السؤال
السلام عليكم..
جزى الله خيرا الدكتور محمد عبد العليم على إجابة سؤالي السابق، وجزاكم جميعا مثله على العلم والإفادة الذي تقدمونه.
سؤالي الحالي: أخوكم منذ صغره وهو بارد الأعصاب جدا، وكسول، ويسوف كثيرا، وقلبه لا يشتعل شعلة تجعله يتحرك، ويتم أو ينجز الأشياء أو الأعمال سريعا إلا نادرا. ومن ثم فأرى نفسي -بدون مبالغة- أنه لو كان أحد سيحصل على جائزة الأكثر برودا والأقل اهتماما لكنت أكثر من يستحق أخذها!
اكتشفت أيضا أني لا أعمل أو أتم إنجاز الأشياء لآخرها إلا تحت ضغط شديد جدا جدا، فمثلا لا أذاكر إلا قبل الامتحان بساعات حين أحس بأني تحت مشارف الرسوب إن لم أتحرك، حتى أني أذاكر وأنا متضايق وكاره، فالأمر هو لولا أن هناك رسوبا لما قربت الكتاب أصلا! فهذا مثال للعمل تحت ضغط، ولا بد أن يكون ضغطا في منتهى الشدة، والعمل الذي أقدمه يقدم بتثاقل واضطرار ملح، أو شيء مصيري جدا. وباقي الجوانب في حياتي هكذا أيضا، فمثلا قراءة كتاب صغير، قد تأخذ مني أشهرا!
والمصيبة أن نفسي لا تتأثر بالعظات مع تنوعها وكثرتها، فأنا أحفز نفسي وأذكرها بمصاريف أبي علي، وأذكرها بالذي أستطيع تقديمه للمسلمين إن طلبت العلم الشرعي، وصبرت على التعلم والطلب، وأذكرها بأني بحالي هذه أخذل أناسا كثيرين حولي، وأيضا لن أضيف جديدا لا لنفسي ولا للبشرية بكسلي هذا، وتسويفي وقلة صبري، ولا تأثير -يا أخي والله- إلا في حالات نادرة جدا! برود أعصاب فظيع، آخره الفشل في كل شيء والهلاك، وأعلم ذلك، ولك أن تتخيل علمي به، ولا زال لا يؤثر ويجعلني أتحرك وأحس وأتحمل المسؤولية!
أنا لست متعودا إلا على ذلك، فأصبح فعل غيره صعبا، فكرت أنه قد يكون عندي كسل في غدة، ومع ذلك لم أذهب لأكشف عند طبيب!
هل من دواء طبي فعال -بارك الله فيك- للتخفيف من برود الأعصاب هذا، ولإشعال القلب، ومن ثم يحركني ضميري الميت للعمل بشوق واجتهاد ومصابرة؟ كيف أصل لأن أكون على عجل في حياتي، وينكسر حاجز اللامبالاة عندي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب.
أيها الفاضل الكريم: سلاحك يجب أن يكون في الدعاء، والذي يتمثل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل) وهذا الدعاء تتبعه بالأفعال، ومن المهم والضروري جدا ألا تقلل من قيمة ذاتك، رسالتك هذه تشير وبصورة واضحة جدا أنك لا تقدر ذاتك التقدير الصحيح، وأنك قد قبلت لنفسك التراخي وضعف الهمة، وهذا أمر يجب أن يرفض، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز).
اجلس مع نفسك، وقيم نفسك التقييم الصحيح، واعلم أن الله قال {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، وأن الله تعالى قد حباك بالمقدرات التي يجب أن تفعلها.
والإنسان لا يمكن أبدا أن يكون فعالا إلا إذا كان له برامج وخطط في الحياة: ماذا يريد أن يصل إليه؟ هل يكتفي ويستكين لحاله الضعيف الآن، أم يكون شخصا متطلعا وصاحب همة ويعرف أنه يجب أن يساهم في عمارة هذه الأرض -وعمارة الأرض لا تأتي ولا تكتمل إلا إذا سعينا لأن نعمر أنفسنا بالإيمان وبالقوة والشكيمة والاندفاع الإيجابي السليم-؟
أيها الفاضل الكريم: الأمر في غاية البساطة، ضع خارطة لإدارة وقتك، إذا لم تدر وقتك بصورة صحيحة لن تنجح، ولن يكون لديك شيء تنجزه، أما إذا وضعت برنامجا يوميا، وفي حالتك يجب أن يكون البرنامج كتابة، وأفضل طريقة لإدارة الوقت هي أن تكون الصلوات الخمس مرتكز للإنسان: ماذا أريد أن أعمل بعد الفجر؟ ماذا قبل الظهر؟ ماذا بعد الظهر؟ ماذا قبل المغرب؟ ماذا بعد العشاء؟ وهكذا، يكون الأمر في غاية الوضوح، أما الأنشطة الحياتية فيجب أن تشمل الترفيه على النفس، يجب أن تشمل العبادة، يجب أن تشمل الاطلاع وتحصيل العلم، يجب أن تشمل الراحة، يجب أن تشمل التواصل الاجتماعي، ويجب أن تشمل نشاطا معينا يكون موجها نحو بر الوالدين... وهكذا.
هذه هي الأسس التي من خلالها تستطيع أن تقدم لنفسك الكثير، والأمر الآخر هو: أن يكون لك مشروع عمر -أي مشروع- كحفظ ستة أجزاء من القرآن الكريم مثلا في ستة أشهر، هذا مشروع واضح متوسط المدى، ليس آنيا وليس مستقبليا على المدى البعيد، وتضع لنفسك المتطلبات والبرامج والأهداف الآنية، والهدف الآني يحقق خلال أربع وعشرين ساعة.
من الأهداف الطيبة والجميلة مثلا: اذهب وقم بزيارة مريض اليوم، هذا أليس بهدف؟ هدف كبير وسام وعظيم، هكذا تحسب الأمور -أيها الفاضل الكريم- وعلى المدى البعيد: تصور نفسك بعد عشر سنوات من الآن: من أنت؟ ما وضعك؟ ما هي أسرتك؟ أين ذريتك؟ هذه كلها أسئلة يجب أن تطرحها على نفسك وتحتم على نفسك أن تسير على المسار الصحيح الذي يطورك.
أمر مهم جدا، وهو الحرص على بر الوالدين، الحرص على بر الوالدين ليس فقط نوايا في القلب، إنما أفعال وعمل، وهذا يجعلك تشعر بقيمتك الذاتية.
أخي الكريم: عليك بالقدوة الحسنة الطيبة، استعن بعد الله تعالى بمن يأخذ بيدك، وهم كثر وكثر جدا في هذه الحياة.
بالنسبة للعلاج الدوائي: لا أراه ضرورة أبدا في هذه المرحلة، وإن كان البعض يتكلم عن عقار (بروزاك Prozac) كعقار دافع للجدية عند الإنسان ويحسن المزاج، إن أردت أن تجربه لا بأس في ذلك أبدا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.