إن أردت أي شهوة أسرع إليها غير مهتم بمراقبة الله.. فكيف أرضي الله تعالى؟

0 214

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله خيرا عن هذا الموقع المبارك، فكلما احتجت إلى فتوى أو استشارة نفسية جئتكم بالسؤال، ونصحتموني أحسن النصح.

الآن مشكلتي جذرية ومعقدة، قد لا أعلم تحديدها تماما، ولكن سأطرح بعض التفاصيل.

لا يوجد في قلبي خشية من الله، والإيمان ضعيف جدا، فعندما أريد أن أتبع شهواتي؛ أسرع في ذلك غير مهتم بمراقبة الله للأسف، ونتيجة لذلك لمحت لفتاة بحبي لها بكل غباء وتفاهة مع علمي بحرمة ذلك، فردت علي بالابتعاد عنها –والحمد لله- أنها فعلت فلولا ذلك لوقعت من حرام إلى آخر، وبسبب الصدمة -أنا منذ عدة أيام- زاد اكتئابي وإحباطي عن ما قبل الحادثة.

أنا الآن أتراجع دراسيا للأسف، وكأن كل المصائب تضربني، أشعر أن الله غاضب علي؛ لأني تبت منذ نحو سنة ونصف، فتحسن حالي، ولكني عدت بعدها للمعصية، وإلى الآن حالي أسوأ من أن يوصف، فلا أستطيع الثبات أمام أي شيء، ولا يوجد في قلبي خشوع حتى في الصلاة.

أفيدوني بحل يخرجني من كل هذه المشاكل، فأنا أريد إرضاء الله، ثم إرضاء والدي، وأن أصبح شخصا مسئولا وقويا لا تقف أمامه مصيبة.

علما بأن هذا الاكتئاب والفتور والضعف يصاحبني بشكل شبه مستمر منذ 3 سنين تقريبا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نبيل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ردا على استشارتك أقول:
• الفتور قد ينتاب أي إنسان وفي أي لحظة، وذلك طبيعي جدا، طالما وهو في حدود المعقول والبقاء في دائرة السنة، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (إن لكل عمل شرة (نشاطا) ولكل شرة فترة (فتور وضعف) فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك).

• من نعمة الله عليك أنك ما زلت محافظا على الصلاة، فاستمر على ذلك وأقمها على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنها ستقودك إلى الخشوع وإلى كل خير، فالصلاة هي الصلة بين العبد وربه، وهي أول ما يحاسب عليه المرء من أعماله يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، والصلاة تقي العبد من الوقوع في كثير من الفواحش والمنكرات إن أقامها كما طلب منه، قال تعالى: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهىٰ عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).

• اعلم أن القلوب لها إقبال وإدبار، ولها رقة وقسوة، وما من قلب إلا وتعتريه تلك الأحوال، لكن العبرة بغالب أحواله، فأمعن النظر في هذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة الأسيدي قال: وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله، ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرا! قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما ذاك؟) قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده؛ لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة -ثلاث مرات-).

• ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: (قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ....) إلى آخر الحديث، فأكثر من هذا الدعاء.

• من أعظم أسباب الوقوع في المعاصي: ضعف مراقبة الله تعالى جهلا أو استكبارا، وكثرة الوقوع في المعاصي، مع ضعف في أداء الفرائض والتكاسل عن أداء السنن.

• عليك بكثرة الذكر وتلاوة القرآن الكريم وسماعه وتدبره، وقراءة تفسيره، والمداومة على قراءة أحاديث الرقاق من الصحيحين، وقراءة شروحات تلك الأحاديث، فذلك سينمي في قلبك حب الله والخوف منه، وسيعينك على الابتعاد عن المعاصي.

• حافظ على الفرائض، وأكثر من النوافل، فذلك سيجلب لك الحياة الطيبة، فذلك وعد الله لعباده، ووعده لا يخلف، قال سبحانه: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

• أكثر من الدعاء وأنت ساجد، وفي أوقات الإجابة، وتضرع إليه أن يحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك، ويكره إليك الكفر والفسوق والعصيان، مع العمل بالأسباب التي تقيك الوقوع في المعاصي، كاجتناب أماكنها والسعي وراءها والتعلق بها، وكن على يقين أن الله إذا علم صدق توجهك أنه سيستجيب لك، وسيغير حياتك؛ لأن الله الرؤوف الرحيم الذي أمرنا بالدعاء وعدنا بالإجابة، فقال: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين).

• جاهد نفسك بصدق وعزيمة في الابتعاد عن المعاصي وأهلها وسبل الوقع فيها، فمن جاهد نفسه في الله هداه ووقاه، قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).

• إن سولت لك نفسك الأمارة بالسوء ارتكاب معصية أو زينها لك الشيطان الرجيم، فاستحضر في قلبك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على خشية الله ومراقبته، ومنها قول الله تعالى: (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير)، وقوله صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)، وحديث: (من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه)، مع الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم)، وتذكر مراقبة الله للعبد وما أوجبه عليه من الطاعة وترك المعصية، (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) قال المفسرون: إذا أصابهم عارض من وسوسة الشيطان تذكروا ما أوجب الله عليهم من طاعته، والتوبة إليه، فإذا هم منتهون عن معصية الله على بصيرة، آخذون بأمر الله، عاصون للشيطان.

• صاحب الأخيار واجتنب رفقاء السوء، وجالس العلماء والصالحين، فهي وصية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا).

• إن وقعت في أي معصية فبادر بالتوبة في الحال، فقد يضعف الإيمان في بعض الأوقات، وأكثر من الأعمال الصالحة، ففعلها مكفر للذنوب كما قال تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذٰلك ذكرىٰ للذاكرين).

أسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وأن يصلح أحوالنا أجمعين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات