السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أود الاستفسار عن موضوع المحبة الشركية والمحبة الطبيعية، وكيف أميز بينهما؟ وكيف أعرف بأنني وقعت في المحبة الشركية، وأرجو منكم مساعدتي في ذلك.
تعرفت عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شاب، وبدأ بيننا التواصل، وبعد فترة اعترف لي بأنه أحبني، وأنا أيضا أبادله الشعور نفسه، هو شاب محترم، وصارحني برغبته في الارتباط بي، ولكن الظروف لا تساعده على إقامة مثل هذا الزواج.
هذا الشاب يحبني بشكل كبير، وأخشى أن نكون قد وقعنا في المحبة الشركية، فعندما أزعل منه يأتي لمراضاتي، ويخضع لأمري، وأنا أفعل مثله، هل يدخل هذا الشيء في كمال الخضوع لمخلوق، حيث إنه لا ينبغي كمال الخضوع إلا لله؟ أنا أحب الله، وأصبت بالوسواس القهري منذ سنتين، وشعوري بأننا قد دخلنا في الشرك هل هو شعور حقيقي أم أنه مجرد وساوس؟
أحببت هذا الرجل، ولن أجد رجلا بمواصفاته، هو يخضع لي ويقدرني ويحترمني، فهل وقع في الشرك؟ وهل استخدامه عبارة "لم أركع لأنثى غيرك " يعتبر شيئا من الشرك؟ أنا أعلم بأنه تعبير مجازي عن الخضوع للمحبوب ولا يعني بها العبادة، ولكن حتى أطمئن أرجو منكم الحكم على هذه الحالة، هل نحن أشركنا بحبنا؟ وهل يمكن أن يكون الحب الناشئ بين امرأة ورجل يؤدي إلى الشرك، أم أنه مجرد وسواس وحبنا حب طبيعي؟
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
البنة الفاضلة/ بشرى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونحيي شعورك بالخطر، ونسأله سبحانه أن يعمر قلوبكم وقلوبنا بحب الكبير المتعال، وأن يغنينا بالحلال، وأن يهدينا جميعا لأحسن الأخلاق والأقوال والأفعال، وأن يحقق في طاعته ويحقق الآمال.
لقد سرني السؤال وأفرحني خوفك من الوقوع في شرك المحبة، وهو محطة، ومرحلة من مراحل العشق المحرم، وقد أحسنت بالانتباه لخطورته، ونتمنى أن تتوقف العلاقة حتى توضع في إطارها الحلال، وعليكما تجنب الألفاظ التي لا تستخدم إلا في رحاب العبادة للواحد الأحد الفرد الصمد.
وأرجو أن تعلمي أن مسيرة التصحيح تبدأ من فهم الحب الحلال ومعرفة شروطه، وبضدها تتميز الأشياء، فالحب الصحيح ما كان في الله وبالله ولله وعلى مراد الله، والحب الحلال قاعدته وأساسه حب الله الذي يترتب عليه حب رسوله، وحب كل ما جاء عنه وعن رسوله، والمحب لمن يحب مطيع.
ومن الأمور التي نظمتها الشريعة علاقة المرأة بالرجل، حيث جعلت في حياة المرأة أرحاما تستطيع أن تتعامل معهم، وأجانب، وهم كل من يستطيع الزواج من المرأة، والأجانب لا سبيل لهم إلى الفتاة إلا بطرق الأبواب، وإقامة تعارف وعلاقة مكشوفة منضبطة بقواعد الشرع لهدف سام هو الزواج، وبعد تأسيس العلاقة الشرعية تؤجر المرأة في حبها لزوجها، ويؤجر في حبه لزوجته، مع ضرورة أن لا يترتب على الحب معصية، وليس لها أن تطيعه إذا أمرها بمعصية، وليس لها أن ترضيه بفعل معصية، ولا بد أن يكون بينهما تواصل وتناصح، ومن أول مدارات الحب الحلال أن تتوقف العلاقة حتى توضع في إطارها الشرعي، فحب الإنسان لله هو الأصل والأساس، ثم حب الرسول الذي لا يكتمل الإيمان إلا به، بل إن علامة حب الله إنما هو اتباع الرسول، قال تعالى في اختباره لمن يدعون المحبة: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}، ومن الحب الممنوع طاعة المحبوب في المعصية؛ لأن هذا لون من العبادة، كما جاء في الحديث: (ألم يكونوا يحرمون لك الحلال فتطيعونهم ويحلون لكم الحرام؟ قال فتلك عبادتهم).
وما حصل من تجاوزات يحتاج إلى توبة، واطردي عنك الوساوس، وأبشري فإن ربنا غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى، والمهم هو تصحيح الأوضاع، وعليك بالفقه في الدين فإن في فهم الشريعة عون كبير على طرد الوساوس، وإبعاد الشيطان، والفقيهة أشد على الشيطان من الف عابد.
وحتى لا تقعوا في الشرك عليكم بإعلان العلاقة، واطلبي منه أن يطرق بابكم ويقابل أهلك، وتوقفي عن التواصل وتقديم التنازلات حتى يتبين لك صدقه، وأكبر دليل على ذلك هو أن يطلب يدك رسميا، واستغفري وتوبي من كل علاقة ومكالمات لم يكن لها غطاء شرعي، ونسأل الله أن يجمع بينكم بالحلال، ونحن على ثقة أن بعض ما طلبناه صعب، لكننا نؤكد أن الأصعب والأخطر هو الاستمرار في علاقة ليس لها غطاء شرعي، ونحذر من التمادي، لأن العظيم يستر ويستر ولكن إذا تمادى الناس فإنه يهتك ويفضح ويخذل، فهو سبحانه يمهل ولا يهمل، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، وأرجو أن تطلبي منه الخروج من دهاليز الفضاء الإلكتروني إلى مقابلة أهلك فى الواقع، واعلمي أنك مؤمنة غالية ومطلوبة لا طالبة.
وفقك الله وسدد خطاك، وهذه وصيتنا لك بتقوى الله ثم بكثرة اللجوء إليه، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.