هل الاضطراب ثنائي القطبية مرض عقلي؟

0 566

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا صاحبة الاستشارة رقم (2295906). أشكركم من خالص قلبي على اهتمامكم وجهدكم، أحببت الأسلوب في ردودكم، وطريقتكم في الإجابة تجلب راحة عظيمة في نفس طالب الاستشارة.

هناك أمور شغلت بالي بخصوص الاضطراب ثنائي القطبة، وأود أن أسأل: هل الاضطراب ثنائي القطبية مرض عقلي؟ فمن خلال بحثي عرفت أنه أحد أنواع الفصام، ويسمى كذلك بذهان الهوس والاكتئاب، والذهان يعني المرض العقلي أليس كذلك؟

السؤال الثاني: هل تناول مثبتات المزاج يؤدي إلى الاكتئاب؟ لأن مثبت المزاج يطفئ الهوس.

والسؤال الثالث: العلاج المعرفي والسلوكي، هل يمكن أن يساعد على الشفاء إذا تم الاستغناء عن الأدوية؟ فقد أثبتت الدراسات أن الفصام يمكن علاجه من خلال العلاج المعرفي السلوكي دون اللجوء إلى تناول الأدوية، فهل الاضطراب ثنائي القطبية تكون النتيجة معه بنفس المفعول؟

جزاكم الله خير الجزاء، ووفقكم لما تحبون.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك على كلماتك الطيبة وعلى ثقتك في إسلام ويب.

بالنسبة للاضطراب الوجداني ثنائي القطب (Bipolar Affective Disorder)، إذا كان من الدرجة الأولى وتأتي للإنسان أفكار ظنانية أو أفكار ضلالية -كما يسمونها- وهذه الأفكار يمكن أن تكون مع الهوس، أو تكون مع الاكتئاب الشديد، في هذه الحالة يعتبر الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية مرضا ذهانيا أو مرضا عقليا وجدانيا، ولا علاقة له بمرض الفصام (schizophrenia)، وإن كان يوجد نوع يسمى بالفصام الوجداني، حيث توجد أعراض انفصامية وتوجد أعراض هوسية أو أعراض اكتئابية شديدة في ذات الوقت.

إذا: الاضطراب الوجداني ثنائي القطب إذا كان من الدرجة الأولى ومن النوع الشديد وفي أثناء النوبة يعتبر الإنسان مصابا باضطراب ذهاني -أي عقلي-، لكن بخلاف ذلك الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية من الدرجة الثانية أو الثالثة لا يؤدي إلى أي مظاهر أو سمات أو صفات للاضطراب العقلي، وما بين النوبات والانتكاسات -بالنسبة لمريض الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية من الدرجة الأولى- يكون الإنسان عاديا وليس ذهانيا.

الفصام مرض لوحده، وله شروطه ومعاييره التشخيصية، ومرض الفصام يعتبر مرضا عقليا.

سؤالك الثاني: هل تناول مثبتات المزاج (mood stablizers) يؤدي إلى الاكتئاب؟ الإجابة لا مطلقا، ولذا سميت بمثبتات المزاج، لأن الإنسان إذا كان في القطب الهوسي هذه الأدوية تسيطر على الهوس وتثبت المزاج، ولا تجعله يهبط أو يفلت ليصل للمرحلة الاكتئابية، وفي ذات الوقت إذا كان المريض يعاني من اكتئاب نفسي وتناول هذه الأدوية فسوف ترفعه وتنتشله -إن شاء الله تعالى- من الوضع الاكتئابي، ولا تدفعه نحو القطب الهوسي أو الذهاني.

أرجو أن تكون قد وضحت الصورة، ولمزيد من الإيضاحات: مضادات الذهان القديمة مثل (هالوبيريدول Haloperidol) مثلا، تؤدي إلى علاج القطب الهوسي بصورة ممتازة جدا، لكنها قد تدفع الإنسان نحو القطب الاكتئابي.

أرجو أن يكون هذا واضحا، كما أن مضادات الاكتئاب حين يكون الإنسان في حالة اكتئابية، هذه المضادات قد تدفعه نحو القطب الهوسي، وهذا هو الفرق بين مثبتات المزاج وبين مضادات الذهان ومضادات الاكتئاب التي تستعمل أحيانا في علاج الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية.

السؤال الثالث: العلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavior Therapy) يساعد على شفاء المريض، لكنه ليس بديلا للأدوية، هذا يجب أن أحتمه، بالنسبة لمريض الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية وكذلك بالنسبة لمريض الفصام: الأدوية تعتبر مهمة جدا؛ لأن الأساس الكيميائي أو البيولوجي المتعلق بالمتغيرات التي تحدث في الموصلات العصبية الدماغية هو أساس هذا المرض.

العلاج المعرفي السلوكي قطعا يقوي الشفاء، ويمنع الانتكاسات بدرجة كبيرة، ويجعل الإنسان يتفاعل مع الحياة بصورة إيجابية، وهذه ميزة كبيرة جدا.

وبالنسبة لمرض الفصام: لا أعرف أي دراسات أثبتت أنه يمكن علاجه بالعلاج المعرفي السلوكي فقط دون اللجوء للأدوية، هذا ليس صحيحا، وذلك لسبب بسيط، وهو أن دور التغيرات الأساسية التي تصيب كيمياء الدماغ كمسبب لمرض الفصام قد أثبتت دون أي شك، ولا بد لهذه الاضطرابات التي أصابت الموصلات العصبية لا بد أن توضع في مسارها الصحيح من خلال وسيلة بيولوجية أو كيميائية أو حيوية، وفي هذه الحالة هي الأدوية.

الشيء الصحيح أنه في حالة الشخصية الفصامية يمكن للعلاج المعرفي السلوكي أن يؤدي إلى كثير من التحسن في حالة المريض، لكن مرض الفصام بمعاييره التشخيصية المعروفة لدينا هو مرض عقلي، والأدوية هي أساس العلاج فيه، ولا شك في ذلك، ولا مانع أبدا من استعمال العلاج المعرفي السلوكي كعلاج داعم، وكذلك العلاج التحفيزي، والعلاج عن طريق التأمل، والعلاج عن طريق المساندة، وكل الوسائل التأهيلية التي تساعد المريض على تطوير نفسه اجتماعيا، هذا كله يفيد، لأن من أكبر مشاكل الفصام هي التدهور الاجتماعي المريع الذي يحدث، وكذلك تفتت أو تحلل شخصية الإنسان وانحسار مقدراته المعرفية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات