوليد الناقض: يا بني أمية، إياكم والغناء، فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السكر، فإن كنتم لا بد فاعلين، فجنبوه النساء، إن الغناء داعية الزنى. شعب الإيمان (7/ 112). وقد روي بسند صحيح عن عبدالله بن مسعود أنه قال: "الغناء ينبت النفاق في القلب".
فالغناء ليس على الناس أضر منه، ولا أفسد لعقولهم وقلوبهم وأديانهم وأموالهم وأولادهم وحريمهم منه.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده: ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم: أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب على الماء.
والغناء يهيج النفوس إلى شهوات الغي فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبان، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان، فإنه صنو الخمر ورضيعه ونائبه وحليفه وخدينه وصديقه، عقد الشيطان بينهما عقد الإخاء الذي لا يفسخ، وأحكم بينهما شريعة الوفاء التي لا تنسخ، وهو جاسوس القلب، وسارق المروءة، وسوس العقل، يتغلغل في مكامن القلوب، ويطلع على سرائر الأفئدة، ويدب إلى محل التخيل فيثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة.
فعلى العاقل معالجة نفسه وزودها عن الغناء، وإشغالها بسماع الآيات لا سماع الأبيات، وسماع القرآن لا سماع مزامير الشيطان، وسماع كلام رب الأرض والسماء لا سماع قصائد الشعراء، وسماع المراشد لا سماع القصائد، وسماع الأنبياء والمرسلين لا سماع المغنين والمطربين، فهذا السماع حاد يحدو القلوب إلى جوار علام الغيوب، وسائق يسوق الأرواح إلى ديار الأفراح، ومحرك يثير ساكن العزمات إلى أعلى المقامات وأرفع الدرجات، ومناد ينادي للإيمان، ودليل يسير بالركب في طريق الجنان، وداع يدعو القلوب بالمساء والصباح من قبل فالق الإصباح حي على الفلاح حي على الفلاح، فلم يعدم من اختار هذا السماع إرشادا لحجة وتبصرة لعبرة، وتذكرة لمعرفة وفكرة في آية، ودلالة على رشد وردا على ضلالة، وإرشادا من غي، وبصيرة من عمى، وأمرا بمصلحة ونهيا عن مضرة ومفسدة، وهداية إلى نور وإخراجا من ظلمة، وزجرا عن هوى وحثا على تقى، وجلاء لبصيرة وحياة لقلب، وغذاء ودواء وشفاء وعصمة ونجاة، وكشف شبهة، وإيضاح برهان، وتحقيق حق وإبطال باطل.
والغناء ضار في كل زمان وعلى كل حال، في حال الطهر وحال الحيض وحال النفاس. وهو مما يجمع على العبد الشياطين فيسبب من الأمراض ما يعجز عن وصفه الإنسان.
وليس الغناء من مبطلات الأعمال، فلا يفسد العبادات؛ وإنما يكتب للعبد ثواب صلاته وصيامه وعبادته. ويكتب عليه إثم سماعه والانشغال به، فينقص من الحسنات ويكثر من السيئات.
وأما الجن العاشق وضرره؛ فهو حاصل شهد به العوام والخواص، ودفعه بالقرآن وإدمان سماعه، ومفارقة المعاصي والبعد عما يثير الشهوات، وحفظ النفس بالأذكار، وعدم الخلوة عند النوم، وستر العورات بذكر الله عند النوم، ورقية النفس بالقرآن والسنة.
حفظك الله بما يحفظ به عباده الصالحين، ووقاك السوء بما شاء وكيف شاء.