السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا فتاة عمري 23 سنة، حاصلة على شهادة الماجستير، أتمتع بالاستقرار الأسري والمادي، عندما كنت في سن المراهقة تعرضت لأزمة عاطفية، -وبالرغم من تفاهة الأمر-، إلا أن هذا الأمر أزعجني جدا، حتى شعرت بضيق دائم وقلق، وعدم الاتزان في الحالة النفسية، وأصبحت أفعل أشياء غريبة لا إراديا، مثل نتف شعر رأسي، وعدم التركيز.
تعرفت على شاب عندما كان عمري 21 سنة، وتعلقت به كثيرا رغم إهماله الدائم لي، دامت علاقتنا لمدة سنتين ثم انفصلنا رغبة منه، مما أصابني بخيبة أمل كبيرة، وبدأت أشعر بضيق في التنفس، وألم في أعصاب المعدة، ثم تقدم لخطبتي شاب آخر، واستمرت علاقتنا 6 أشهر ثم انفصلنا أيضا.
فقدت الثقة في نفسي، وأشعر أنني لا أستطيع الوصول إلى هدفي، ويزيد من قلقلي ما أشعر به من ضيق شديد، وألم في أعصاب المعدة، ودائما أفكر سلبيا في أشياء لا صحة لها في الواقع، فيزيد شعوري بالاكتئاب، أصبحت أشعر بالخوف من فقد خطيبي الحالي الذي يحبني، وسنتزوج قريبا، ولكن ثقتي بنفسي انهارت، فصرت أزور المنجمين لأطلع على خفايا المستقبل، وأشعر بأنني إنسانة تافهة، وضعيفة الإيمان، وأحتاج نصحكم وتوجيهكم.
أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمية حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية.
أيتها الفاضلة الكريمة: -كما تفضلت- وذكرت أنت لديك شيء من عدم الاستقرار الوجداني، وقطعا التجارب التي مررت بها من حيث العلاقات العاطفية، ربما تكون أخلت بثقتك بعض الشيء، ولديك أيضا درجة مرتفعة نسبيا من العصبية، وهذا هو الذي يجعلك تحسين بالضيق الشديد، وبعض الانقباضات في أعصاب المعدة، مع التفكير في الأشياء السلبية، فأنت تعانين من درجة بسيطة من القلق الاكتئابي، -وكما ذكرت لك- شخصيتك تحمل بعض سمات الهشاشة الوجدانية البسيطة.
أنت لست مريضة -أيتها الفاضلة الكريمة-، إنما لديك طاقات نفسية قلقية يجب أن توجهيها التوجيه السليم، وذلك من خلال التعبير عن ذاتك، لا تكتمي، كوني إيجابية في تفكيرك، ضعي خارطة لمستقبلك، وأحسني إدارة وقتك، واحرصي على أمور دينك، وكوني بارة جدا بوالديك، فالحياة على هذا النمط، تجعل الإنسان يعدل ويرتب شؤونه ويحس بما هو إيجابي، واحرصي على أن يتم عقد الزواج بسرعة، لا تؤخري، فالخطبة الطويلة مشكلة كبيرة، لا تقعي في هذا الخطأ.
التمارين الرياضية سوف تكون مفيدة جدا لك، وكذلك تمارين الاسترخاء، وأعتقد أيضا أنك في حاجة لجرعة بسيطة جدا من أحد مثبتات المزاج ومحسناته، عقار مثل (ديروكسات Deroxat CR)، والذي يسمى علميا باسم (باروكستين Paroxetine CR) بجرعة صغيرة، وهي 12.5 مليجرام يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم 12.5 مليجرام يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقفي عن تناوله، أعتقد أن ذلك سوف يفيدك كثيرا، فالدواء ليس إدمانيا، ولا يسبب أي اضطرابات هرمونية عند النساء، وإن أردت أن تذهبي إلى طبيب نفسي هذا أيضا سيكون أمرا إيجابيا، لكن قطعا أنت لست مريضة نفسية، هذا يجب أن أؤكده، الذي تعانين منه هي ظاهرة بسيطة.
أسأل الله لك العافية والشفاء، والتوفيق والسداد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور: محمد عبدالعليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي: مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد أفادك الأخ الفاضل الدكتور محمد بكثير من الفوائد، التي تنفعك وتؤثر -بإذن الله تعالى- في تصحيح وضعك وتعديل مسار حياتك، ونصيحتنا لك أن تأخذي بهذه النصائح وتعملي بها، ومما يعينك على هذا الاستقرار النفسي، الذي ستحصلين عليه -بإذن الله تعالى- بعد سلوك هذا الطريق الذي أرشدك إليه الأخ الفاضل الطبيب محمد.
مما يعينك على ذلك أن تدركي تمام الإدراك أن اختيار الله سبحانه وتعالى لك خير من اختيارك لنفسك، وأن ما يقدره الله لك خير كله، فإنه أرحم بك من نفسك، فلا تحزني لما فاتك، ولم يتيسر لك، فقد يكون شرا صرفه الله تعالى عنك وأنت لا تشعرين، فلا ينبغي أن تجعلي من فوات شيء سببا للحزن عليه وتضييع الفرص النافعة الأخرى، فإن الله تعالى يعلم وأنت لا تعلمين، وقد قال سبحانه وتعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
نحن نؤكد ما نصحك به الدكتور محمد من محاولة التسريع والتعجيل بالزواج، فهذا ينطوي على منافع كثيرة، ويجنبك احتمالات كثيرة غير مرغوبة، كما أننا ننصحك بأن تجعلي طاعة الله سبحانه وتعالى سببا للوصول إلى كل ما تحبين، فإن تقوى الله جالبة لكل خير، دافعة لكل شر، وقد قال سبحانه وتعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}، كما عليك أن تتجنبي معاصي الله تعالى الصغيرة منها والكبيرة، فقد قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).
ومن ثم فنحن ندعوك إلى ضبط علاقتك بخطيبك بالضوابط الشرعية، فإذا كان لا يزال في مرحلة الخطبة -أي لم يعقد عليك عقد الزواج-، فإنه كغيره من الرجال الأجانب لا يجوز لك الاختلاء به، ولا الحديث إليه بحديث فيه خضوع ولين، ويجب وضع الحجاب أمامه بعد أن رآك الرؤيا الشرعية التي تدعوه إلى الخطبة، ففي مرحلة الخطبة هو كغيره من الأجانب، وكوني على ثقة من أن تعاملك معه بهذه الطريقة مما يقوي رغبته فيك وحرصه عليك، وقبل ذلك اعلمي أن ذلك فيه إرضاء لله تعالى الذي بيده مقاليد كل شيء.
وننبهك - أيتها البنت العزيزة - إلى وجوب التوبة من ذهابك إلى المنجمين والعرافين، فإن ذلك من كبائر الآثام والذنوب، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)، وفي رواية: (من أتى عرافا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد).
فالواجب عليك العزم على عدم الرجوع إلى هذا الذنب في المستقبل، مع الندم على ما كان منه في الماضي، والإقلاع عنه، وهذه التوبة تمحو عنك ما كان من ذنوب سالفة، فإن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وقد أخبرنا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - أن (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).
واعلمي أيضا أن العرافين هؤلاء كذابون، وأن من وجد منهم في كلامه شيء من الصدق فإنما هو نسبة ضئيلة جدا مما يحدثه به شيطانه، فيكلمه بالكلمة الواحدة من الصدق فيضيف إليها مائة كذبة، كما جاء بمعنى ذلك الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فالواجب الحذر من الذهاب إليهم، والإقلاع عن ذلك.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.