الوساوس والأفكار أثرت علي حياتي، فهل أعتبر آثما؟

0 191

السؤال

السلام عليكم.

أنا معلم، أعاني من الوسواس القهري منذ 9 سنوات، ومر معي بمراحل كثيرة، بدأ معي بالوضوء، ثم الصلاة، ثم النجاسات، ثم المعاملات المالية كالشراء، فكلما انتهت مرحلة أدخلني بمرحلة أخرى.

وقد قرأت وسمعت كثيرا عن هذا المرض، فكلما سمعت وقرأت أرتاح قليلا، ثم بعد فترة تراودني الوساوس والهموم.

وقد راجعت دكتورا نفسيا وأعطاني دواء (فلوكسيتين)، ولم أشعر براحة بل زادت مشاكلي.

والحالة التي أعاني منها الآن بدأت معي منذ سنة كاملة، ولا زلت أعاني منها، ومحور هذه الوساوس أني أشعر بأنني المسبب في نقل المرض والضرر للآخرين، وبأنهم سيموتون، وسأكون أنا السبب، وسأدخل النار بسبب إيذائي وقتلي للآخرين.

بدأت هذه الفكرة منذ شهر 11 الماضي مع الطحالب، ثم انتهت وجاءت على العفن، ثم الصدأ، وتخلصت من ذلك كله بفضل الله أولا، ثم أصدقائي الأخصائيين ثانيا عندما أقنعوني بأن هذا كله ليس ضارا.

والآن أعاني من الزجاج؛ أشعر أني أمسكه وأكسره (خاصة عندما تتضارب الأواني ببعضها) وأنقله للآخرين بأي طريقة سواء بالسلام أو لمسي أو لمس ثيابي أو أي شيء آخر، فيوسوس لي أني نقلته للآخرين، وأنهم سينجرحون ويصل هذا الزجاج إلى العظام، وسيمرضون وسيموتون، وسأكون أنا السبب، وسيعاقبني الله بهذا، وسأدخل النار بسبب إيذائي لهم وموتهم.

تعبت من هذه الأفكار، وأثر ذلك على حياتي الأسرية مع زوجتي ووالدي وطلابي في المدرسة. حتى أصبحت أشعر بأني عاق لوالدي بهذا المرض، علما أنهم يحبوني كثيرا، وقد كانوا يعتمدون علي كثيرا في أمور البيت، وبمراجعاتهم في المستشفى، لكن هذا المرض حال بيني وبين خدمتهم من ناحية، وبيني وبين الطمأنينة والسكينة لزوجتي.

أرجوكم أفيدوني، ولا تحيلوني لأجوبة أخرى، لأني قرأت كثيرا. وهل أعتبر آثما على هذه الأفكار؟ وهل أعتبر عاقا لوالدي ومقصرا في حقوق زوجتي؟ وما نصيحتكم لأهلي وزوجتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ شريف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية.

أخي الكريم: تدارست رسالتك، وأنا أتعاطف معك جدا لأني أعرف قسوة الوسواس على النفوس الطيبة.

أخي الكريم: الذي بك هو وسواس قهري لا شك في ذلك، سوف يعالج، ويجب أن يعالج، والعلاج يتكون من المحاور المعروفة: (العلاج الدوائي، العلاج السلوكي، العلاج الاجتماعي، العلاج الديني/الإسلامي).

أما العلاج الإسلامي؛ يتطلب منك الصبر على الوسواس، ويتطلب منك أن تكثر من الاستغفار، وأن تغلق الباب تماما أمام الوسواس الخناس.

أما العلاج الدوائي؛ فضروري جدا، إن لم تستفد من الـ (فلوكستين Fluoxetine) فيمكن أن تنتقل إلى دواء آخر، لدينا الآن أدوية رائعة، والـ(فافرين Faverin) هو الذي أرشحه، يضاف إليه جرعة صغيرة من عقار (رزبريادون Risperidone).

جرعة الفافرين تبدأ بـ 50 مليجرام ليلا، ترفعها بعد أسبوع إلى 100 مليجرام ليلا، ثم تجعلها 200 مليجرام ليلا لمدة شهر، ثم ترفعها إلى 300 مليجرام، تتناول 100 مليجرام في الصباح و200 مليجرام ليلا، وهذه هي الجرعة العلاجية التي يجب أن تستمر عليها لمدة 6 أشهر على الأقل.

وتبدأ في نفس الوقت –أي منذ بداية تناول الفافرين– في تناول الرزبريادون بجرعة واحد مليجرام ليلا لمدة 6 أشهر.

الفافرين تحتاج أن تصبر عليه -كما ذكرت لك– بجرعة 300 مليجرام لمدة 6 أشهر، ثم تخفضها إلى 200 مليجرام يوميا لمدة 6 أشهر أخرى، ثم 100 مليجرام يوميا لمدة عام، ثم 50 مليجرام لمدة شهرين، ثم 50 مليجراما يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

أخي الكريم: هذا هو الذي أراه من حيث العلاج الدوائي، علما بأنك حين تذهب إلى طبيبك إذا أراد أن يختار أي دواء آخر فهذا لا بأس به، لأن الـ (زولفت Zoloft) فعال، والـ (سبرالكس Cipralex) ممتاز، والـ (زيروكسات Seroxat) يختاره بعض الإخوة الأطباء، فنحن في نعم عظيمة -الحمد لله تعالى– لأن هذه الخيارات كلها بين أيدينا، وبعض الأخوة الأطباء لا زالوا يعطون ويصفون الـ (أنفرانيل Anafranil)، وأنا أيضا أصفه لبعض الحالات.

فيا أخي الكريم: الأمر فيه سعة، المهم هو التزامك بتناول الدواء، ويجب أن تكون لك قناعة أن الدواء جزء من العلاج، لأن الوسواس فيه الجزء البيولوجي، فيه الجزء النفسي، فيه الجزء الاجتماعي، وقطعا بعض الوساوس يساهم الشيطان فيها بجزء كبير، فأنت يجب أن تأخذ بالعلاج الشامل بمحاوره الأربعة كما ذكرت لك.

إذا: النصيحة التي أسديها لك: حاول كل جهدك ألا تناقش الوسواس، وألا تشرح الوسواس، وألا تحاور الوسواس، وأن تحقر الوسواس، لا أقول لك: يجب أن تقاومه، لأن الشيء الذي تقاومه يعني أنك قد أعطيته أهمية، فلا تعط الوسواس أهمية، وقم بتحقيره، وحين تأتيك الفكرة الوسواسية قل للوسواس: (أنت وسواس حقير، لن أناقشك، أنت تحت قدمي، حقير ذليل) ومهما حاورك، مهما اخترق وجدانك ومشاعرك، أنا أعرف أنه قبيح، لكن أعرف أنك قوي -إن شاء الله تعالى- وسوف تحقره. هذه هي الوسيلة العلاجية الأساسية بجانب الدواء.

أخي الكريم: اصرف انتباهك من خلال حسن إدارة وقتك، فالوساوس تتصيد الناس في أوقات الفراغ، والفراغ الذهني، والفراغ الزمني، والفراغ الفكري، وحاشاك، فأنت -إن شاء الله تعالى- لست من الذين يضيعون الوقت في الفراغ، فاملأ وقتك بما هو مفيد، والحياة -الحمد لله تعالى– فيها الكثير والكثير الذي يمكن أن نجعله مفيدا لنا ويشغل أوقاتنا بصورة صحيحة.

أيها الفاضل الكريم: سؤالك هل تعتبر عاقا لوالديك ومقصرا في حقوق زوجتك؟
أنا لا أرى ذلك، وإن كنت أعرف أن العيش مع صاحب الوساوس صعب جدا، لذا يجب أن يعالج الوسواس، فصاحب الوسواس من أصحاب الأعذار -أيها الفاضل الكريم – أسأل الله تعالى لنا ولك المغفرة، الوسواس لا أراه سببا للإثم والله أعلم، وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

===================================
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
===================================

مرحبا بك –أيها الأخ الحبيب– في استشارات إسلام ويب، نسأل الله لك عاجل العافية والشفاء من هذه الوساوس، وقد أفادك الأخ الفاضل الدكتور محمد –جزاه الله خيرا– بما يفيدك من الناحية الطبية النفسية.

وأما ما سألت عنه بشأن حقوقك لوالدك وهل أنت آثم بسبب هذه الأفكار؟ فنقول أيها الحبيب: لا إثم عليك بسبب هذه الأفكار، فأنت مريض، ولكن نصيحتنا لك أن تأخذ بالأسباب للتخلص من هذا الداء متوكلا على الله تعالى، فما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء، وقد جربت أنت بنفسك فتخلصت من وساوس في أبواب كثيرة، ودواؤها النافع -بإذن الله تعالى- هو الإعراض عنها بالكلية، وعدم الاكتراث والاهتمام بها.

والموسوس –أيها الحبيب– في حكم المكره عند الفقهاء، فما يفعله تحت تأثير هذه الوساوس معفو عنه -بإذن الله تعالى-.

وكونك تتألم بسبب أن في هذا عقوقا لوالدك: هذا أيضا من آثار هذه الوساوس، والمطلوب منك أن تعرض عنها بالكلية، ولا تبالي بها، وابذل وسعك وجهدك في بر والدك والإحسان إليه، وكذا اجتهد في الإحسان إلى زوجتك وأداء الحقوق الواجبة عليك لها، واحذر من أن يفتح عليك الوسواس بابا جديدا ومجالا جديدا، وهو الوسوسة في حقوق الزوجة، أو الوسوسة في عقوق الوالد، فإذا صرفت ذهنك عن التفكر في هذه الأمور، وعدم الخوض في تفاصيلها، فإنها ستزول عنك بإذن الله تعالى.

نسأل الله تعالى لك عاجل العافية والشفاء.

مواد ذات صلة

الاستشارات