طفلي سريع الغضب ويثور لأتفه الأسباب.. كيف نغير طباعه؟

0 347

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكركم جزيل الشكر على ما تقدمونه في هذا الصرح الشامخ جعله الله في موازين حسناتكم، وجزاكم عن المسلمين خير الجزاء.

سؤالي هو أني متزوج منذ أربعة أعوام، ورزقني الله بمولودين ذكرين، عمر الأول سنتان و10 أشهر، والآخر 7 أشهر، مشكلتنا تكمن مع الطفل الأكبر، حيث إنه عنيد وسريع الغضب والانفعال، وزاد هذا الشيء في الآونة الأخيرة؛ لأني لا أخفيكم أصبحت أفقد أعصابي، وأثور سريعا، وأضربه أحيانا ضربا مؤلما على يديه، وأحيانا وجهه، وسرعان ما أندم وأتحسر على ما فعلته.

أصبح سريع الغضب، ويثور لأتفه الأسباب مثلا لو كان يلعب بسيارته ومجرد ألمسها أو أقوم بشيء لا يعجبه يغضب ويثور، ويرمي الألعاب، ويضربني ويبصق علي، وعلى الموجودين وعلى أي شخص يكلمه، ويؤذي الآخرين ونفسه وأخيه الصغير، ويريد كل شيء هو يقوم به، فمثلا يريد أن يفتح باب السيارة، ويشغلها، ولا يريد أحدا يساعده، وإذا ساعدته يغضب، ويطلب مني أن أغلق الباب ويفتحه من جديد وهكذا، هذا إذا لم يدخل في نوبة غضب، وكلما نعاقبه يزداد سوءا.

لا أخفيكم أنه كان يشاهد كل ما يحصل بيني وبين أمه من مشاكل وخلافات أسرية أحيانا عنيفة، ولكنها انتهت -ولله الحمد-، وكل من يشاهده يقول أعانكم الله، والبعض يقول بسبب ما يشاهده في البيت بينكم، رغم أن هذا الشيء لا أحد يعرفه إلا الله، والبعض يقول: أكيد من ضربكم له، رغم أننا أيضا لا نضربه أمام أحد.

هو الآن يفهم كل ما نقول وينفذه، ويفهم ما يدور بيننا، ولكنه لا يتكلم إلا بكلمات يسيرة، وأحيانا يريد منا شيئا ولا نفهمه فيغضب، رغم أنه يفهم جميع ما نقوله له، فما سبب تأخر نطقه؟

أحترت بماذا نعاقبه أذا أخطأ؟ وكيف نتعامل معه؟ صرنا نغلق عليه في غرفة ألعابه لمدة يسيرة والإضاءة موجودة، وأشعر أنها تأتي بنتيجة، ولا نكلمه أبدا حتى يبدأ بمناداتنا، وأحيانا يخرج من نفسه، وقد هدأت نفسه، وصرنا لا نكترث لغضبه إذا أخطأ، ولا نكلمه إلى أن يأتي يعتذر من نفسه، علما بأننا نقوم بتدليله ونلبي رغباته جميعها، وأنا آخذه معي في كل مشوار، وأغرقه بالهدايا والألعاب حتى أنه لا يرتاح إلا إن كان جالسا في حضني وأنا أقود حتى في السفر.

علما بأني كنت أعمل في مستشفى للرعاية النفسية والتوحد، ولدي اطلاع بسيط على أمراض الأطفال وأعراضها، وقد قمت بنفسي باختبار سارس على طفلي، ولا أظن أن لديه توحدا؛ لأنه إذا كان هادئا يكون في قمة الجمال والبراءة، وهو اجتماعي جدا ومحبوب وذكي، ولم يكن يقم بهذه الأفعال سابقا، كان يغضب، ولكنه يبكي، ولا يؤذي أحدا أبدا.

لا أريد أن أعرضه على طبيب نفسي لأمور اجتماعية، ولثقتي فيكم، وفي علمكم -بارك الله فيكم-، ولكنه ابتلي بما ذكرت، وأنا أعلم أننا السبب أنا وأمه فيما هو فيه بجهلنا، وعدم صبرنا، ولكن نسأل الله أن يعيننا، وأن يوفقنا لحسن تربيته.

هل من أمل في أن يستقيم حال طفلنا، وأن تخف عنه هذه النوبات، وهذا السلوك غير المرغوب؟

آسف جدا على الإطالة، ولكني أردت أن أشرح المشكلة بالتفصيل، ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ الراجي رحمة ربه حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على الكتابة إلينا بكل هذه التفاصيل الهامة، ومن الواضح أنكم عانيتم كثيرا من هذه السلوكيات.

هل من أمل في أن يستقيم في سلوكه؟ بالطبع الأمل الكبير، وخاصة مع وجود الوعي بما حصل، ولماذا هذا الطفل بهذا الشكل؟ وبما هو مطلوب عمله؟

سؤال أسأله عادة، هل الولد "المتعب" يصنع أم يولد؟ بالطبع إنه يصنع، ومن قبل من؟ من قبل أقرب الناس لهذا الطفل في معظم الحالات!

طفلكم هذا الذي تحدثت عنه إنما هو في حالة تشوش وعدم اطمئنان، فالعنف والضرب والتهديد والتخويف ربما من جانب، بينما من جانب آخر هناك ما وصفته من "التدليل وتلبية الرغبات وإغراقه بالهدايا".

الأصل في طفل في هذا العمر اليافع أن يسهل علينا تربيته وحسن توجيهه بالطريقة التي نريد، ولكن من خلال حسن الفهم للمهمة المطلوبة منا، بالإضافة إلى الاستيعاب والتدبر.

أريد أن أطمئنك أن هناك أملا كبيرا 100% من حسن تدبير التعامل مع طفلك، ولكن لا بد لهذا من أمرين مطلوبين.

الأول: أن نتعلم مهارات تربية الأطفال والتعامل معهم، وما هي احتياجاتهم في كل مرحلة، وكيفية تلبية هذه الاحتياجات، وسواء تم هذا التعلم من كتب تربية الأطفال، أو من خلال دورات تدريبية متخصصة للآباء والأمهات في مهارات تربية والتعامل معهم، أو ما نسميه "تدريب الوالدية".

والثاني: التحلي بالصبر والهدوء أثناء التعامل مع الأطفال، والابتعاد عن الشدة والتعنيف، فهذا لا يزيد الطفل إلا عنادا وصعوبة.

وطبعا من الصعب جدا أن نشرح هنا كل شيء في مهارات تربية الأطفال، فهي كثيرة جدا، وبدلا من أن أقدم لك سمكة، كما يقول المثل الصيني، فالأفضل أن أدلك على طريق صيد السمك، بمعرفة أين تتعلم عن تربية الأطفال من خلال هذه الكتب أو الدورات المتخصصة؟

ومن الطبيعي في هذا العمر أن يحاول الطفل التهرب من أي طلب يطلب منه، ليس لمشكلة عنده، وإنما لأنه يريد أن يأخذ "حريته" فيما يفعل أو لا يفعل.

ومن المفيد أن نعرف أن السبب الأكبر للمشكلات السلوكية عند الأطفال هو الرغبة في جذب الانتباه لنفسه، وانتباه الكبار من حوله وخاصة الوالدين.

والتحدي الكبير هنا أن قواعد التربية وعلم النفس تقول: إن السلوك الذي نعززه ونوجه انتباهنا إليه يتكرر مع الوقت، بينما السلوك الذي نتجاهله وكأنه لم يحصل يخف ويختفي مع الزمن، إلا أن معظم الآباء بدل أن يعززوا السلوك الإيجابي نجدهم يعززون السلوك السلبي كعناد الطفل؛ لأن من طبع الإنسان الالتفات إلى السلوك السلبي، والنتيجة الطبيعية هي تكرار هذا السلوك، وهذا العناد؛ لأنه يأتي للطفل بالكثير الكثير من الانتباه، ولو حتى رافقه الضرب أحيانا، بينما يتجاهلون وبنية حسنة السلوك الجيد، مثل أنهم لا يلاحظون مثلا طفلهم وهو يتعاون معهم ولا يكون عنيدا، ولو كان هذا نادرا، ولذلك يقل عنده هذا السلوك مع مرور الأيام، مع أنه هو السلوك الذي نريد أن نراه؛ لأنه ببساطة لا ننتبه إليه نحن الكبار ولا نعززه عليه.

وبهذا الشرح أظن أنه قد أصبح واضحا ما هو المطلوب منكم من أجل تعديل سلوك طفلكم، وهو تعزيز السلوك الحسن والمقبول، وصرف النظر كليا عن السلوك السلبي وغير المقبول، إلا السلوك الذي يعرض الطفل أو غيره للأذى الجسدي، فعندها لا بد من التدخل لمنع الأذى.

ومن الكتب التي أنصح بها كتابي "أولادنا من الطفولة إلى الشباب" ويمكنك أن تطلبه من مكتبة جرير.

حفظ الله طفلكم من كل سوء، ورزقكم الذرية الصالحة.

مواد ذات صلة

الاستشارات