السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أنا فتاة عمري 24 عاما، أنهيت دراستي وكانت أحلامي جميلة، كنت أرغب بالهجرة إلى بلاد متطورة من أجل الدراسة والعمل وتطوير نفسي، ودائما أفكر بأنني لا أريد العمل في القطاع الحكومي، وأفكر بتأسيس عمل حر ومستقل كبداية، لكنني الآن ومنذ مدة أشعر بضياع كبير وإحباط ويأس، ولا أرغب بالزواج قبل تحقيق ذاتي على الرغم من تواجد عدة عروض، ولكنني رفضتها لأنني ضائعة، وأعيش في دوامة مع نفسي أتسأل دوما من أنا وما هو هدفي؟ و لماذا كل هذه التعقيدات في حياتي؟!
أحيانا أخجل وأحيانا أشعر بالضعف والعجز، تركت الصلاة وفقدت إيماني بنفسي, وما جعلني أراسلكم هو صوت داخلي وأمل أنني سأنطلق، كلي أمل أن تساعدني نصائحكم من أجل البداية، ومن أجل التخلص من حالتي، كيف أعثر على نفسي ومواهبي؟ وكيف أتخلص من عقدي وسلبياتي؟ وكيف أغير نفسي؟ وكيف أعزز ثقتي بذاتي؟ كيف أنطلق في حياتي وأعرف بماذا أرغب وأعرف هدفي في الحياة؟
أطلت عليكم بالأسئلة ولكم جزيل الشكر والاحترام والمحبة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ sa ra ah حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فجوابا على استشارتك أقول:
- يجب عليك أن تديري وقتك بصورة صحيحة ودقيقة، ولا تجعلي الواقع هو الذي يسيرك، فإدارة الوقت من مفاتيح النجاح، وهذا يتطلب منك أن تكتبي ما تريدين تنفيذه خلال اليوم والأسبوع والشهر والسنة، ولا بد من مراجعة تنفيذ الأهداف المكتوبة، وترحيل ما لم ينفذ، مع معالجة الأسباب التي أدت إلى الفشل في التنفيذ، ومجاهدة النفس من أجل تحسين الأداء، وبهذه الطريقة ستصلين إلى تنفيذ أهدافك -بإذن الله-.
- من أجل تشجيع النفس للانطلاق نحو تحقيق الأهداف لا بد من الترويح عليها بما هو مباح، وإلا نفرت هذه النفس، وذلك لأنها كالدابة كما شبهها بعض الصالحين، فإن أعطيت حقها وإلا جمحت، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما وجه أمته نحو التوازن النفسي والاعتدال فقال: (إن لنفسك عليك حقا، ولربك عليك، ولزوجك عليك حقا، ولزورك -ضيفك- عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه).
- عليك أن تتوبي إلى الله من تركك للصلاة، فالصلاة مفتاح كل خير وهي محفزة على إدارة الوقت بانتظام وناهية كل فحش ومنكر، قال تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}.
- الصحبة الصالحة من أسباب النجاح لأنها تعين على الخير وتدل وتعين عليه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة)، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، ويقال في المثل: الصاحب ساحب.
- لا تتحيري في الإجابة على سؤالك من أنا؟ فأنت إنسانة ومخلوقة من مخلوقات الله خلقت لهدف عظيم وهو عبادة الله، وعمارة الأرض على الوجه الذي يريد ربنا جل وعز كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وقال: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه ۚ إن ربي قريب مجيب}، ولا تكوني كذلك الحائر التائه الذي لا يدري من أين أتى وإلى أين يمشي، وما الهدف من وجوده، لأن ذلك إلحاد واسمعي إلى طرف كلامه في قصيدة طويلة قول في مطلعها:
جئت، لا أعلم من أين ولكني أتيت *** ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت
وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت *** كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
- للخروج مما أنت فيه لا بد أن يكون عندك إرادة في التحسن، لأن انعدام الإرادة في التحسن وعدم اتخاذ الخطوات الإيجابية من أجل ذلك ستبقيك في محلك قابعة مستكينة مستسلمة عاجزة عن اتخاذ المبادرات، وبهذا لن تتغيري فتوكلي على الله، وأوجدي في نفسك الإصرار على أن تغيري من نفسك، وتذكري قول الله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، فمجرد التفكير بالتغيير لن يجدي شيئا ما لم نتخذ الخطوات العملية الموصلة إليه، يقال في المثل الصيني: أول الألف ميل خطوة.
- انظري في العروض المقدمة لك واختاري أفضلها وخذي بزمام المبادرة وانتهزي الفرصة وإلا فستندمين يوم لا ينفع الندم، وليكن لك قدوة في الصحابي الجليل عكاشة بن محصن حين اقتنص الفرصة، وأخذ بزمام المبادرة ولم يضيعها حين قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يدخل من أمتي سبعون ألفا من غير حساب ولا عذاب). قيل من هم يا رسول الله: قال: (هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون)، فقال عكاشة بن محصن: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال له: (أنت منهم)، فقام صحابي آخر فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال له: (سبق بها عكاشة).
- استبدلي كل الأفكار التشاؤمية بأفكار إيجابية، فهذا سيسهل مهمتك في الاتجاه نحو التغيير، وسيجعل في نفسك استسهالا للصعوبات كما قال الشاعر:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى *** فما انقادت الآمال إلا لصابر
- نمي ما تجدينه داخل نفسك من صوت وأمل في أنك ستنطلقين واستجيبي لذلك باتخاذ الخطوات المعينة على الانطلاق -وإن شاء الله- تسمعينا عن نفسك في الأيام القادمة أخبارا مفرحة عن تغير نمط حياتك وانطلاقك نحو تحقيق أهدافك.
- ارقي نفسك صباحا ومساء بآية الكرسي، وآخر آيتين من سورة البقرة، والمعوذتين، والإخلاص، وسورة الفاتحة، فذلك نافع -بإذن الله تعالى-.
- بعد محافظتك على الصلاة أكثري من تلاوة القرآن الكريم، وداومي على أذكار اليوم والليلة، فذلك سيجلب لقلبك الطمأنينة كما قال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
- أكثري من الأعمال الصالحة فذلك من أسباب جعل الحياة طيبة للإنسان كما وعد الله من فعل ذلك فقال: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.
أسأل الله تعالى أن يصلح شأنك ويحقق لك آمالك إنه سميع مجيب.